136 - التجاوزُ عن حديثِ النفس بغير عمل

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. في الحديث بيان مَظهَر من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده، وفضله على أمَّة محمَّدٍ ، وهو عدم مؤاخذته لعباده بما حدَّثوا به أنفسهم، ما لم تنطق به ألسنتهم، أو تَعمَله جوارحهم.

  2. في الحديث أن الله تعالى رفع الحساب والعقاب عن وساوس الصدر، وخواطر النفس من الشرِّ ما لم يتعدَّ ذلك إلى الفعل.

  3. بُنِيَت الشريعة الإسلامية على رفع الحرج، والتيسير على المؤمنين في العبادات والمعاملات

    قال تعالى:

    { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ }

    [الحج: 78]

    وقال تعالى:

    { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}

    [البقرة: 185]

    وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،

    أن النبيَّ ﷺ: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»

    [1].

  4. راعت الشريعة الإسلامية ضعف الإنسان، وكثرة أعبائه وأشغاله بالتيسير والتخفيف

    قال تعالى:

    { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}

    [النساء: 28].

  5. تجاوزت الشريعة عن الأخطاء التي قد يقع فيها المسلم دون تعمُّد أو قصد

    قال تعالى:

    {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }

    [الأحزاب: 5]. 

  6. عدم المؤاخذة بالخواطر وحديث النفس خَصِيصَةٌ لهذه الأمة، لا يُشاركها فيه غيرها من الأمم.

  7. في الحديث دليلٌ على أن لفظة [حديث] ليست خاصَّةً بحديث اللسان فقط؛ فحديث النفس أيضًا يسمَّى حديثًا.

  8. من لُطف الله بعباده أن ضاعَفَ لهم الحسنات، ولم يضاعف عليهم السيِّئات.

  9. إذا مرَّت الفكرة على خاطر الإنسان دون استقرار، لم يَأثَم، أما لو عَزَم على فعل معصية، وعَقَد النيَّة على ذلك، فيأَثم على نيَّته وعَزْمِه؛

    فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً»

    [2].

  10. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:

    لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ: { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ  ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ  ﷺ: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ  رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}  [البقرة: 285] فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ، نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ}  [البقرة: 286] قَالَ: «نَعَمْ»  {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}  [البقرة: 286] قَالَ: «نَعَمْ» {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ }  [البقرة: 286] قَالَ: «نَعَمْ»  {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] قَالَ:  «نَعَمْ»  

    [3].

  11. الاسترسال مع النّفس في باطل أحاديثها يُصيِّر العبد عازمًا على الفعل، فيُخاف منه الوقوع فيما يَحرُم، فهو الّذي ينبغي أن يُسارِع بقطعه إذا خَطَر[4].

  12. لَمَّا قيل: إن اليهود إذا دخلوا في الصلاة لا يُوَسْوَسون، قال: وما يصنع الشيطان بقلب خَرِب؟! فاليهود كفَّار، قلوبُهم خَرِبة، فالشيطانُ لا يُوَسْوِس لهم عند صلاتهم؛ لأنها باطلة من أساسها[5].

  13. إذا أحسَّ الإنسان بشي من الوساوس الشيطانية، فإنه يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولْيَنْتَهِ ويُعرِض عنها ولا يَلتفِت إليها، ويمضي فيما هو عليه، فإذا رأى الشيطان أنه لا سبيل إلى فساد هذا القلب المؤمن الخالص، نَكَص على عَقِبَيْهِ ورجع[6].

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (220).
  2. رواه البخاريُّ (6491)، ومسلم (131).
  3. رواه مسلم (125).
  4. "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 258، 259).
  5. "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 324، 325).
  6. "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 325).
الفوائد العقدية

14. «إن الله تجاوز لأمَّتي ما حدَّثت به أنفسَها ما لم تتكلَّم به أو تعمل»: المراد به الخواطرُ التي لا تستقِرُّ، وسواءٌ كان ذلك الخاطر غِيبةً أو كُفْرًا أو غيرَه، فمن خطر له الكفرُ مجرَّد خَطَرانٍ من غير تعمُّد لتحصيله، ثم صَرَفه في الحال، فليس بكافر، ولا شيء عليه[1].

15. قال الصحابة: يا رسول الله، نجد في نفوسنا ما نحبُّ أن نكون حمَمَةً – يعني: فحمة محترقة - ولا نتكلَّم به، قال: «ذاك صريح الإيمان»؛ يعني: ذاك هو الإيمان الخالص؛ لأن الشيطان لا يُلقي مثلَ هذه الوساوس في قلب خَرِب، في قلب فيه شكٌّ؛ إنما يتسلَّط الشيطان على قلبٍ مؤمن خالصٍ ليُفسده[2].

16. لو أن المسلم حدَّث نفسَه بمعصية، لم يؤاخذ، فأما إذا عزم على المعصية، فإنه يَخرُج عن تحديث النفس، ويصير من أعمال القلب؛ فإنَّ عَقْدَ النيَّة على الفعل من عمل القلب، فحينئذ يَأثَم بنيَّة السرِّ[3].

المراجع

  1. "الأذكار" للنوويِّ (ص: 345).
  2. "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 324).
  3. " كشف المشكل من حديث الصحيحين" لابن الجوزيِّ (3/ 488).
الفوائد الفقهية

17. اتَّفق العلماء على أن الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقِرَّ ويستمِرَّ عليه صاحبُه، فمَعفوٌّ عنه؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريقَ له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بقول رسول الله :

«إن الله تجاوز لأمَّتي ما حدَّثت به أنفسَها ما لم تتكلَّم به أو تعمل»

[1].

18. «إن الله تجاوز عن أمتى ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلَّم»، فجعل ما لم يَنطِق به اللسانُ لَغوًا لا حُكم له، حتى إذا تكلَّم به، يقع الجزاء عليه، ويَلزَم المتكلِّم[2].

المراجع

  1. "الأذكار" للنوويِّ (ص: 345).
  2. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (7/ 418).


مشاريع الأحاديث الكلية