عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».

عناصر الشرح

غريب الحديث:

شَرَائِع: جمع شريعة، وهي: مَوْرِدُ الناس للاستقاء، وسُمِّيَت بذلك لوضوحها وظهورها، وشَرَعَ الله لنا كذا، يَشْرَعُه: أَظهَره وأَوْضَحه[1].

أَتَشَبَّثُ بِه: أي: أتعلَّق به[2].

المراجع

  1. "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" للفيوميِّ (1/ 310).
  2. "قوت المغتذي على جامع الترمذي" للسيوطيِّ (2/ 829).


المعنى الإجماليُّ للحديث:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ)؛ أي: إن الفرائض والسُّنن التي شَرَعها الله تعالى قد كَثُرت عليَّ. «فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ»؛ أي: فأخبرني عن شيء من النوافل – بعد أن أُؤدِّي فرائضي – يسيرٍ، وأجرُه عظيم، ألتزم به.

قال ﷺ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»؛ أي: داوِمْ على ذكر الله - عزَّ وجلَّ - بالليل والنهار، وليكن لسانُكَ غضًّا طَرِيًّا بذكر الله تعالى؛ فالذكرُ عمل يسير، وفضلُه كبير، وجزاؤه عظيم من الله سبحانه وتعالى.

الشرح المفصَّل للحديث:

إن ذِكْرَ الله عزَّ وجلَّ من أجلِّ القُربات، وأحبِّ العبادات إلى ربِّ البريَّات، فيه حياةُ القلب، وطُمأنينة النفس، وراحة البال، هو جنَّة المؤمنين، ونور الصادقين، وطريق السالكين، لم يَزَلِ الله يَأمُر به عباده تَزْكيةً لقلوبهم، وتثبيتًا لإيمانهم، ورِفعةً في درجاتهم.

وفي الحديث الصحيح: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَجُلًا): ولم يُعرَف اسم هذا الرجل، وفي رواية: "أن أعرابيًّا"، ويُفهَم منها أنه من أهل البادية، (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ): وشرائع: جمع شريعة، و"الشريعة: ما شَرَع الله وأَظهَره لعباده من الفرائض والسُّنن"[1]، والظاهر أن المراد بها هنا النوافل؛ إذ لا يُتصوَّر أن يكون الكلام على الفرائض؛ أي: يا رسول الله، إن النوافل قد كَثُرَت عليَّ، حتى عَجَزْتُ عن القيام بها كلِّها، (فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ)؛ أي: فأَنبِئْني وأَعلِمْني بشيء جامعٍ يسير، يُدِرُّ عليَّ الخير الكبير، أتمسَّك به، ويكون عِوَضًا لي عن تقصيري؛ "ليَسهُل عليه أداؤها، أو ليحصل به فضل ما فات منها من غير الفرائض، ولم يُرِدِ الاكتفاءَ به عن الفرائض والواجبات"[2].

قال ﷺ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»؛ أي: داوِمْ على ذكر الله عزَّ وجلَّ بالليل والنهار، ولا يزال لسانك غضًّا طَرِيًّا بذكره، فأرشده النبيُّ ﷺ إلى الذكر لسهولته، ومنافعه العظيمة، وثوابه الكبير.

وقد أمرنا الله تعالى بالإكثار من ذكره

فقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}

[الأحزاب:41]

وذِكْرُه سببٌ لغُفران الذنوب، والأجرِ الكبير

قال تعالى:

{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}

[الأحزاب: 35]

كما أن ذِكْرَ الله عزَّ وجلَّ من أحبِّ الأعمال إليه، وأرفعها في الدرجات، وأفضلُ من صَدَقة الذهب والفضة؛ عن أبي الدرداء قال:

قال رسول الله ﷺ:

«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُم؟» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى»[3].

وسببٌ من أسباب التيسير والتوفيق، والفلاح في الدنيا والآخرة

قال تعالى:

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

[الأنفال: 45]

وذِكْرُ الله عزَّ وجلَّ هو الغنيمة الباردة، التي تُدخِل صاحبها الجنَّة بلا تعب أو مشقَّة، يَقدِر كلُّ إنسان على الإتيان بها في أيِّ وقت، وعلى كلِّ حال

قال تعالى:

{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ}

[آل عمران: 191]

ولكن لا يوفَّق إليه إلَّا قلبٌ عامر بالإيمان، وذِكْرُ الله مِنحةٌ للفقراء الصالحين؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَا، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»[4].

