عن عمرِو بنِ العاصِ، أنه سَمِعَ رسولَ الله ﷺ يقول: «إذا حكَم الحاكمُ فاجتهدَ، ثم أصاب، فله أجرانِ، وإذا حكم فاجتَهدَ، ثم أخطأ، فله أجرٌ» متفق عليه.
عن عمرِو بنِ العاصِ، أنه سَمِعَ رسولَ الله ﷺ يقول: «إذا حكَم الحاكمُ فاجتهدَ، ثم أصاب، فله أجرانِ، وإذا حكم فاجتَهدَ، ثم أخطأ، فله أجرٌ» متفق عليه.
1. في الحديث دليلٌ على أن خطأ المجتهد في الاجتهاد مَعفوٌّ عنه[1].
2. في الحديث أن الصواب في الاجتهاد واحدٌ، وصاحبه له أجرانِ، والمخطئ معذورٌ، وله أجرٌ واحدٌ[2].
3. في الحديث إشارة إلى فضل العلماء ورفعة منزلتهم عند الله عزَّ وجلَّ.
4. الاجتهادُ هو بَذلُ الوُسْع واستفراغُ الجُهد في طلب الأمر، والوصول إليه. والمراد به: ردُّ القضية التي تُعرَض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب والسُّنَّة[3].
5. المقصود بالمجتهد في الحديث هو المجتهد المتَّبِعُ للحُجَج الشرعية من الكتاب والسُّنَّة والقياس، لا من يبطلون الشرع بدعوى إعمال العقل، ويتحايلون على إسقاط الفرائض.
6. في الحديث ترغيب الحاكم في إعمال العقل في الحقِّ وبالحقِّ، وتبشيره بالأجر من الله على ذلك، حتى وإن لم يُوفَّق للصواب.
7. في الحديث لفظ «الحاكم» يشمَل القاضيَ والمفتيَ، فالإنسان إذا اجتهد في طلب الحقِّ، وتبيَّن له شيءٌ من الحقِّ، ثم أفتى به، أو حكم به، فهو على خيرٍ، إن أصاب فله أجرانِ، وإن أخطأ فله أجرٌ واحدٌ، ولا يُضيع الله تبارك وتعالى أجرَ مَن أحسن عملًا[4].
8. الفضلُ الواردُ في الحديث مخصوصٌ بالحاكم المؤهَّل لهذا الحكم، بأن يكون أهلاً للاجتهاد بدايةً، وتتوفَّر فيه الشروطُ الْمُعتَبَرة فيمَن يتصدَّرُ لهذا المقام، من تحصيل العلوم والمعارف اللازمة، وتوفُّر القُدرات العقلية التي تؤهِّله للاجتهاد، أما إذا اجترأ على الحُكم، وهو ليس أهلًا له، فهو عاصٍ غيرُ مأجور، حتى وإنْ أصاب.
9. الأجرُ في الحديث ليس على الخطأ؛ وإنما هو أجرُ الاجتهاد، وتتَبُّع الحقِّ، وبَذْل الوُسْع، والخطأ معفوٌّ عنه بعد ذلك[5].
10. الاجتهادُ لا يكون إلا فيما هو مستسَاغٌ، ويمكِن الاجتهادُ فيه من الفروع ونحوها، أما المسلَّمات والأصول التي هي أركانُ الشريعة، وأمَّهات الأحكام التي لا تحتمل الوجوه، ولا مدخلَ فيها للتأويل، والأمورُ المعلومة من الدِّين بالضرورات، فلا مجالَ للاجتهاد فيها، ومَن أخطأ فيها غيرُ معذور في الخطأ، وحكمه في ذلك مردود[6].
11. جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي السُّنَنِ:
«الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِه، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِخِلَافِهِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ»[7].
12. اختلف العلماء في هل كلُّ مجتهد مصيبٌ أو المصيب واحد، وهو من وافَق الحكم الّذي عند اللّه تعالى، والآخر مخطئ لا إثم عليه لعُذره؟ والأصحُّ عند الشّافعيِّ وأصحابه أنّ المصيب واحد؛ لأنه سُمِّيَ مُخطئًا، ولو كان مصيبًا لم يُسَمَّ مخطئًا؛ لأنه محمول على من أخطأ النصَّ، أو اجتهد فيما لا يَسُوغ فيه[8].
13. الْمُصِيب في أصول التّوحيد واحدٌ بإجماع من يُعْتَدُّ به، ولم يخالف في ذلك إلَّا عبدُاللّه بنُ الحسن العَبْتَريُّ، وداودُ الظّاهريُّ، صوَّبا المجتهِدين في الأصول والفروع [9].
14. قوله: (فاجتهد) عطف على الشرط، على تأويل: أراد أن يَحكُم فاجتهد، وقوله: (فأصاب) عطفٌ على (فاجتهد)، و(فله أجران) جزاء الشرط.