عن ابن عمرَ وأبي هُريرةَ رضي الله عنهم، أنهما سَمعا رسولَ الله يقولُ على أعوادِ مِنْبَرِه: «لَيَنْتَهِيَنَّ أقْوامٌ عن وَدْعِهمُ الجُمُعاتِ، أو لَيَخْتِمَنَّ اللهُ على قُلوبِهم، ثم لَيَكونُنَّ منَ الغافِلينَ»

فقه

لمَّا هاجر النبيُّ ﷺ إلى المدينة، وجَد الأنصار يحتفلون ويلعبون في يومينِ معيَّنينِ من أيام السَّنة، وهما: يوم النَّيروز ويوم المهرَجان[1]، فاستنكَر النبيُّ ﷺ احتفالهم في هذينِ اليومينِ، فأخبروه أنَّ هذينِ اليومينِ من أعياد الجاهلية التي اعتادوا الاحتفال واللَّعِب فيها، فنهاهم النبيُّ ﷺ عن ذلك وأخبرهم أنَّ الله قد أبْدَلهم بهذينِ اليومينِ خيرًا منهما؛ عِيدَي الفطر والأضحى.

والحديث يدلُّ على حُرمة الاحتفال بأعياد الكُفَّار والمشركين من أهل الكتاب وغيرهم، وذلك من قواعدِ الولاء والبَراء، حيث ذكَر ﷺ أنَّ الله قد أبدلهم بهما خيرًا منهما، والإبدال لا يكون إلا مع ترك المُبْدَل منه.

ويشهَد لهذا التحريم أن هذَين العيدَين قد انْمَحى أثرُهما في الإسلام، فلم يَبْقَ لهما ذِكْر في عهد النبيِّ  ﷺولا في عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، ولو لم يكُن قد نهى الناسَ عن اللعب فيهما ونحوه مما كانوا يفعلونه، لَكانوا قد بَقُوا على العادة؛ إذ العاداتُ لا تُغَيَّر إلا بمُغَيِّر يُزيلها، لا سيَّما أن طِباع النساء والصِّبيان وكثيرٍ من الناس مُتشوِّفةٌ إلى اليوم الذي يتَّخِذونه عيدًا للبطالة واللعب[2]


اتباع

1- أفاد الحديثُ أنَّ الاحتفال بأعياد الكفار وأيامهم لا يجوز شرعًا، فلا يجوز للمسلم أن يحتفل بتلك الأعياد، ولا أن يتشبَّه بالكُفَّار في طعامهم وشرابهم ذلك اليوم.

2- إذا كان النهيُ عن الاحتفال بأعياد الكفار التي قد انطَمَست شَعائرهم ولن تعود إلا في آخِرَ الدهر، فالاحتفالُ بأعياد اليهود والنصارى أشدُّ تحريمًا؛ لِما أخبر ﷺ من حدوث التشبُّه بهم، ونهى عن ذلك وحذَّر.

3- دلَّ الحديث على مشروعية اللَّهو واللَّعبِ في أيام العيد؛ حيث جعلها النبيُّ ﷺ بدَلًا عن أيام الجاهلية التي كانوا يألَفون اللعب فيها، وقد ترَك النبيُّ ﷺ الحبشةَ يلعبون في المسجد بالحِرابِ يومَ العيد، وجعل أمَّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها تشاهدهم حتى اكتَفَت[3]

4- يجوز للمسلم أن يَفرح ويلعب في أيام العيد، بشرط ألَّا يكون في لَهْوه شيءٌ من الحُرمة؛ كلَعِب المَيْسِر والألعاب التي فيها النَّرد، أو الاختلاط بين الرجال والنساء، وألَّا يَشغَله ذلك عن ذِكر الله تعالى.

5- إظهار السرور والفرح في الأعياد من شعائر الإسلام، فتُشرَع الألعاب واللهو والتزاوُر وصِلة الأرحام والتوسعة على الأهل في النفقات، بما يحصل معه انبساط النَّفْس وراحة البدن.

6- يجب أن يَستحضر المسلم في العيد نِية إحياء شَعيرة الفرح في العيد، فيُؤجَر على لَعِبه ولَهْوه وطعامه وشرابه.

7- على الإمام والداعية تفقُّدُ أحوال الناس وعاداتهم، ومعاملاتهم، وبيان الحلال والحرام منها؛ فربَّما أَلِف الناسُ عادةً من العادات، كان لها أصلٌ يُحرِّمها أو يجعلها مَكروهة، دون أن يعلَم الناسُ ذلك، فإذا استبان الأمرُ للإمام والداعية والعالِم أخبَر الناسَ بحُكم الله تعالى وحكم رسوله ﷺ، فانصاع الناسُ لأمره.

8- إيجادُ البديل خيرُ وسيلةٍ لتَرْك المنهيِّ عنه، فإذا أراد المُرَبِّي أن يَنزِع عن أبنائه وتلامذته بعضَ العادات أو الأفعال السيِّئة، فعليه أن يَجِد لهم البديل الصالح الذي يَرتاحون إليه، كما فعَل سبحانه حين عوَّض المسلمين عن أعيادهم بعيدَي الفطر والأضحى.

9- سدُّ الذرائع أصلٌ من أصول الشرع؛ ولهذا نهى النبيُّ ﷺ عن اللَّعِب في أعياد المشركين؛ خوفًا من أن تَتدرَّج إلى درجة المشاركة في الطقوس والعبادات. ولهذا يَحسُن بالفقيه والعالِم مراعاةُ هذا الأصل في أحكامه وفَتاواه؛ فربَّما يرى المصلحة في تحريم شيءٍ لا يتعلَّق التحريمُ به في نفسه، وإنما لِما يؤدِّي إليه من المعاصي أو الكفر.

10- قال الشاعر:

هَذَا هُوَ الْعِيدُ فَلْتَصْفُ النُّفُوسُ بِهِ = وَبَذْلُكَ الْخَيْرَ فِيهِ خَيْرُ مَا صُنِعَا

أَيَّامُهُ مَوْسِمٌ لِلْبِرِّ تَزْرَعُهُ = وَعِنْدَ رَبِّي يُخَبِّي الْمَرْءُ مَا زَرَعَا

فَتَعَهَّدُوا النَّاسَ فِيه، مَنْ أَضَرَّ بِهِ = رَيْبُ الزَّمَانِ وَمَنْ كَانُوا لَكُمْ تَبَعَا

وَبَدِّدُوا عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى شُجُونَهُمُ = دَعَــا الإِلَهُ لِهَذَا وَالرَّسُولُ مَعَا

وَاسُوا الْبَرَايَا وَكُونُوا فِي دَيَاجِرِهِمْ = بَـدْرًا رَآهُ ظَلامُ اللَّيْلِ فَانْقَشَعَا

المراجع

  1.  انظر: "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهريِّ (2/ 342).
  2. انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" لابن تيمية (1/ 488).
  3.  رواه البخاريُّ (949، 950)، ومسلم (829).

مشاريع الأحاديث الكلية