عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1. هذا الحديث فيه حرصُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم على الخير، وسؤالهم عن أمور الدين، وعن الأمور الجامعة التي يحصِّلون فيها الأجور العظيمة، وهي أعمال خفيفة ويسيرة لا مشقَّة فيها؛ بل عَمَلها يسير، وفضلها كبير، وجزاؤها عظيم من الله سبحانه وتعالى.

2. لم يَترُكِ النبيُّ ﷺ بابًا من أبواب الخير إلا ودلَّ أمَّته عليه، ورغَّبها فيه، ولم يَترُك بابًا من أبواب الشرِّ إلا وحذَّر منه.

3. الذكرُ هو استحضار القلب لعظمة الله، وللخوف من اليوم الآخر، وجَرَيان اللسان بالثناء على الله تعالى بما ثبت شرعًا من أسمائه أو صفاته، أو بطَلَب غُفرانه وفضله.

4. إن ذِكْرَ الله عزَّ وجلَّ من أجلِّ القربات، وأحبِّ العبادات إلى ربِّ البريَّات، فيه حياةُ القلب، وطُمأنينة النفس، وراحة البال، هو جنَّة المؤمنين، ونور الصادقين، وطريق السالكين، لم يَزَلِ الله يَأمُر به عباده تَزْكيةً لقلوبهم، وتثبيتًا لإيمانهم، ورِفعةً في درجاتهم.

5. الظاهر أن المراد بشرائع الإسلام في الحديث النوافل؛ إذ لا يُتصوَّر أن يكون الكلام على الفرائض؛ أي: يا رسول الله، إن النوافل قد كَثُرَت عليَّ، حتى عَجَزْتُ عن القيام بها كلِّها.

6. في الحديث إرشاد النبيِّ ﷺ إلى المداومة على ذكر الله عزَّ وجلَّ بالليل والنهار؛ لسهولة الذكر، ومنافعه العظيمة، وثوابه الكبير.

7. رطوبة اللسان عبارةٌ عن سهولة جَرَيانه، كما أن يَبَسه عبارةٌ عن ضدِّه، ثم إنَّ جريان اللِّسان حينئذٍ عبارةٌ عن مُداومة الذكر قبل ذلك، فكأنَّه قيل: دَاوِمْ الذِّكر[1].

8. أمر الله تعالى المؤمنين بالإكثار من ذكره

فقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}

[الأحزاب:41]

9. ذِكْرُ الله تعالى سببٌ لغُفران الذنوب، والأجرِ الكبير

قال تعالى:

{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}

[الأحزاب: 35]

10. ذِكْرُ الله عزَّ وجلَّ من أحبِّ الأعمال إليه، وأرفعها في الدرجات، وأفضلُ من صَدَقة الذهب والفضة؛ فعن أبي الدرداء قال:

قال رسول الله ﷺ:

«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُم؟» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى»[2].

11. كثرة ذكر الله تعالى سببٌ من أسباب التيسير والتوفيق، والفلاح في الدنيا والآخرة

قال تعالى:

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

[الأنفال: 45]

12. ذِكْرُ الله عزَّ وجلَّ هو الغنيمة الباردة، التي تُدخِل صاحبها الجنَّة بلا تعب أو مشقَّة، يَقدِر كلُّ إنسان على الإتيان بها في أيِّ وقت، وعلى كلِّ حال

قال تعالى:

{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ}

[آل عمران: 191]

13. ذِكْرُ الله تعالى مِنحةٌ للفقراء الصالحين

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَا، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»[3].

14. ذِكْرُ الله طمأنينة للقلب، وسكينة للنفس

قال تعالى:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

[الرعد: 28]

15. ذكر الله تعالى فرق بين القلب الحيِّ والقلب الميِّت؛ ففيه حياة القلب، وراحة البال؛ فعن أبي موسى الأشعريِّ، قال:

قال رسول الله ﷺ:

«مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ»[4].

