عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال:سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1- إن الطهارةَ من أَجَلِّ العبادات، وأعظمِ القُرُبات التي يَتقرَّب بها العبدُ إلى خالقه سبحانه، وعليها تتوقَّف صحَّةُ كثيرٍ من العبادات.

2- الطهارة سبب لمحبَّة اللهِ - عزَّ وجلَّ -

قال تعالى:

﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ﴾ 

[البقرة: 222].

3- هذا الحديث عظيمٌ، وهو أصلٌ من أصول الطّهارة، ومشتمِل على أحكامٍ كثيرة، وقواعدَ مهمَّةٍ .[1] قال الشّافعيُّ: "هذا الحديث نصف علم الطَّهارة[2]"

4- لَمْ يُجِبْهُمْ ﷺ بنعم حين قالوا: (أفنتوضَّأ به؟)؛ لأنّه يَصِير مقيَّدًا بحال الضَّرورة، وليس كذلك، وأيضًا فإنّه يُفهَم من الاقتصار على الجواب بنعم أنّه إنّما يُتوضَّأ به فقط، ولا يُتطهَّر به لبقيَّة الأحداث والأنجاس[3]

5- من محاسن الفتوى أن يُجاء في الجواب بأكثرَ ممَّا سُئل عنه؛ تَتْمِيمًا للفائدة، وإفادةً لعلم غير المسؤول عنه، ويتأكَّد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحُكم؛ كما في هذا الحديث، لَمَّا عَرَف ﷺ اشتباه الأمر على السَّائل في ماء البحر، أَشفَق أن يَشتبِه عليه حُكم مَيْتَته، وقد يُبتلى بها راكب البحر، فعقَّب الجوابَ عن سؤاله ببيان حُكم الْمَيتة؛ وذلك لأنَّ من توقَّف في طُهوريَّة ماء البحر، فهو عن العِلم بحِلِّ مَيْتَته مع تقدُّم تحريم الْمَيتة أشدُّ توقُّفًا[4]

المراجع

  1.  "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 31).
  2.  "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 31).
  3.  "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 29، 30).
  4.  "سبل السلام" للصنعانيِّ (1/ 20، 21).

الفوائد الفقهية

6- يُستفاد من الحديث – وهو ظاهر

قوله تعالى:

(أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ) 

[المائدة: ٩٦]

- إباحةُ أكلِ مَيتاتِ البحرِ كلِّها، والمرادُ منها كلُّ ما يَعيش في البحرِ؛ فكلُّ ذلك حلالٌ بأنواعِه، ولا حاجةَ إلى ذَبحِه، سواءٌ يُؤكَلُ مِثلُه في البَرِّ كالبقَرِ والغنَمِ، أوْ لا يُؤكَلُ كالكَلبِ، والكلُّ سَمَكٌ وإنِ اختَلَفتِ الصُّورُ.

7- قوله: «هو الطَّهور»: هو عند الشَّافعيَّة: المطهِّر، وبه قال أحمدُ، وحكى بعضُ أصحاب أبي حنيفةَ عن مالكٍ، وبعضُ أصحاب أبي حنيفةَ: أنَّ الطَّهور هو الطَّاهر، واحتجَّ الأوَّلون بأنَّ هذه اللَّفظة جاءت في لسان الشَّرع للمطهِّر؛

كقوله تعالى:

  (  مَآءٗ طَهُورٗا  )

[الفرقان: 48]

وأيضًا السَّائل إنّما سأل النّبيَّ ﷺ عن التَّطهُّر بماء البحر، لا عن طَهَارته، ويدلُّ على ذلك أيضًا قولُه ﷺ في بئر بُضاعةَ: «إنَّ الماءَ طَهُورٌ»؛ لأنّهم إنّما سألوه عن الوضوءِ به[1]

8- في الحديث أن التوضُّؤ بماء البحر يَجُوز مع تغيُّر طَعْمِه ولَونه[2]

9- في الحديث أن الطَّهور هو المطهِّر؛ لأنه ﷺ سُئل عن تطهير ماء البحر، لا عن طهارته، ولولا أنهم عَرَفوه من الطَّهور، لكان لا يزول إشكالهم بقوله: «هو الطَّهور ماؤه». وقيل: الطَّهورُ ما يتكرَّر منه التَّطْهِير؛ كالصَّبور والشَّكور، وهو قول مالك، جوَّز الوضوء بالماء المستعمَل[3]

10- في الحديث جواز الطّهارة بماء البحر، وبه قال جميع العلماء إلّا ابنَ عبد البرِّ، وابنَ عمر، وسعيدَ بنَ المسيِّب[4]

 

المراجع

  1. "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 29، 30).
  2.  "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (3/ 830).
  3.  "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (3/ 830).
  4.  "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 29، 30).

