عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟» فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «اللهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ».

فقه:

1- سأل النبي ﷺ أصحابه رضي الله عنهم: ألا يقدر أحدكم أن يقرأ ثُلُثَ القرآن في كل ليلة؟ 

2- فتعجَّب الصحابةُ من السؤال؛ فإنَّ ذلك مما يشقُّ عليهم، وليس من عادته ﷺ أن يُكلِّفهم بما لا يستطيعون.

3- فأخبرهم ﷺ بأنَّ سورة «الله الواحد الصمد» تَعْدِل ثُلُثَ القرآن في الأجر والفضل والثواب، وهي سورة الإخلاص، لتضمنها تلك الكلمات

وهي قوله تعالى:

﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ﴾

[الإخلاص: 1 - 2]

وكلمة الصَّمَد تتضمن عدة أوصافٍ لله تعالى، منها أنه تعالى لا جوف له فلا يحتاج لطعام ولا غيره، ولا يُشبهه أحدٌ، وأنه سبحانه الذي يُصمد -أي: يُقصد- في الحوائج، فهو غنيٌّ عن جميع خلقه، وهم مفتقرون إليه، وأنه الباقي بعد فناء جميع الخلق [1].

وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، فَقَرَأَ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ) حَتَّى خَتَمَهَا[2].

وإنما كانت تلك السورة على قلة عدد كلماتها تَعْدِل ثُلُثَ القرآن لما فيها من التوحيد وبيان أسماء الله تعالى وصفاته ونفي الشريك والشبيه والولد؛ فإنَّ كتاب الله تعالى تضمَّن ثلاثة أصول: بيان التوحيد وصفات الله تعالى، وذكر أحكام الشريعة وما يحل وما يحرم، والإخبار عن قصص السابقين، وقد تناولت السورة الأصلَ الأولَ منها وهو التوحيد، ولذلك من قرأ سُورةِ الإخلاص نال مثلَ ثواب من يقرأ ثُلُثَ القرآن [3].

اتباع:

1- اعتن بأساليب الخطاب، فالكلام وإن كان صحيحاً نافعاً، فإن أسلوب العرض يهيئ قبوله، فانتبه لذلك في خطابك لأولادك وأهلك وطلابك ومن تتعامل معهم بنصح أو تجارة أو غيرها.

2- هيَّأ النبيُّ ﷺ أصحابه -رضي الله عنهم أجمعين- بسؤال غريب إلى قبول الجواب وتلقي العلم، حيث لمَّا سألهم عن أمرٍ مستبعدٍ بالنسبة لهم، تعلَّقت أسماعهم وانصرفت أفهامهم إلى كلامه ﷺ ليروا كيف يستطيعُ المرءُ أن يقرأ ذلك الكَمَّ في ليلة. فيحسن بالداعية والفقيه والمُعَلِّم والمُرَبِّي أن يجذب أسماع وأفهام مَن حوله بالأسئلة العجيبة والأخبار الغريبة، التي من شأنها جلب الأبصار والأسماع.

3- يُظهر الحديث حكمة النبي ﷺ في تعليم أصحابه، حيث واجههم بأسلوب العرض، وليس بأسلوب الأمر، فعلى المعلم أن ينتهج نهج النبي ﷺ في التعليم، فهذا الأسلوب أفضل في حث الطلاب على فعل المراد.

4- الشريعة جاءت بالتكاليف اليسيرة التي تحمل الخيرَ والفضلَ الكثير، فلا يليق بمسلمٍ أن يُفَوِّت تلك النفحات، بل ينبغي أن يحرص على الاستفادة من تلك الهِبات الربَّانية.

5- يُظهر الحديث حسن أدب الصحابة رضي الله عنهم، فلم يواجهوا النبي ﷺ بالنفي والرفض، بل التمسوا العذر بحسن أدب، فعلى الطالب أن يتأدب بأدبهم تجاه معلمه.

6- اعتن بسورة الإخلاص، فلم يعظّمها رسول الله ﷺ  إلا لكونها عظيمة، فاعتن بحفظها، وتعلمها، وتدبر آياتها، وتعليمها؛ سواء في البيوت، أو المدارس، أو في بحوث أهل العلم، وهذا الشأن فيما عظم الله تعالى.

7-

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:

أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟»، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ»[4].

8- قال الشاعر: 

أَيَا مَنْ لَيْسَ لِي مِنْهُ مُجيرُ = بعفوِكَ من عِقَابِكَ أستَجِيرُ

أَنَا العَبْدُ الْمُقِرُّ بِكُلِّ ذَنْبٍ = وَأَنْتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ الغَفُورُ

فَإِنْ عَذَّبْتني فالذَّنْبُ ذَنْبي = وإِنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ به جَدِيرُ

المراجع

  1. "زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي (4/ 506).
  2. مسلم (262).
  3. "الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 512).
  4. البخاري (7375)، ومسلم (813).


مشاريع الأحاديث الكلية