وذِكْرُ الله طمأنينة للقلب، وسكينة للنفس

قال تعالى:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

[الرعد: 28]

وهو فرق بين الحيِّ والميِّت، ففيه حياة القلب، وراحة البال؛ فعن أبي موسى الأشعريِّ، قال:

قال رسول الله ﷺ:

«مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ»[5]

وله لذَّةٌ لا يُدانيها لذَّةٌ؛ فما تلذَّذ المتلذِّذون بمثلِ ذكر الله عزَّ وجلَّ؛ فليس شيءٌ من الأعمال أخفَّ مُؤْنةً منه، ولا أعظمَ لذَّةً، ولا أكثرَ فرحةً وابتهاجًا للقلب.

والبُعْدُ عن ذكر الله عزَّ وجلَّ من أسباب قسوة القلب، وما أُذِيبت القلوب القاسية بمثل ذكر الله تعالى. قال رجل للحسن البصريِّ رحمه الله: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أَذِبْه بالذِّكْر. وقد حذَّرَنا الله تبارك وتعالى من ترك الذكر

قال تعالى:

{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}

[الزمر: 22]

أي: فالعذابُ الشديد لمن جَفَت قلوبهم، وأَعرَضت عن ذكر الله عزَّ وجلَّ.

وأفضلُ الذكر على الإطلاق قراءة القرآن الكريم؛ قال سفيان الثَّوريُّ رحمه الله: سمعنا أنَّ قراءة القرآن أفضلُ الذِّكر إذا عمل به

وقال تعالى:

{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}

[الفرقان: 33]

فخيرُ ما ينبغي للعبد أن يَذكُر به ربَّه، مُدَاومة النظر في كتابه، وتعاهده، وفَهم معانيه، ولا شيء أرغبُ في ذكر الله على الدوام من ذكر الله للعبد إذا ذكره

قال تعالى:

{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}

[البقرة: 152]

وفي الحديث القدسيِّ: عن أبي هريرة، قال:

قال رسول الله ﷺ:

«يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»[6]

فإن لم يكن لهؤلاء الذاكرين شرفٌ إلا أن الله يَذكُرهم، لكَفَاهم.

والذكر بمعناه العامِّ: " الإتيان بالألفاظ التي وَرَد الترغيب في قولها، والإكثار منها؛ مثل الباقيات الصالحات، وهي: "سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر"، وما يلتحق بها من الحَوْقَلة، والبَسْمَلة، والحَسْبَلة، والاستغفار، ونحوِ ذلك، والدعاء بخيرَيِ الدنيا والآخرة، ويُطْلَق ذِكْرُ اللَّه أيضًا، ويُراد به المواظبة على العمل بما أَوْجبه، أو نَدَب إليه؛ كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومُدارَسة العلم، والتنفُّل بالصلاة، ثم الذكرُ يقع تارةً باللسان، ويؤجر عليه الناطق، ولا يُشترط استحضاره لمعناه؛ ولكن يُشترط أن لا يُقصَد به غير معناه، وإن انضاف إلى النطق الذكرُ بالقلب فهو أكملُ، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم اللَّه تعالى، ونفي النقائص عنه، ازداد كمالًا، فإن وقع ذلك في عمل صالح، من صلاة، أو جهاد، أو غيرهما، ازداد كمالًا، فإن صحَّح التوجُّهَ، وأَخلَص للَّه تعالى في ذلك، فهو أبلغ الكمال"[7].

وأفضلُ أوقات النهار للذكر: الفجرُ، والعصرُ؛ ولهذا أمرَنا ربُّ العزَّة عزَّ وجلَّ بالذكر فيهما في مواضعَ متعدِّدةٍ في كتابه

قال تعالى:

{وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}

[آل عمران: 41]

وقال تعالى:

{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}

[الأحزاب: 42]

وقال تعالى:

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}

[الروم: 17]

وأفضلُ ما فُعِل في هذين الوقتين من الذكر: صلاةُ الفجر وصلاة العصر.

وللذِّكْرِ درجاتٌ ثلاث: تارةً بالقلب واللسان، وتارةً بالقلب، وتارةً باللسان فقط، ولا شكَّ أن الذكر بالقلب واللسان أفضلُ الدرجات؛ ففيها انشغال اللسان بالذِّكر، وحضور القلب، ويليها الذكرُ بالقلب؛ فهي داعية إلى مراقبة الله عزَّ وجلَّ، ويليها الذِّكر باللسان؛ ففيها تعويد للإنسان على الذكر. 

وقد شَرَع النبيُّ ﷺ لأمَّته من الأذكار ما يملأ وقتهم، ويحصِّنهم بها من سوء القضاء، ويَرفَع بها الدرجات، ويهيِّئُهم للعبادات، فلا تكاد تَجِدُ وقتًا من الأوقات، ولا حالاً من الأحوال، إلا وفيه ذكر مأثور عن النبيِّ ﷺ، ففي الصباح أذكار معلومة، وفي المساء أوراد مخصوصة، وعند الدخول إلى المنزل والخروج منه، وعند لبس الثياب، وعند النظر في المرآة، وعند صعود مكان مرتفع أو النزول منه، وغير ذلك من الأوقات والأحوال.