الفوائد التربوية

11- في الحديث مشروعيّةُ الزّيادة في الجواب على سؤال السّائل لقصر الفائدة، وعدم لزوم الاقتصار، وقد عقد البخاريُّ لذلك بابًا فقال: باب من أجاب السّائل بأكثرَ ممَّا سأله. فكأنّه سأله عن حالة الاختيار، فأجابه عنها، وزاد حالة الاضطرار، وليست أجنبيّةً عن السّؤال؛ لأنّ حالة السَّفر تقتضي ذلك"[1]

12- "في حديث الباب دليلٌ على أنّ المفتيَ إذا سُئل عن شيء، وعَلِم أنّ للسّائل حاجةً إلى ذِكر ما يتَّصِل بمسألته، استُحِبَّ تعليمه إيَّاه، ولم يكن ذلك تكلُّفًا لِما لا يَعنيه؛ لأنّه ذَكَر الطَّعَام وهم سألوه عن الماء؛ لِعلمه أنّهم قد يَعُوزهم الزّاد في البحر"[2]

13- أمّا ما وقع في كلام كثير من الأصوليّين أنّ الجواب يجب أن يكون مطابقًا للسّؤال، فليس المرادُ بالمطابقة عَدَمَ الزّيادة؛ بل المراد أنّ الجواب يكون مفيدًا للحُكم المسؤول عنه[3] 

المراجع

  1. "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 30، 31).
  2.  "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 30، 31).
  3. "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 31).

الفوائد اللغوية

14-   "الطَّهور اسم للماء الذي يُتطهَّر به، ولا يجوز إلا أن يكون طاهرًا في نفسه، مطهِّرًا لغيره؛ لأن عُدولهم عن صيغة (فاعل) إلى (فَعول) أو (فعيل)؛ لزيادة معنى؛ لأن اختلاف الأبنية لاختلاف المعاني، فكما لا يجوز التسوية بين صابر وصَبور، وشاكر وشَكور، كذلك في طاهر وطَهور، والشَّيء إذا كان طاهرًا في نفسه، لا يجوز أن يكون من جنسه ما هو أطهرُ منه، حتى يَصِفه بطَهور لزيادة، وإذا نقلنا الطاهر إلى طَهور، لم يكن إلا لزيادة معنى، وذلك المعنى ليس إلَّا التطهير[1]"

15- إن قيل: بناء الطَّهور من (طَهُر يَطهُر طهارةً)، وهو لازم، فكيف يجوز تَعْدِيَتُه بتطهير غيره؟ قلنا: النظر في هذه اللفظة أدَّى إلى أن فيه معنى التطهير؛ لأنه لا يجوز إطلاقه على الماء الذي ليس بمطهِّر؛ لأن العرب لا تسمِّي الشيء الذي لا يقع به التطهير طَهورًا، فمن هذا الوجه يَجِبُ أن يُعلَم، لا من التَّعَدِّي واللُّزوم[2]

16- تعريف الطَّهور باللّام الجنسيَّة المفيدة للحصر لا ينفي طُهوريَّة غيره من المياه؛ لوقوع ذلك جوابًا لسؤال من شَكَّ في طُهوريَّة ماء البحر من غير قصد للحصر، وعلى تسليم أنَّه لا تخصيصَ بالسَّبب، ولا يُقصَر الخطاب العامُّ عليه، فمفهوم الحصر المفيد لنفي الطُّهوريَّة عن غير مَائه عمومٌ مخصَّص بالمنطوقات الصّحيحة الصَّريحة القاضية باتِّصاف غيره بها[3]

17- «ماؤه»: هو فاعل المصدر، وضميرُ (ماؤه) يقتضي أنّه أُريد بالضَّمير في قوله: «هو الطَّهور». البحر؛ يعني: مكانه؛ إذ لو أُريد به الماء لَمَا احتِيج إلى قوله: «ماؤه»؛ إذ يَصير في معنى طَهُور ماؤه في الماء[4]

18- «الحلُّ» هو مصدر حَلَّ الشَّيءُ ضِدُّ حَرُم[5]

المراجع

  1.  "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (3/ 830).
  2.  "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (3/ 830).
  3.  "نيل الأوطار" للشوكانيّ (1/ 29، 30).
  4.  "سبل السلام" للصنعانيِّ (1/ 19).
  5.  "سبل السلام" للصنعانيِّ (1/ 19).

مشاريع الأحاديث الكلية