عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال:سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ»

فقه

1- سأل رجلٌ من الصَّحابة رضوان الله عليهم النبيَّ ﷺ عن الوضوء بماء البحر؛ فإنهم يسافرون عبْر البحر ويحملون معهم القليلَ من الماء، فإن توضَّؤوا منه عَطِشوا، فهل يجوز لهم – والحالة هذه – أن يتوضَّؤوا من ماء البحر؟

2- فأجابه ﷺ بأنَّ ماء البحر طاهرٌ في نفسه مطهِّرٌ لغيره، وإن اختلف لونُه وطعمُه عن الماء العذب.

3- وزاده ﷺ ببيان أنَّ ما مات من الحيوانات التي تعيش في البحر فهو حلالٌ يجوز أكلُه، مُستثنًى من

قوله تعالى:

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}

[المائدة: 3]

 وقد قال ﷺ:

«أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ»[1]

اتباع

1- (1) كان سؤال الصحابيِّ رضي الله عنه  واضحًا، شرح فيه موقفه كاملًا؛ لأنه قد تختلف الفتوى باختلاف الحال والمقام، ولذلك يجب على السائل أن يوضِّح المسألة للمفتي تمامًا، وعلى المفتي ألَّا يجيبه حتى يفهم المسألة كاملةً بتفاصيلها.

2- (1) حرَص الصحابيُّ على أمر دينه، فرغم أنَّه مسافرٌ يمكنه الجمع بين الصلوات أو تأخير الصلاة لآخر وقتها حتى ينزل إن كان سفرُه قصيرًا، إلا أنَّه اهتمَّ بمثل هذه المسألة، مراعيًا أداء الصلاةِ في وقتها. فينبغي ألَّا نَنشغِل بأمور الدنيا عن عبادة الله تعالى.

3- (2) أجاب النبيُّ ﷺ بقوله: «هو الطهور ماؤه»، ولم يُجِب بـ"نعم" مثلًا؛ لئلا يُفهَم أنَّه يجوز للمرء أن يتوضأ من ماء البحر في حال الضرورة فقط عندما يركب البحر ومعه ماءٌ قليل، ولا يجوز غسل النجاسات منه، بل قال: «هو الطهور ماؤه» ليفيد حكمًا عامًّا أنَّ ماء البحر طاهرٌ مطهِّرٌ، سواءً وُجد غيره من الماء العذب أم لم يُوجَد، وسواءً كان الإنسان في سفر أم إقامة[2] وهذا من حِكمة الفقيه؛ إذ ينبغي أن تكون إجابته واضحةً لا احتمالَ فيها.

4- (2) قوله ﷺ: «الطَّهُورُ ماؤه» بتعريف اللفظين توكيدٌ للحكم؛ فقد كان يمكن أن يقول: ماء البحر طهور، لكنَّه أكَّد ذلك بتعريف المبتدأ والخبر. فعلى العالم والفقيه أن تكون إجاباته مؤكَّدة لا مجال للشك فيها، وإلا كان السائلُ في حَيرةٍ من العمل بالفتوى.

5- (3) في الحديث جواز الزيادة على جواب السائل بما لم يسأله إذا رأى المسؤولُ حاجةَ السائل إلى ما غاب عنه السؤال عليه؛ فلمَّا كان السائل يداوم السفر عبر البحر، اقتضى ذلك أن يُصادف سمكًا طافيًا على الماء ميتًا، فأفاده ﷺ أنَّه حلالٌ يجوز له أكلُه؛ فيحسُن بالداعية والمُعلِّم والفقيه ألَّا يقتصر على جواب السائل بما يتضمنه سؤاله، إن رأى شيئًا آخر متعلقًا به غفل السائل عن السؤال عنه[3]

 

المراجع

  1. رواه ابن ماجه (3314).
  2.  "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 29، 30).
  3.  "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 30، 31).


مشاريع الأحاديث الكلية