ومن أهمِّ ما ينبغي على الوالدينِ تحفيظُ أولادهم للأدعية والأذكار الواردة عن النبيِّ ﷺ، وتعويدُهم على استخدامها في حياتهم اليومية؛ فيعلِّمانِهم أذكار الصباح والمساء، والأدعية التي تقال عند الاستيقاظ من النوم، وعند الأكل والشُّرب، والسَّفَر، وعند دخول المسجد والخروج منه، وغيرها، والتدرُّج في ذلك حتى يحفظها الأبناء عن ظَهْرِ قَلب، ويُداوِمون عليها؛ اقتداءً بالنبيِّ ﷺ، وحبًّا له، وتمسُّكًا بهَدْيِه. 

وللذِّكْرِ فوائدُ عظيمةٌ، ومنافعُ كبيرة، ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه الماتع "الوابل الصيب" تَزيد على السبعين فائدةً[8]، هَاكَ بعضًا منها رجاءَ إصابتها، وحصول بركتها: يَطرُد الشيطان ويَقمَعه ويكسره - يُرضي الرحمن عزَّ وجلَّ - يُزيل الهمَّ والغمَّ عن القلب - يَجلِب للقلب الفرح والسرور والبسط - يقوِّي القلب والبدن - ينوِّر الوجه والقلب - يَجلِب الرزق - يكسو الذاكر المهابةَ والحلاوة والنَّضرة - ينال الذاكرُ محبَّة الله عزَّ وجلَّ - يُورِث الذاكرَ المراقبة حتى يُدخله في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان -  قوت القلب والروح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته - يُزيل الوَحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى.

المراجع

  1. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1739).
  2. " كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه" لنور الدين السنديِّ (2/ 418).
  3. رواه أحمد (21702)، والترمذيُّ (3377)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1493).
  4. رواه البخاريُّ (843)، ومسلم (595).
  5. رواه البخاريُّ (6407)، ومسلم (779).
  6. رواه مسلم (2675).
  7. " البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج " للولويِّ (16/ 159)
  8. "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص: 41).


النقول:

قال الطِّيبيُّ رحمه الله: "قوله: «إن شرائع الإسلام»: الشريعةُ مَورِد الإبل على الماء الجاري، وفي الشريعة ما شَرَع الله لعباده من الدين؛ أي: سنَّه لهم، وافترضَه عليهم، والتنكيرُ في «شيء» للتقليل المتضمِّن لمعنى التعظيم... معناه: أخبرني بعمل يسير مستجلِبٍ لثواب كثير، فأُلازِم عليه، وأعتصِم به، ولم يُرد بقوله: «كَثُرت عليَّ» أنه يَترُك ذلك رأسًا، ويشتغل بغيره فحسبُ؛ وإنما أراد أنه بعد أداء ما افتُرض عليه يتشبَّث بما يستغني به عن سائر ما لم يُفترَض عليه، وعدَّى «كَثُرت» بـ «على» تضمينًا لمعنى غَلَبَتِها إيَّاه وعَجْزِه عنها"[1].

قال الطِّيبيُّ رحمه الله: "رطوبة اللسان عبارةٌ عن سهولة جَرَيانه، كما أن يَبَسه عبارةٌ عن ضدِّه، ثم إنَّ جريان اللِّسان حينئذٍ عبارةٌ عن مُداومة الذكر قبل ذلك، فكأنَّه قيل: دَاوِمْ الذِّكر"[2].

قال ابن رجب رحمه الله: "قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، عن بعض أصحابه: علامة حبِّ اللّه كثرة ذِكره؛ فإنّك لن تحبَّ شيئًا إلّا أكثرت ذكره. وقال فتح الموصليُّ: المحبُّ للّه لا يَغفُل عن ذكر اللّه طرفة عين. قال ذو النّون: من اشتغل قلبه ولسانه بالذّكر، قذف اللّه في قلبه نور الاشتياق إليه. قال إبراهيم بن الجُنيد: كان يقال: من علامة المحبِّ للّه دوام الذّكر بالقلب واللّسان، وقلَّما وَلِع المرء بذكر اللّه عزّ وجلّ إلّا أفاد منه حبَّ اللّه. وكان بعض السّلف يقول في مناجاته: إذا سئم البطّالون من بِطالتهم، فلن يسأم محبُّوك من مناجاتك وذكرك. قال أبو جعفر الْمُحوَّليُّ: وليُّ اللّه المحبُّ للّه لا يخلو قلبه من ذكر ربِّه، ولا يسأم من خدمته"[3].

