عن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»

فقهٌ

يبين النبيُّ أنَّ فضلَ اللهِ تعالى على عبادِه لا يُحصى، وأنَّنا غارقون في نعم الله تعالى التي لا نُدرك أهميتها ولا نُوفيها حقَّ شكرِها، وذكر من تلك النِّعم في هذا الحديث ثلاثًا، وهي الأمان والعافية والرزق.

فمَن استقبلَ يومَه وهو آمنٌ في نفسه وبيته وأهله ووطنه، مطمئنٌ لا يخشى عدوًّا أو وباءً أو ظُلْمًا يقعُ عليه، مُعافًى في بدنه صحيحًا سليمًا ليس به داءٌ أو مرضٌ يمنعه عن الحركة وأداء مهام يومه، عنده ما يكفيه من قوت يومه فلا يحمل هَمَّ الرزقِ – فقد جُمعت له الدُّنيا بأسرها؛ فماذا يريدُ بعدَ تلك النِّعم؟!

وقد امتنَّ اللهُ تعالى على عبادِه بتلك النِّعم،

فقال سبحانه:

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}

[العنكبوت: 67]،

وقال عزَّ وجلَّ:

{الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}

[قريش: 4].

وعاب على الكافرين الذين كفروا تلك النعم، فعاقبهم بسلبها،

قال تعالى:

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}

[النحل: 112].

اتباع

1. أَحسِن الظنَّ باللهِ تعالى، فرزقُك وقدرُك وأمورُك كلُّها بيد اللهِ تعالى.

2. اشكر اللهَ تعالى على نعمةِ الأمن؛ فكم من مُطارَدٍ وخائفٍ وأسيرٍ يتمنى شيئًا مما عندك.

3. من عظيم نعمة الأمن أن اللهَ تعالى وعد المؤمنين بها،

قال سبحانه:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}

[الأنعام: 82]

فكن منهم يصيبك ما يصيبهم من موعود الله سبحانه.

4. الصِّحةُ نعمةٌ عظيمةٌ تستوجب شكرَ اللهِ تعالى عليها؛ حيث سوَّاك في أحسن صورة وأكمل بنيان، ومنحك العافية التي تُخَوِّلُك من العمل.

5. كان من دعائه :

«اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْت»

[1]

فاحرص على هذا الدُّعاء النبوي.

6. قال :

«نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغُ»

[2].

فلا تكن من الجاحدين لنعم اللهِ تعالى.

7. احمَد اللهَ تعالى على رزقك واقنع بما آتاك، فغيرُك جائعٌ لا يجد ما يسدُّ رمقه.

8. يجب على المرء أن يُدرِك قيمة نعم الله عليه، وأنه محاسَبٌ عليها، فيسعى ويحرص على شكرها بطاعة الله تعالى وما يُرضيه؛ فإن الله سائلُه يوم القيامة عنها، فإن اغتنمها في خير وما يُرضي الله تعالى، نجا وسَلِم، وإلا فهو الخسران الْمُبين.

9. لا يُدرك المرء قيمة نعمة الماء إلا حين يَفقِده، فيشتدُّ عليه العطش، وهكذا كلُّ النِّعم، لا يُدركها الإنسان إلا حين يفقدها؛ فكن من الشاكرين!

10. قال الشاعر:

إذَا ما كَسَاكَ الدَّهْرُ ثَوْبَ مَصَحَّةٍ = وَلَمْ يَخْلُ مِن قُوتٍ يُحَلَّى ويَعْذُبُ

فَلا تَغْبِطَنَّ الْمُتْرَفِينَ فَإِنَّهُ = عَلَى حَسْبِ مَا يُعْطِيهِمُ الدَّهْرُ يَسْلُبُ

11. وقال غيره: 

إَذَا ما القُوتُ يَأْتِي لَـ = ـكَ وَالصِّحَّةُ وَالأَمْنُ

وَأَصْبَحْتَ أَخَا حُزْنٍ = فَلا فَارَقَكَ الْحُزْنُ


المراجع

1. رواه البخاريُّ في "الأدب المفرد" (701)، وأحمد (20701)، وأبو داود (5090).

2. رواه البخاريُّ (6412).




مشاريع الأحاديث الكلية