16. لذكرِ الله لذَّةٌ لا يُدانيها لذَّةٌ؛ فما تلذَّذ المتلذِّذون بمثلِ ذكر الله عزَّ وجلَّ؛ فليس شيءٌ من الأعمال أخفَّ مُؤْنةً منه، ولا أعظمَ لذَّةً، ولا أكثرَ فرحةً وابتهاجًا للقلب.

17. البُعْدُ عن ذكر الله عزَّ وجلَّ من أسباب قسوة القلب، وما أُذِيبت القلوب القاسية بمثل ذكر الله تعالى؛ قال رجل للحسن البصريِّ رحمه الله: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أَذِبْه بالذِّكْر.

18. حذَّرَ الله تبارك وتعالى من ترك الذكر

فقال تعالى:

{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}

[الزمر: 22]

أي: فالعذابُ الشديد لمن جَفَت قلوبهم، وأَعرَضت عن ذكر الله عزَّ وجلَّ.

19. أفضلُ الذكر على الإطلاق قراءة القرآن الكريم؛ قال سفيان الثَّوريُّ رحمه الله: سمعنا أنَّ قراءة القرآن أفضلُ الذِّكر إذا عمل به.

20. خيرُ ما ينبغي للعبد أن يَذكُر به ربَّه، مُدَاومة النظر في كتابه، وتعاهده، وفَهم معانيه، ولا شيء أرغبُ في ذكر الله على الدوام من ذكر الله للعبد إذا ذكره

قال تعالى:

{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}

[البقرة: 152]

فإن لم يكن لهؤلاء الذاكرين شرفٌ إلا أن الله يَذكُرهم، لكَفَاهم.

21. عن أبي هريرة، قال:

قال رسول الله ﷺ:

«يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»[5].

22. للذكر معنًى أشمل وأعمُّ؛ حيث يَشمَل كلَّ عمل صالح؛ من صلاة وزكاة وسُنن وطَلَب عِلم وذِكر أحوال، وذِكر مُطلَق وذكر مقيَّد.

23. مَدَح الله تعالى الذاكرين في قوله:

{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}

[الأحزاب: 35]

وأمر به نبيَّه ﷺ في قوله:

{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}

[الأعراف: 205]

24. المراد بالذكر: الإتيانُ بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثارُ منها؛ كالْحَوْقَلة والبَسْمَلة والحَسْبَلة والاستغفار، ونحوِ ذلك، والدعاء بخيرَيِ الدنيا والآخرة.

25. قد يُطْلَق ذكرُ اللَّه، ويُراد به المواظبَةُ على العمل بما أَوجَبه، أو نَدَب إليه؛ كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومُدارسة العلم، والتنفُّل بالصلاة[6].

26. يقع الذكرُ تارةً باللسان، ويؤجَر عليه الناطق، ولا يُشترَط استحضاره لمعناه؛ ولكن يُشترَط أن لا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النُّطق الذكرُ بالقلب، فهو أكملُ، فإن انضاف إلى ذلك استحضارُ معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى، ونفيِ النقائص عنه، ازداد كمالًا، فإن وقع ذلك في عمل صالح من صلاة، أو جهاد، أو غيرهما، ازداد كمالًا، فإن صحَّح التوجُّهَ، وأخلص للَّه تعالى في ذلك، فهو أبلغُ الكمال[7].

27. الذكر عبادةٌ سهلةٌ يسيرة، لا تحتاج إلى تهيئة كحاجة الصلاة للتهيئة بالوضوء، ولا تحتاج إلى هيئة معيَّنة مثل حركات الصلاة، فالذكر يكون على كلِّ حال، قيامًا أو قعودًا أو على جَنْب

كما في قوله تعالى:

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ 190 الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ}

[آل عمران: 190، 191]

28. فوائدُ الذكر دنيويًّا وأُخرويًّا كثيرة جدًّا، يجمعها أنه - على اختصاص كلِّ ذكرٍ بفضلٍ - يُشعِر بالصلة القويَّة بالله تعالى وبمعيَّته، ومقرِّبٌ من الله، ومريحٌ للنَّفْس، ونافعٌ للبدن، وجالبٌ لكلِّ خيرٍ، وحافظٌ من كلِّ شرٍّ، ورافعٌ للدرجات، وماحٍ للسيِّئات.

