عن عمرِو بنِ العاصِ، أنه سَمِعَ رسولَ الله ﷺ يقول: «إذا حكَم الحاكمُ فاجتهدَ، ثم أصاب، فله أجرانِ، وإذا حكم فاجتَهدَ، ثم أخطأ، فله أجرٌ» متفق عليه.
عن عمرِو بنِ العاصِ، أنه سَمِعَ رسولَ الله ﷺ يقول: «إذا حكَم الحاكمُ فاجتهدَ، ثم أصاب، فله أجرانِ، وإذا حكم فاجتَهدَ، ثم أخطأ، فله أجرٌ» متفق عليه.
1- يرغَّب النبيُّ ﷺ في الاجتهاد بذل الوسع في النظر في الأدلة وتحري الحقِّ بقَدْر ما عنده من جُهد[1]، لكل حاكم، أي صاحبِ سلطة علمية -كالمفتي والمعلم-، أو عمليّة -كالقاضي والأمير والأب-، فإذا امتلك الأدوات التي تساعده على الوصول للحق [2] وسعى في ذلك؛ فوُفِّق في إدراك الصواب، بأن وافق حكمُه حكمَ الله - عزَّ وجلَّ - في المسألة التي يفصِّل فيها؛ فله على ذلك من الله تعالى أجرانِ: أجرُ الاجتهاد، وأجرُ الإصابة[3].
2- أما إذا اجتهد وبذل وسعه في تحري الحق والوصول إلى حُكم الله تعالى في مسألةٍ ثم أخطأ فيها، فهو معذورٌ لا إثم عليه، بل له أجرُ الاجتهاد. والخطأ معفوٌّ عنه بعد ذلك[4].
وخيرُ مثالٍ لهذا ما ورد في القرآن في شأن داود وسليمان عليهما السلام، إذ احتكم صاحبُ زرعٍ إلى داود عليه السلام، حيث اعتدت غنمٌ على الزرع فأفسدته، فقضى داود بأن يأخذ صاحب الزرعِ الغنمَ جزاءَ ما أفسدته. فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله! بل يأخذ صاحب الغنمِ الزرعَ فيقوم عليها حتى يصلحها، ويأخذ صاحب الزرع الغنمَ فيستفيد منها حتى يَصْلُح الزرع ويعود كما كان[5].
قال تعالى:
﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾
[الأنبياء: 78، 79]
فصوّب فعل سليمان وأثنى عليهما جميعًا[6].
وهذا الفضلُ مخصوصٌ بالحاكم المؤهَّل للحكم، أما إذا اجترأ الجاهلُ على الحكم بدون مؤهلاتٍ، فهو عاصٍ غيرُ مأجور، حتى وإنْ أصاب، لأن إصابته ليست صادرةً عن أصل شرعيٍّ، فمن قضى على جهلٍ فهو آثمٌ. سواءً أصاب الحق أم لا[7]، وفي الحديث:
«القضاةُ ثلاثة: قاضٍ في الجنة، واثنانِ في النار؛ قاضٍ عرَف الحق فقضى به، فهو في الجنة، وقاضٍ عرَف الحق فقضى بخلافه، فهو في النار، وقاضٍ قضى على جَهْل فهو في النار»[8].
1- ابذل جهدك في امتلاك أدوات الاجتهاد -من العلم والتأني ونحوها- قبل أن تحكم، بل عليك أن تمتلكها قبل أن تجتهد في الحكم، لأن من اجتهد في الحكم، ولم يجتهد في امتلاك أدوات الاجتهاد فليس بمجتهد حقيقة.
2- من اجتهادك أن تسأل المجتهدين في العلم، فإن لم تكن تملك كامل أدوات الاجتهاد فاسأل أهل العلم والشورى في كل تخصص.
3- اجتهد في كل حكم تتولاه، وأبشر بالأجر، واحذر من التفريط في المسؤولية لكسل أو غضب، ولا يخلو الإنسان من أن يكون حاكمًا على شيء، كالأب يحكم بين أولاده، والمعلم بين طلابه، والمفتي مع سائله، والقاضي، والأمير، ومدير العمال، والمستأمن على الأموال، وغيرهم.
4- لا تقف متهيبًا من خوض الحياة بمهماتها خوفًا من الخطأ، فالإسلام يهبك القوة والشجاعة على خوض التجارب والمسؤوليات، ويرفع عنك لوم نفسك متى كنت مجتهداً.
5- الصواب واحدٌ فابحث عنه، واطلبه بصدق، ولا تقع في فخ النسبية التي تميّع وجود الحقيقة.
6- لا تفترض أن كل من يخالفك فهو ضالٌّ ظالم، فقد يكون مجتهدًا فأخطأ في مسألةٍ، فهو مأجورٌ، معفوٌّ عن خطئه، وليكن لك سعة صدر للمسلمين، وتجنب اتهام العلماء والطعن فيهم لِمَا أدَّاه إليه اجتهادهم.
7- قال الشاعر:
مَا الْفَخْرُ إلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ = عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ
وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ = وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ
فَفُزْ بِعِلْمٍ تَعِشْ حَيًّا بِهِ أَبَدًا = فَالنَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