عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ»
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ»
يذكر النبيُّ ﷺ في الحديثِ مظهرًا من مظاهرِ رحمته سبحانه بعباده المؤمنين، حيث رَفَع عنهم المؤاخذة بما يدور في نفوسهم من الخواطر وأحاديث النَّفس ما لم يتحول ذلك إلى فعلٍ يظهر على اللسانِ أو الجوارحِ.
وسواءً دَعَت تلك الخطَرَات إلى معصيةٍ أو غيبةٍ أو شِركٍ، من غير تعمُّدٍ لتحصيله فلا شيءَ عليه إذا صَرَفَه عن نفسه ولم يستمرَّ عليه؛ جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ»[1]، ومعناه: أنَّ سببَ الوسوسةِ تلك محضُ الإيمانِ وصريحُه؛ فإنَّ أهلَ الباطلِ لا يُوَسْوَسُ لهم.
إِلَّا أنَّ الإنسانَ إذا خطرت له فكرةٌ فعَقَد العزمَ على فعلها متى تهيَّأت له أسبابُها فإنه يأثم بذلك، ويكونُ كمَن فَعَلَها؛ فإنَّه حينئذ خرج عن حديث النَّفْسِ إلى نيَّة القلب.
قال ﷺ:
«مثلُ هذه الأُمَّةِ كمثلِ أربعةِ نفرٍ؛ رجلٌ آتاهُ اللهُ مالًا وعلمًا فهو يعملُ بعلمِه في مالِه يُنفقُه في حقِّهِ، ورجلٌ آتاه اللهُ علمًا ولم يُؤْتِه مالًا فهو يقولُ: لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعملُ. قال ﷺ: «فهما في الأجرِ سواءٌ»
ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا ولم يُؤْتِه علمًا فهو يخبطُ في مالِه يُنفقُه في غيرِ حقِّهِ، ورجلٌ لم يُؤْتِه اللهُ علمًا ولا مالًا فهو يقولُ: لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعملُ. قال ﷺ: «فهما في الوِزْرِ سواءٌ»[2].
وقد كان الأمرُ في أولِ الإسلام أنَّ العبدَ يحاسبُ على ما يُخفيه في نفسه من شوارد الأفكار والخواطر، ثم رَحِمَ اللهُ تعالى عبادَه ولطف بهم.
لا ينبغي على المؤمن أن يحزن لما يصيبه من الوساوسِ التي تُشَكِّكُه في دينه وعبادته؛ فإنَّ ذلك دليلٌ على إيمانِه وحرص إبليسَ على إغوائه.
إذا وجد العبدُ وسوسةً في نفسِه تتعلق بصفات الله تعالى ووجوده ونحو ذلك مما يُلَبِّسُ العبدَ فإنه يستعيذُ باللهِ تعالى ولا يُطلق فكرَه معها.
قال ﷺ:
«يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ»
[3]، وعند مسلم: «فليقل: آمنتُ بالله».
إياك أن تستهينَ بالنِّيَّات؛ فقد تُعَذَّب لمجرد نيتك الشرَّ وإن لم تفعله، فتخيَّل أن تُعَذَّب عذابَ قارون وفرعون وهامان لأنك نويت أن تفعل مثل فعلهم إن أُوتيتَ سلطةً ومالًا، وأنت فقيرٌ ضعيفٌ لا حيلة لك.
جاهِد نيَّتَك ما استطعت، فاحرص على أن تنويَ الخيرَ دائمًا وأبدًا، حتى تُؤجر على ذلك وإن لم تُيَسَّرْ لك الأسباب.
قال ﷺ:
«مَن سَأَلَ اللَّهَ الشَّهادَةَ بصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ، وإنْ ماتَ علَى فِراشِهِ»
[4].
إذا وجدتَ في نفسِك شيئًا فيه معصيةٌ للهِ تعالى، فاقطع فكرَك عنه ولا تنشغل به، ولا تحزن فإنها لا تضرُّك