عن أبي هريرةرضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا،وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا»

فقه

1- يخبر النبيُّ ﷺ أنَّ المساجدَ أحبُّ البِقاع إلى الله تعالى؛ فهي بيتُ الطاعةِ وأساسُ التقوى وموطنُ الذِّكر، ومهْدُ العلمِ، ومنطلَقُ الدعوةِ إلى الله تعالى.

ولهذا كان النبيُّ ﷺ حريصًا على بناء المسجد أوَّل ما وصَل المدينة المنورة، وكان يحمل الحجارةَ بنفسه ﷺ مع أصحابه رضوان الله عليهم.

فالمسجد هو اللَّبِنة الأولى في تكوينُ دولة الإسلام، ومنه تُنشَرُ الدعوة، وفيه تعليمُ أحكام الإسلام وشرعه، وكان النبي ﷺ منه يدير شؤون الدولة، ويناقش مع الصحابة خُطَط الحروب والغزوات، ويستقبلُ الوفود والرُّسُل، ويُنفِذ السرايا والبعوث، ويفصِل بين الخصوم وغير ذلك.

ومن يرتاد المساجد هم أهلُ الإيمان والخشية،

الذين قال سبحانه فيهم:

 {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}

[النور: 36 - 37]،

ووصفهم بالإيمان بقوله جلَّ وعلا:

{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}

[التوبة: 18].

ولذلك كان الإنفاقُ على بيوت اللهِ تعالى أعظمَ النفقات،

قال ﷺ:

«مَن بنى مَسجِدًا يَبْتغي به وجه الله، بَنى الله له مِثله في الجنة»

[1]

2- وأخبر النبي ﷺ أنَّ أبغض البِقاع في الأرض الأسواقُ؛ حيث اللَّغطُ واللغوُ والغشُّ والخداعُ والأيمان الكاذبة والمعاملات الربوية وإخلاف الوعود والغفلة عن ذكر الله ونحو ذلك، ولهذا أخبر سَلمانُ الفارسي رضي الله عنه أنَّ الأسواقَ «معركةُ الشيطان، وبها يَنصِب رايته»[2]

اتباع:

1- (1) أخبر ﷺ أنَّ المساجدَ أحبُّ الأماكن إلى الله، وذلك يقتضي أن تكون العبادةُ فيها خيرًا من العبادة في غيرها؛ فالصلاة في المسجد خيرٌ من الصلاة في البيت والسُّوق، ومجالس العلم في المسجد خيرٌ منها في غيره، والإنفاق على بناء المساجد أفضلُ وأكثرُ ثوابًا من الإنفاقِ في سائر وجوه البرِّ.

2- (1) كانت نهضةُ الإسلامِ وسرُّ تقدُّمِه في تفعيل دور المسجد التربوي والدَّعَوي والتعليمي، فلمَّا أُلغي ذلك الدور فَشا الجهلُ والغفلةُ في شباب المسلمين حتى صار كثيرٌ منهم لا يَعرف أركان الإسلام وأحكامه. فإذا أردنا الرجوع إلى رَكْب الحضارة فعلينا أن نهتم بالتنشئة الصحيحة وتفعيل دور المسجد في ذلك المجال.

3- (1) إذا كان المسجدُ أحبَّ الأماكن إلى الله تعالى، فلا شكَّ أن المُكثَ فيه بنية العبادة وانتظار الصلاة له ثوابٌ عظيمٌ، لا ينبغي على المسلم تفويته قدْرَ الإمكان.

جعل اللهُ سبحانه إدامة الذَّهاب إلى المساجد من أعظم الأعمال التي تُقرِّب العبدَ من ربِّه جلَّ وعلا؛ حتى إنَّه ﷺ ذكَر في السبعة الذين يُظِلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: «ورجلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ بالمساجد»[3]

5- (1) المساجد بيوت الله تعالى، جُعِلت لها من الآداب التي ينبغي على المسلم الحرص عليها؛ كلُبس أحسن الثياب، وأخْذ الزينة، والتطيُّب بما عند المرء من الطِّيب، وتركُ الأطعمة ذات الروائح الكريهة، كالثُّوم والبصل ونحوها مما يؤذِي الملائكة وبني آدم.

6- (1) يُستحَب أن يستهلَّ المسلمُ دخولَه المسجد بالأدعية المأثورة؛

لقوله ﷺ:

«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلِ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ»

[4]

7-  (1) يُستحبُّ لمن دخل المسجد ألَّا يجلس حتى يصلي ركعتينِ تحيةَ المسجد؛

قال ﷺ:

«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ»

[5]

8- (2) الأسواق شرُّ الأماكن لِما فيها من المعاصي والفجور والجدال وغير ذلك، وما كان مثلَها في العِلَّة يقتضي نفس الحكم، فإذا كان بيتُ الإنسانِ ومحلُّ عمله فيه من الأيمان الكاذبة والفجور والسبِّ والشتم ونحوها؛ كان من شرِّ الأماكن عند الله تعالى.

9- (2) يُكرَه للإنسان أن يذهب إلى السُّوق لغير حاجةٍ، أما إذا ذهب لحاجةٍ كالبيع والشراء فلا يُكره؛

لقوله تعالى:

{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}

[الفرقان: 20].

10- (2) ينبغي لمن دفعته الحاجةُ للذهاب إلى السوق ألَّا يكونَ أوَّلَ الداخلين إليها، ولا آخر الخارجين عنها؛ لقول سلمان الفارسي رضي الله عنه : «لَا تَكُونَنَّ -إِنِ اسْتَطَعْتَ- أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا؛ فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ»[6]

11- قال الشاعر:

مَنْ عَلَّقَ الْقَلْبَ في بَيْتِ الإلهِ وَلَمْ = يَطْلُبْ سِوَى مِنْ كَرِيمٍ مُنْعِمٍ مَدَدَا

فَذَاكَ مِمَّنْ يُظِلُّ اللهُ حِينَ نَرَى = لا ظِلَّ إِلَّا لَهُ سُبْحَانَهُ أَبَدَا

كَمْ خَائِفٍ مِنْ ذُنُوبٍ جَاءَ مُرْتَجِفًا = وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ بَيْتِ اللهِ مُلْتَحَدَا

فَسَبَّحَ اللهَ، صَلَّى، قَامَ مُنْكَسِرًا = بِبَيْتِ مَنْ غَيْرُهُ بِالْحَقِّ ما عُبِدَا

حَتَّى زَكَتْ رُوحُهُ وَالنَّفْسَ هَذَّبَهَا = فَلا تَرَى ظُلْمَةً فِي الْقَلْبِ أَوْ حَسَدَا

وَكَمْ غَوِيٍّ أَتَى وَالْوَهْمُ يُغْرِقُهُ = فَعَادَ يَحْمِلُ فِي أَضْلَاعِهِ رَشَدَا

وَكَمْ جَهُولٍ أَتَى مُدَّثِرًا بِدُجًى = فَصَارَ بَدْرًا بِنُورِ الْعِلْمِ مُتَّقِدَا

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (439)، ومسلم (533).
  2.  رواه مسلم (2451).
  3.  رواه البخاريُّ (660)، ومسلم (1031).
  4.  رواه مسلم (713).
  5.  رواه البخاريُّ (444)، ومسلم (714).
  6.  رواه مسلم (2451).

مشاريع الأحاديث الكلية