عن عمَّارِ بنِ ياسرٍ رضي الله عنهما قال:بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا»، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ، وَوَجْهَهُ

فقه

التَّيَمُّم رُخصةٌ شرَعها اللهُ عزَّ وجلَّ لعباده عند فَقدِهم الماءَ أو عجْزِهم عن استعمالِه تيسيرًا عليهم،

وقد قال ﷺ:

«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ»[1]

 وقد عرَّفه العلماءُ بأنَّه: القَصْدُ إلى الصَّعيد - التُّراب - لمسح الوجهِ واليدَيْنِ بنيَّة استباحةِ الصَّلاة ونحوِها[2]. وهو مشروعٌ ثابتٌ بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، وهو خَصِيصةٌ خصَّ الله تعالى بها هذه الأمَّة"[3]. وفي هذا الحديث بيانُ صفتِه.

1- يذكر عمَّارٌ رضي الله عنه  أنَّ النَّبيَّ ﷺ أرسله لبعض حاجاته، ثم إنَّه احتلَم وأصابته الجنابةُ، فتقلَّب بجميع بدنه في التُّراب الطاهر الذي له غُبار يَلصَق باليد والبدن حتى أصاب الترابُ جميع بدنه؛ ليَستبيحَ بذلك الصلاة وقراءة القرآن ونحو ذلك، ثمَّ لَما عاد إلى النبيِّ ﷺ أخبره بذلك؛ ليَرى أكان فعلُه ذلك صوابًا أم خطأً.

2- فأخبره النبيُّ ﷺ أنَّه كان يكفيه أن يَضرب بيديه على الأرض ضربةً واحدةً ثم يمسح بها على كَفَّيه ووجهه؛

لقوله تعالى:

{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}

[المائدة: 6].

وإنَّما فعل عمَّارٌ ذلك لأنَّه رأى أنَّ التُّرَاب بديلٌ للماء؛ فكما ينبغي أن يَعُمَّ الماءُ جميع الجسد في الغُسل، فكذا التيمُّم في ظَنِّه واجتهاده.

ومعنى قوله ﷺ: «تقول بيَدَيك» أي: تفعل بيَدَيك.

اتباع

1- (1) دلَّ فِعلُ عمَّار رضي الله عنه أنَّ الواجبَ على المسلم إذا غاب عنه حُكمُ مسألةٍ من المسائل، لا يعرِف حكمَها وقولَ أهل العلم فيها، ولا يتَّسِع الوقت لسؤال غيره أو كان في سفرٍ بحيث لا يَقدر على الفُتيا؛ أن يجتهد ما استطاع، ثمَّ إذا تمكَّن من السؤال سأل ليتعرَّف على الحكم الشرعي الصحيح في تلك المسألة.

2- (1) في الحديث أنَّ المجتهدَ المتأوِّلَ إذا كان من أهل الاجتهاد وتأوَّل في مسألةٍ؛ أنَّه لا إعادة عليه إذا أصاب الحقَّ من وجهٍ؛ فالنبيُّ ﷺ لم يأمر عمَّارًا رضي الله عنه بالإعادة؛ لأنه أخطأ المشروع في صفة الطَّهارة، ولكنَّه أتى بالطهارة على غير الصورة المعتبَرة[4]

3- (2) دلَّ الحديثُ على أنَّ شرع الإسلام فيه الخير واليُسر، حيث لم يُكلِّف الإنسان ما لا يَقدِر عليه، فرخَّص له التَّيمم، وتساهل فيه حيث اكتفى فيه بمسح الكفِّين والوجه.

المراجع

  1.  رواه أحمد (5866
  2. نيل الأوطار" للشوكانيِّ (1/ 319).
  3. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (1/ 319).
  4. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (2/ 223).


مشاريع الأحاديث الكلية