عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» وفي رواية: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ»



فقه

1- يخبر ﷺ أن هذا الدين باقٍ إلى قيام الساعة، ببقاء مَن يحملُ رايتَه ويدافع عنه ويدعو إليه، فلا تزال جماعةٌ من النَّاس يُظهرون الحقَّ وينتصرون به على أعدائهم، غير مستترين بدينهم؛ بل يجهرون به ويدعون إليه[1]، إلى أن تقوم الساعة ويأتي أمرُ اللهِ تعالى وهم على حالهم ذاك.

 والمراد بأمر الله تعالى: الرِّيحُ الطَّيِّبةُ التي تكون قبْلَ قيام الساعة تَقبض أرواحَ المؤمنين؛

قال ﷺ:

«إن اللهَ يبعَثُ رِيحًا من اليمن ألْيَن من الحرير، فلا تدعُ أحدًا في قلبه مثقالُ حبَّة إيمان»

[2][3]. 

2-  وفي الرواية الأخرى بيَّن ﷺ صفاتِ تلك الطائفة؛ فهي قائمةٌ بأمر الله تعالى؛ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقضي بشريعة اللهِ، وتنشر العلمَ بين النَّاسِ، وتنصح للمسلمين، وهم المَعْنِيُّون

بقوله سبحانه:

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

[آل عمران: 104].

وهذه الطائفة لا يضرُّها التَّفرُّد ومخالفة النَّاس لهم، ولا يضيرهم مَن ترك عونَهم ونَصْرَهم. وفي الحديث إشارةٌ إلى أن وجْهَ الأرض لا يخلو من الصالحين الثابتين على أوامر الله، المتباعِدين عن نواهيه، الحافظين لأمور الشريعة، يستوي عندهم موافقةُ الناس ومخالفتُهم لهم[4]. وهذه الطائفة التي ذكرها النبيُّ ﷺ ليست محصورةً في فئة معينة؛ فمنها الفقهاءُ وأهلُ الحديثِ والزُّهَّاد والمجاهدون وأهلُ كلِّ أنواع الطاعات[5]

اتباع 

  1. (1) في الحديث دليلٌ من دلائل نبوته ؛ إذ أخبر ببقاء هذا الدين، وثبات الصادقين عليه إلى آخر الزمان، وقد وقع ما أخبر به. وهذا مما يؤكد صدقَه ويزيدنا إيمانًا إلى إيماننا.

  2. (1) لا تظنَّنَّ أن الإسلامَ يندثر ويضعف إلى أن يتلاشى؛ فدينُ اللهِ ظاهرٌ باقٍ إلى قيام الساعة، واللهُ مُتِمُّ نوره ولو كره الكافرون.

  3. (1) ينبغي على الدُّعاة والمُرَبِّين أن يُبَشِّروا النَّاسَ بما يُثبتهم ويبثُّ الأمل في قلوبهم، كما يحذرونهم وينذرونهم، فيجمعوا بين الترغيب والترهيب والبشارة والنذارة.

  4. (2) احرص على أن تكون من أهل تلك الطائفة المنصورة، فالزم طريق الهدى والدعوة، وإياك وأهل الضلال والبدع.

  5. (2) سيما تلك الطائفة الموعودة التي امتدحها النبيُّ أنَّها قائمةٌ بأمرِ اللهِ تعالى، فاعرض ذلك على نفسِك وعملِك؛ هل تكون منهم أم لا؟

  6. (2) لا يضرك غُربة السائرين إلى اللهِ تعالى؛ فأتباع الحقِّ في كل زمانٍ ومكانٍ قلَّةٌ يَمُدُّهم اللهُ بمدده. 

  7. (2) المؤمنُ الحقُّ لا يضرُّه معاداة الناس ومخالفتهم له؛ فمقصدُه الأسمى مرضات اللهِ تعالى وإن سخط عليه الناس.

  8. (2) على العاقل الفَطِن أن يلزمَ الصادقين الصالحين في كلِّ زمان ومكان، وأن يَسير على طريقتهم، ويكون لهم عونًا وسنَدًا.

المراجع

  1. انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلانيِّ (13/ 294).
  2.  رواه مسلم (117)
  3. "شرح النوويِّ على مسلم" (13/ 66).
  4. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للمُلَّا علي القاري (9/ 4047)
  5. شرح النوويِّ على مسلم" (13/ 67).


مشاريع الأحاديث الكلية