29. من فوائد الذكر: يَطرُد الشيطان ويقمعه ويكسره، يُرضي الرحمن عزَّ وجلَّ، يُزيل الهمَّ والغمَّ عن القلب، يَجلِب للقلب الفرح والسرور، يقوِّي القلب والبدن، ينوِّر الوجه والقلب، يَجلِب الرزق، يكسو الذاكرَ الْمَهابةَ والحلاوة والنَّضرة، ينال الذاكرُ محبَّة الله عزَّ وجلَّ، يُورِث الذاكرَ المراقبة حتى يُدخله في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه، وغير ذلك كثير[8].

30. ذِكْرُ الله متنوِّعٌ؛ فقد يكون مُطلَقًا يَجُوز في كلِّ وقت؛ مثل: قراءة القرآن، وهو أفضلُ الذِّكر، وفيه بكلِّ حرف حسنةٌ، والحسنةُ بعشْرِ أمثالها، ومثل التسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار، والثناء على الله تعالى بأسمائه وصفاته.

31. هناك أذكار مقيَّدة بأحوال خاصة؛ مثل: ذِكْرِ دخول المسجد والخروج منه، والذِّكْرِ بعد الصلاة، وذِكر دخول البيت والخروجِ منه، وذكر النوم، وذكر الاستيقاظ من النوم، وذكر النَّظَر في الْمِرآة، وذكر لُبس الثوب، وذكر بَدء الطعام، وذكر الفراغ من الطعام، وذكر شُرب الماء، وذكر رؤية الهلال، وذكر طلوع الأماكن المرتفعة، وذكر النُّزول من الأماكن المرتفعة، وذكر دخول الخلاء، وذكر الخروج منه، وغيرها من أذكار الأحوال.

32. للذكر آداب، منها: إخلاصُ النيَّة الذي هو شرطُ قَبول كلِّ عمل، والحرصُ على حضور القلب، ويُستحبُّ الوضوء ونظافة المكان، واستقبال القِبلة إن تهيَّأ.

33. يمكِن للذاكر أن يَقطَع الذكرَ لترديد الأذان، أو لإرشاد الضالِّ عن الطريق، أو لردِّ السلام، أو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، ثم يعود إلى ذكره.

34. الذّكر ثلاثة أنواع: ذكر الأسماء والصّفات ومعانيها، والثّناء على اللّه بها، وتوحيد اللّه بها، وذكرُ الأمر والنّهي والحلال والحرام، وذكرُ الآلاء والنّعماء والإحسان والأيادي[9].

35. الذّكر ثلاثة أنواع: ذكر يتواطأ عليه القلب واللّسان، وهو أعلاها، وذكر بالقلب وحده وهو في الدّرجة الثّانية، وذكر باللّسان المجرَّد، وهو في الدّرجة الثّالثة[10].

36. من أوضح صفات الإيمان وشُعبه وأفضلِها: ذكرُ الله تعالى؛ فهو حياة قلب المؤمن؛ بل إن الله تعالى حَصَر الإيمان وقَصَره على بعض الصفات، أوَّلُها الذين تَجِل قلوبهم عند ذكر الله وآياته

قال تعالى:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}

[الأنفال: ٢]

37. أَحَدُ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: «رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ»

38. رغم أن الذكر سهلٌ يسير، فإنه لا يتأتَّى إلا لمن كان قلبُه عامرًا بالإيمان، ولا يوفَّق لذكر الله تعالى إلَّا قلبٌ عامر بالإيمان.

39. لابدَّ أن يناجيَ القلبُ ربَّه، ما بين تضرُّع لله، وثناءٍ، وتملُّق، واستعظام، وغيرها من أنواع المناجاة بالقلب الحيِّ، وهذا شأن كلِّ محبٍّ وحبيبه.