قال العباد: "هذا الحديث فيه حرصُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم على الخير، وسؤالهم عن أمور الدين، وعن الأمور الجامعة التي يحصِّلون فيها الأجور العظيمة، وهي أعمال خفيفة ويسيرة لا مشقَّة فيها؛ بل عَمَلها يسير، وفضلها كبير، وجزاؤها عظيم من الله سبحانه وتعالى، فهو يسأل ويقول: «إن شرائع الإسلام كثُرت عليَّ» والمقصود من ذلك: النوافل، وإلا فإن الفرائض يتعيَّن على كلِّ مسلم أن يأتيَ بها؛ ولكن السائل يسأل عن الشيء الذي يمكِنه أن يعتنيَ به، وأن يحرص عليه فيما يتعلَّق بالنوافل، فهو يطلب أن يدُلَّه  على باب منها يتمسَّك به، يكون جامعًا للخير، ومحصِّلاً للأجر"[4].

قال ابن عثيمين رحمه الله: "مَثَلُ الذي يَذكُر اللهَ، والذي لا يذكر الله كمَثَل الحيِّ والميِّت؛ وذلك لأن الذي يَذكُر الله تعالى قد أحيا الله قلبَه بذِكره، وشَرَح له صدرَه، فكان كالحيِّ، وأما الذي لا يذكُر الله، فإنه لا يطمئنُّ قلبُه، ولا يَنشِرح صدره للإسلام، فهو كمَثَل الميِّت، وهذا مَثَلٌ ينبغي للإنسان أن يَعتبِر به، وأن يعلم أنه كلَّما غَفَل عن ذِكر الله - عزَّ وجلَّ - فإنه يقسو قلبُه، وربما يموت قلبُه، والعياذ بالله!"[5].

قال ابن القيم رحمه الله: "الذّكر ثلاثة أنواع: ذكر الأسماء والصّفات ومعانيها، والثّناء على اللّه بها، وتوحيد اللّه بها، وذكرُ الأمر والنّهي، والحلال والحرام، وذكرُ الآلاء والنَّعماء والإحسان والأيادي، وأنه ثلاثة أنواع أيضًا: ذكر يتواطأ عليه القلب واللّسان، وهو أعلاها، وذكر بالقلب وحده وهو في الدّرجة الثّانية، وذكر باللّسان المجرَّد، وهو في الدّرجة الثّالثة"[6].

قال محمدُ بن عليٍّ الولويُّ رحمه الله: "المراد بالذِّكر: الإتيانُ بالألفاظ التي وَرَد الترغيبُ في قولها، والإكثارِ منها؛ مثل الباقيات الصالحات، وهي: "سبحانَ اللَّه، والحمدُ للَّه، ولا إلهَ إلا اللَّهُ، واللَّهُ أكبرُ"، وما يَلتحِق بها من الحَوْقَلة والبَسْمَلة والحَسْبَلة والاستغفار، ونحوِ ذلك، والدعاء بخيرَيِ الدنيا والآخرة، ويُطْلَق ذكرُ اللَّهِ أيضًا، ويُراد به المواظبةُ على العمل بما أَوجَبه، أو نَدَب إليه؛ كتلاوة القرآن، وقراءةِ الحديث، ومُدارسة العلم، والتنفُّلِ بالصلاة، ثم الذِّكرُ يقع تارةً باللسان، ويؤجر عليه الناطق، ولا يُشترَط استحضاره لمعناه؛ ولكن يُشترط أن لا يَقصِد به غيرَ معناه، وإن انضاف إلى النُّطق الذكرُ بالقلب فهو أَكمَلُ، فإن انضاف إلى ذلك استحضارُ معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى، ونَفْيِ النقائص عنه، ازداد كمالًا، فإن وقع ذلك في عمل صالح من صلاة، أو جهاد، أو غيرهما، ازداد كمالًا، فإن صحَّح التوجُّهَ، وأَخلَص للَّه تعالى في ذلك، فهو أبلغُ الكمال"[7].

قال مالكُ بنُ دِينَارٍ رحمه الله: "ما تَلَذَّذَ المتلَذِّذون بِمِثْلِ ذكرِ الله - عزَّ وجلَّ - فليس شيءٌ من الأعمال أخفَّ مؤنةً منه، ولا أعظم لذَّةً ولا أكثرَ فرحةً وابتهاجًا للقلب"[8].

المراجع

  1. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1739).
  2. "قوت المغتذي على جامع الترمذي" للسيوطي (2/ 829).
  3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 516).
  4. "شرح الأربعين النووية" للعباد (36/ 5).
  5. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (5/ 517).
  6. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 403).
  7. "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" للولويِّ (16/ 159).
  8. "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص 81).


مشاريع الأحاديث الكلية