عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».
1. جاء رجلٌ إلى النبيِّ ﷺ يشكو إليه كثرة النوافل والسُّنَنِ حتى عجز عن أدائها كلِّها، وطلب من النبيِّ ﷺ أن يخبره بعملٍ من تلك السُّنن التي يعظم أجرها ويدرك بها ما فاته من أجور النوافل والسُّنَن، ليتمسك به ويحرص عليه.
2. ولا يُفهم من كلامه هذا أنَّه يشمل الفرائض كذلك؛ إذ لا يُتصور ذلك منه، ولا أن يُقرَّه عليه النبيُّ ﷺ، كما أنَّ جميع النوافل لا تسدُّ مسدَّ فريضةٍ واحدة[1].
3. فأمره النبيُّ ﷺ بكثرة ذكر اللهِ سبحانه، وأن يظل لسانُه رطبًا نَدِيًّا بذكره تعالى، فيداوم عليه ليلًا ونهارًا.
4. وإنما اختار له ﷺ الذكرَ لسهولته وخفَّته على اللسان، ولعظيم أجره
فقد قال ﷺ:
«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُم؟» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى»[2].
5. ويكفي في فضل الذِّكر أنَّ اللهَ سبحانه يقول في الحديث القدسي:
«أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»[3]
1- (1) إذا تكاثرت عليك الطاعات والنوافل، فتحرَّ أفضلَها جزاءً واغتنم وقتك بها.
2- (1) ينبغي على الدُّعاةِ أن يبينوا للنَّاس ثواب الطاعات والنوافل حتى يحفزهم ذلك على المداومة عليها.
3- (1) على الدُّعاة والمُرَبِّين أن يتخيروا للنَّاس من النَّوافل ما يليق بحالهم، ويعظم أجره عند اللهِ تعالى.
4- (2) ما أيسرَ عبادة الذكر! يؤديها العبدُ من غير مشقةٍ أو تعبٍ. فالسعيد مَن حرص على مثل تلك العبادة.
5- (2) داوِم على ذكر اللهِ سبحانه؛ فبالذكر تُغفر الذنوب، وتُرفع المراتب، ويُطرد الشيطان، ويرضى الرحمن، وتُكشف الكُرَب، وتزول الهموم، ويُبارَك في الرزق، ويَقوى القلبُ والبدن.
6- (2) آية المحبة: الذكرُ وعدم النسيان. فاختبر قلبَك أتراك مُحِبًّا دائم الذكر لربك أم مُدَّعِيًا تلك المحبة؟
7- (2) الذكر مراتب؛ فأعلاها أن تذكرَ اللهَ تعالى بقلبك ولسانك، ثم أن تذكره بقلبك، ثم أن تحرك لسانك بذكره من غير تفكُّرٍ. وبين كلِّ مرتبةٍ بونٌ بعيدٌ وأجرٌ عظيم.
8- (2) الذكرُ حياةُ القلوبِ
ولهذا قال ﷺ:
«مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ»[4].
9- قال الشاعر:
عَلَيْكَ بذِكْرِ اللهِ يا طالبَ الأَجْرِ = وَيا راغِبًا في الخَيْرِ والفَضْلِ والبِرِّ
عليكَ بِهِ تُعطى الرغائبَ كلَّها = وتُكفى به كلَّ الْمُهمَّات والضُرِّ
فمَنْ يَذْكُرِ الرحمنَ فَهْوَ جَلِيسُهُ = ومَنْ يَذْكُرِ اللهَ يُكافِئْهُ بالذِّكْرِ
ومَنْ يَعْشُ عن ذِكْرِ الإلهِ فإنه = قَرِينٌ له الشَّيْطَانُ في داخِلِ الصَّدْرِ
ومَن يَنْسَ مَوْلاهُ الكَرِيمَ فَرَبُّهُ = له ناسيًا، أَعْظِمْ بذلك من خُسْرِ!
له استحوَذَ الشَّيْطَانُ نسَّاهُ ذِكْرَ مَنْ = تفضَّلَ بالإيجادِ في أوَّلِ الأمرِ