40. هذه هي القلوب الحيَّة التي وصفها الله تعالى بقوله:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

 [الرعد: ٢٨]

قلوب تطمئنُّ بذكر الله وتَأنَس به، وبصِلَتها بالله تعالى، والأُنس بجواره، والأمن في جَنَابِه وفي حِماه، لا تَسْتَوْحِش الطريق، ولا يُصيبها الحَيرة والوَحْدةُ والقَلق.

41. إذا كانت الروح في البَدَن حياةً، وغِيابُها موتًا، فكذلك الذكر، يُحيي ما يَحُلُّ به، جمادًا كان أو إنسانًا، بيتًا كان أو قلبًا؛ فيا لقساوة القلب الغافل! إنه لَقلبٌ ميت.

42. قلوب الذاكرين تَأنَس وتطمئنُّ بالله، وبمعرفته، وبحكمتِه، ورحمتِه، لا تخشى ما يصيبها من ضُرٍّ أو شَرٍّ لا تُدرك حكمته؛ بل هي مطمئنَّة بذكر الله، وبحمايته، فتصبر على البلاء؛ بل ترضى بما يُصيبها، وتدرك أنه الخير؛

{اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

43. شَرَع النبيُّ ﷺ لأمَّته من الأذكار ما يملأ وقتهم، ويحصِّنهم بها من سوء القضاء، ويَرفَع بها الدرجات، ويهيِّئُهم للعبادات، فلا تكاد تَجِدُ وقتًا من الأوقات، ولا حالاً من الأحوال، إلا وفيه ذكر مأثور عن النبيِّ ﷺ، ففي الصباح أذكار معلومة، وفي المساء أوراد مخصوصة، وعند الدخول إلى المنزل والخروج منه، وعند لُبس الثياب، وعند النظر في المرآة، وعند صعود مكان مرتفع أو النزول منه، وغير ذلك من الأوقات والأحوال.

المراجع

  1. "قوت المغتذي على جامع الترمذي" للسيوطي (2/ 829).
  2. رواه أحمد (21702)، والترمذيُّ (3377)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1493).
  3. رواه البخاريُّ (843)، ومسلم (595).
  4. رواه البخاريُّ (6407)، ومسلم (779).
  5. رواه مسلم (2675).
  6. "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" للولويِّ (16/ 159).
  7. "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" للولويِّ (16/ 159).
  8. جمع الإمام ابن القيم في كتابه "الوابل الصيِّب" أكثرَ من سبعين فائدةً للذِّكر، فارجع إليه.
  9. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 403).
  10. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 403).



الفوائد التربوية

44. من أهمِّ ما ينبغي على الوالدينِ تحفيظُ أولادهم للأدعية والأذكار الواردة عن النبيِّ ﷺ، وتعويدُهم على استخدامها في حياتهم اليومية؛ فيعلِّمانِهم أذكار الصباح والمساء، والأدعية التي تُقال عند الاستيقاظ من النوم، وعند الأكل والشُّرب، والسَّفَر، وعند دخول المسجد والخروج منه، وغيرها، والتدرُّج في ذلك حتى يحفظها الأبناء عن ظَهْرِ قَلب، ويُداوِمون عليها؛ اقتداءً بالنبيِّ ﷺ، وحبًّا له، وتمسُّكًا بهَدْيِه.

الفوائد الحديثية

45. في الحديث: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَجُلًا): ولم يُعرَف اسم هذا الرجل، وفي رواية: "أن أعرابيًّا"، ويُفهَم منها أنه من أهل البادية.

الفوائد اللغوية

46. شرائع: جمع شريعة، والشريعة: مَوْرِدُ الإبل على الماء الجاري، والمراد: ما شَرَع الله وأَظهَره لعباده من الفرائض والسنن[1].

المراجع

  1. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1739).


مشاريع الأحاديث الكلية