عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»
عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»
لمَّا كان الإنسانُ في طبعه ضعيفًا، تُنازعه النَّفسُ وشهواتها، وتزين له الدنيا زخارفَها، ويُوسوس له الشيطان ويُغويه، كان بديهيًّا أن يقع في المعاصي والذنوب، ولهذا أخبر ﷺ أنَّ كلَّ بني آدم كثيرو الوقوع في الخطأ والمعاصي، فليس أحدٌ من البشرِ معصومًا غير الأنبياء.
وليس معنى ذلك أن يسترسل الإنسانُ في ذنوبِه ويقترف منها ما شاء، ولهذا بيَّن ﷺ أنَّ خيرَ النَّاس حينئذٍ هم كثيرو التوبة والإنابة إلى اللهِ تعالى سريعًا، فكلَّما اقترفوا ذنبًا بادروا بالتوبة والنَّدم، من غير إصرارٍ منهم على الذَّنب، كما قال اللهُ تعالى في وصف عباده المتقين:
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}
[آل عمران: 135].
(1) لا تُعَيِّرْ أحدًا بذنبٍ، فكلُّ ابنِ آدم خطَّاء.
(1) إياك والإصرار على الذنب بحُجَّةِ أنَّ كلَّ النَّاس يخطؤون، فإنَّ ذلك ليس مبررًا لذنوبك.
(1) لا تيأس من رحمةِ اللهِ تعالى لكثرةِ ذنوبك؛ فإن الله تعالى لو شاء عبادًا لا يعصون لخلقنا كالملائكة،
قال ﷺ:
«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ»
[1].
(1) حذارِ من احتقار الذنوب ورؤيتها يسيرةً؛ فإن ذلك باعثٌ على المداومة على الذنب وعدم التوبة. قال عبدالله بن عباسٍ – رضي الله عنهما -: "يا صاحبَ الذَّنْب، لا تأمنَنَّ مِن سوء عاقبته، ولَمَا يَتبَع الذنبَ أعظمُ من الذنب إذا علمتَه؛ فإن قلَّة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال، وأنت على الذنب، أعظمُ مِن الذنب الذي عملتَه، وضَحِكُكَ وأنت لا تدري ما اللهُ صانع بك أعظمُ من الذنب، وفرحُكَ بالذنب إذا ظفِرْتَ به أعظمُ من الذنب، وحُزْنُكَ على الذنب إذا فاتك أعظمُ من الذنب إذا ظفِرْتَ به، وخوفُك من الريح إذا حرَّكَتْ سِتْرَ بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك مِن نظر الله إليك أعظمُ مِن الذنب إذا عملتَه"[2].
(2) سارِع بالتوبة إلى اللهِ تعالى كلَّما أذنبتَ أو اقترفتَ معصيةً من المعاصي، ولا تقنط من رحمة الله تعالى، فهو سبحانه الذي يقول في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا؛ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ»[3].
(2) من أراد الله به خيرًا، فتح له باب الذُّلِّ والانكسار، ودَوَام اللجوء إلى الله تعالى، والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه، وجهلها، وعُدْوانها، ومشاهدة فضل ربِّه، وإحسانه، ورحمته، وجُوده، وبِرِّه، وغناه، وحمده[4]
(2) أَقْبِل على ربِّك مهما كان ذنبُك، ومهما عظمت سيئاتك؛ فإنه جلَّ وعلا يفرح بتوبة العبد،
كما قال ﷺ:
«للَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ»
[5].
(2) التوبة من الذنب تقتضي النَّدمَ على ما أجرمتَ في حقِّ الله تعالى، فإياكَ والتفاخر بالمعاصي وإن كنتَ تبتَ منها.
(2) لا يحملنَّك كثرة المعاودة إلى الذنب على عدم التَّوبة، فقط أخلِص النِّيَّة على التوبة، واعزم على عدم الفعل، وتُب إلى اللهِ تعالى، ثم لا يضرُّك الوقوع مجددًا في الذنب، أَعِد الكَرَّة وتُبْ من جديد.
قال ﷺ:
«أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ»
[6].
(2) إياك أن تظنَّ أن ذنبَك لن يُغفر؛ فإن ذلك تكذيبٌ له سبحانه حين قال:
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}
[الأعراف: 156].
(2) إذا أردتَ التَّوبة: فشروطُها: النَّدمُ على المعصية، والإقلاعُ عنها، والعزمُ على عدم الرجوع إليها، وإرجاع الحقِّ لصاحبه إن كان الذنبُ متعلقًا بحقوق العباد أو إرضائهم.
(2) التَّوبة لا تمحو السيئات فحسب، وإنما تُبَدِّلها إلى حسنات، فهنيئًا للتائب بمحو الذنب وكثرة الحسنات!
قال الشاعر:
يا نفسُ، كُفِّي عن العصيانِ واكتَسِبي = فِعلًا جميلًا لعلَّ اللهَ يرحَمُني
يا نفسُ، ويحكِ توبي واعمَلي حسنًا = عسى تُجازَيْنَ بعد الموتِ بالحسَنِ
14.وقال غيره:
يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً = فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوَكَ أَعْظَمُ
إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ = فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرِمُ؟!
أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرتَ تَضَرُّعًا = فَإِذَا رَدَدْتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ؟!
مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا = وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