عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»

فقهٌ

1. حذَّر النبي ﷺ من خطورة امتلاءِ البطنِ بالطعام؛ فإنَّ أكثرَ الأمراضِ حاصلةٌ بسبب ذلك، فضلًا عن أنَّ الإنسانَ إذا امتلأت معدته بالطعام تكاسل عن الطاعات، وفتر عن أداء عمله، وضعف العقل عن التفكُّر.

2. ولهذا نَدَب النبي ﷺ أُمَّته إلى أن يكتفوا بلُقماتٍ تسدُّ جوعَهم، وتحفظهم عن السقوط والضعف، ويتقوى بها المسلم على العبادات وأنواع الطاعات.

3. فإن عجز المسلمُ عن ذلك وأبى أن يستزيد من الطَّعام، فليجعل بطنه أثلاثًا؛ يملأ ثلثٌ بالأكلِ، وثلثٌ للشَّرَاب، ويترك ثُلُثًا للنَّفَس، فإنَّ البطن إذا امتلأ بالطعام والشَّراب، ضاق على النَّفَس، فيعَرَض له الكَرب والتَّعَب بحِمْله، بمنزلة حامل الحِمل الثقيل.

اتباع

  1. (1) الطبُّ النبويُّ يحرص على وقاية المسلم من الأمراض، وليس علاجها فحسب.

  2. (1) إياك وملأ معدتك بالطعام؛ فإنَّها سببُ كلِّ رذيلة، قال لقمان الحكيم رحمه الله لابنه: "يا بُنيَّ، إذا امتلأت الْمَعِدة، نامت الفكرة، وخَرَست الحكمة، وقَعَدت الأعضاء عن العبادة" [1].

  3. (1) شهوةُ البطنِ من الشهوات التي تُردي الإنسانَ في المحذورات، وبسببها أغوى إبليسُ اللعين آدمَ عليه السلام وزوجته حين أكلا من الشجرة.

  4. (2) قلة الأكل من محاسن الرجال، وكانت العربُ تمتدح الرجلَ الذي يأكل قليلًا، فكيف بأهل الإيمان؟!

  5. (2) يكفيك ما يُقيم صُلبَك ويسدُّ جوعك من الطعام والشراب، وإياك والتُّخَمة.

  6. (2) اعتاد النبيُّ ﷺ وأصحابَه رضوان الله عليهم ألَّا يأخذوا من الطَّعام إلا ما يحفظ البدنَ، ولهذا استوى في أعينهم الغث والسمين؛

    مَرَّ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ - أي مَشْويَّة - فَدَعَوْهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَقَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ»

    [2].

  7. (2) اجعل هِمَّتك في معالي الأمور لا في امتلاءِ بطنك بالطَّعام، فهذه غايةُ الكافرين الذين قال سبحانه في حقهم:

    {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}

    [الحجر: 3].

  8. (3) أقصى ما تصل إليه أن تملأ ثُلُثَ معدتك بالطَّعام؛ لتجعل للشراب والنَّفَس مسلكًا.

  9. (3) رُوي أن ابن ماسوَيْهِ الطبيبَ لَمَّا قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة، قال: لو استَعمَل الناس هذه الكلمات، سَلِموا من الأمراض والأسقام، ولتعطَّلت المارستانات ودكاكين الصيادلة، وإنما قال هذا؛ لأن أصل كل داء التُّخَم [3]. 

  10. (3) المسلمُ يأكل ما يُقيمُ بدنه ويسدُّ جوعَه، والكافرُ يتلذَّذ بالأكل ولا يشبعُ منه،

    قال ﷺ:

    «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»

    [4].

  11. قال الشاعر:

ثلاثٌ هنَّ مَهْلَكةُ الأنامِ = وداعيةُ الصَّحيحِ إلى السَّقامِ

دَوَامُ مُدَامةٍ ودَوَامُ وَطْءٍ = وإدخالُ الطَّعَامِ على الطَّعَامِ


المراجع

1. "إحياء علوم الدين" للغزاليِّ (3/ 82).

2. رواه البخاريُّ (5414).

3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 468).

4. رواه البخاريُّ (5393)، ومسلم (2060).





مشاريع الأحاديث الكلية