عن سفيانَ بنِ عبد الله الثقفيِّ قال: قلتُ: يا رسولَ الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدكَ - وفي حديث أبي أسامة: غيرَك – قال: «قل: آمنتُ بالله، فاستقم».
عن سفيانَ بنِ عبد الله الثقفيِّ قال: قلتُ: يا رسولَ الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدكَ - وفي حديث أبي أسامة: غيرَك – قال: «قل: آمنتُ بالله، فاستقم».
1- يسأل الصحابيُّ النبيَّ ﷺ عن قولٍ جامعٍ لمعاني الإسلام، بحيث يكون واضحًا في نفسه، فلا يحتاج إلى الاستفسار، بل يأخذه فيعمل به ويعكف عليه.
2- فأجابه النبيُّ ﷺ إلى ذلك، وأرشده إلى أن يقول: آمنتُ باللهِ، يقول ذلك بلسانه مؤمنًا بقلبه عاملًا بمقتضاها بجوارحه، فلا يأتي بما يخالف قولَه ذلك من القول أو الفعل أو الاعتقاد. ثم أمره بأن يستقيم على ذلك، فلا يفعل معصيةً ولا يترك طاعةً.
وهذه النصيحةُ نظير قوله سبحانه:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}
[فصلت: 30، 31]
والاستقامة في ذاتها أمرٌ جامعٌ للإتيان بجميع الأوامر، والانتهاء عن كافَّة النواهي؛ فإن العبد لو تَرَك أمرًا، أو اقترف مَنهيًّا عنه، لم يَكُ مستقيمًا[1].
وقد كثُرت عبارات الصحابة في تعريف الاستقامة، وهي تحومُ جميعًا حولَ معنًى واحد؛ قال أبو بكر الصديق: "الاستقامة: ألَّا تُشركَ بالله شيئًا". يريد الاستقامة على محضِ التوحيد. وقال عمرُ بنُ الخطَّاب : "الاستقامة: أن تستقيمَ على الأمر والنهيِ، ولا تَرُوغَ رَوَغان الثعالب". وقال عثمانُ بنُ عفَّانَ: "استقاموا: أخلَصوا العمل لله". وقال عليُّ بنُ أبي طالب ، وابن عبَّاس : "استقاموا: أدَّوُا الفرائضَ". وقال الحسن رحمه الله: «استقاموا على أمر الله، فعَمِلوا بطاعته، واجتنبوا معصيته»[2].
1- (1) ينبغي على العاقل أن يسأل ما يشمل الدين ويَعمُّه، ولا تكون أسئلته فيما لا طائلَ من ورائه[3].
2- (1) إياك أن تستحي من السؤال أو تتكبر عليه؛ فإن العلمَ يضيع بين الكِبر والحياء، وإن أصحاب النبيِّ ﷺ لم يمنعهم شيءٌ عن السؤال.
3- (1) السؤال مفتاحُ العلم، وعلى كلِّ عاقل أن يُبادر بالسؤال عما يجهله من أمور الدين والدنيا، مما يُحقِّق له السعادة والنجاة في العاجل والآجل.
4- (2) من المؤهِّلات الواجب توافرها في الداعية والمربِّي: امتلاكُ القدرة البيانية على صياغة المعاني الكثيرة في كلمات سهلة وقليلة؛ اقتداءً بالنبيِّ ﷺ؛ حتى لا يَكثُر الكلام على المدعوِّين فينسوا أو يسيئوا فهمه.
5- (2) الاستقامة للحال بمنزلة الروح للبدن؛ فكما أن البدن إذا خلا عن الروح فهو ميِّت، فكذلك الحال إذا خلا عن الاستقامة، فهو فاسد، وكما أن حياة الأحوال بها، فزيادة أعمال الزاهدين أيضًا وزكاؤها بها، فلا زكاء للعمل، ولا صحَّة للحال بدونها[4].
6- (2) من اللائق التعبير بالاستقامة، فيقال: فلانٌ مستقيمٌ، ولا يقال: ملتزمٌ؛ لأن الاستقامة هي اللفظ القرآنيُّ، ولأن الالتزام يعني لزومَ أمرٍ معيَّن، سواءٌ كان صالحًا، أم فاسدًا[5].
7- (2) لا ينافي الاستقامة الوقوع في الخطأ والزلل واتباع خطوات الشيطان ثم التوبة إلى اللهِ تعالى؛ فإن الاستقامة أمرُها عسيرٌ، ولهذا قال تعالى:
{فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}
[فصلت: 6]
أي استقيموا واستغفروا عمَّا خالف الاستقامة.
8- (2) الاستقامة شاملةٌ لكل جوانب الحياة: في الاعتقاد والعبادات والمعاملات والأخلاق وغيرها؛ ففي الاعتقاد أن يستقيم العبدُ على الإيمان بالله تعالى وتوحيده، ونبذ الشرك والبدع والضلالات، وفي العبادات لزوم المأمور والبعد عن المحظور، وفي الأخلاق تحري الصفات الطيبة ومعاملة الناس بالأخلاق الحسنة المحمودة والبعد عن الأخلاق السيئة المذمومة، وفي المعاملات تحري الكسب الطيب، وعدم الغش والظلم والخيانة.
9- قال الشاعر:
اسْتَقِمْ فالحياةُ لا تَسْتَقِيمُ = طالما أنتَ في الضلال مُقِيمُ
استقِمْ لا تُقِمْ على الشَّرِّ إن كنْـ = ـتَ حكيمًا فالشَّرُّ رأيٌ سَقِيمُ
استقِمْ إن تُرِدْ مَقامًا رفيعًا = كيف يُعطي الثِّمارَ فكرٌ عَقِيمُ؟!
استقِمْ يَسْتَقِمْ لك الدِّينُ والدُّنْـ = ـيَا وتَظْفَرْ بالْمَجْدِ وهْوَ عَظِيمُ
استقِمْ فَاسِتَقَامَةُ الْمَرْءِ عُنْوَا = نٌ على أنه حَصِيفٌ حَكِيمُ