الفوائد العلمية
1. اختصَّ الله تعالى بعض سور القرآن بمَزيَّة خاصَّة، وفضَّل بعض القرآن على بعضه، ومن بين هذه السور سورة الإخلاص.
2. قيل في معنى قوله ﷺ عن سورة الإخلاص: «تعدل ثلث القرآن»: هي ثُلثٌ باعتبار معاني القرآن؛ لأن مقاصد القرآن الكريم تنحصر في ثلاثة: ما يتعلَّق بذاته تعالى من التوحيد والصفات، وما يتعلَّق بأفعال العباد من الأحكام، وما يتعلَّق بالقصص وأحوال الأمم، والسورة قد استوَفَتِ القِسم الأول على أبلغ وجه[1]. وقيل: إن ثواب قراءتها يَحصُل للقارئ مثلُ ثواب من قَرَأ ثُلث القرآن. وقيل: إن من عَمِل بما تضمَّنته من الإقرار بالتوحيد، والإذعان للخالق، كمن قرأ ثُلث القرآن.
3. هناك من العلماء من توقَّف عن الكلام في معنى «تعدل ثلث القرآن»؛ كابن عبد البرِّ والسيوطيِّ والشوكانيِّ والزرقانيِّ، قالوا: السكوت في هذه المسألة وما كان مثلها أفضل من الكلام فيها وأسلم[2].
4. هناك فرقٌ بين المعادلة في الثواب، والمعادلة في الإجزاء؛ فلو قال الإنسانُ: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، عشْرَ مرَّات، كان كمن أعتقَ أربعةَ أنفس من ولد إسماعيلَ، يعني يعادل عِتْقَ أربع رقاب؛ لكن لو كان عليه عتقُ رقبة وقال ذلك، ما نفعه ذلك[3].
5. سورة الإخلاص تعدل ثُلث القرآن في الثواب؛ ولكنها لا تعدل في الإجزاء؛ ولهذا لو قرأها الإنسان ثلاث مرات في الصلاة، لم تُجزئه عن الفاتحة[4].
6. الاسم (الصَّمَد) فيه للسّلف أقوال متعدِّدة، قد يُظنُّ أنّها مختلفة، وليس كذلك؛ بل كلُّها صواب، والمشهور منها قولان؛ أحدهما: أنّ الصّمد هو الّذي لا جوف له، والثّاني: أنّه السّيّد الّذي يُصمَد إليه في الحوائج[5].
7. إن القرآن الكريم هو أصلُ العلم، ومَنبَع العلم، وكلُّ العلم
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
أما في الآخرة فيَرفَع الله به أقوامًا في جنات النعيم، ويُقال للقارئ: اقرأ ورتِّل واصعد، وله إلى منتهى قراءته صعود في الجنة إن شاء الله[6].
8. القولُ بأنّ كلام اللّه بعضُه أفضلُ من بعض هو القول المأثور عن السَّلف، وهو الّذي عليه أئمّة الفقهاء من الطّوائف الأربعة وغيرهم، وكلام القائلين بذلك كثير منتشر في كتب كثيرة [7].
9. في الحديث سَعَةُ عظيم فضل الله تعالى على عباده، بأن جعل قراءة سورة قصيرة تعدل ثلث القرآن.
المراجع
- ينظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (24/ 82)، "فتح الباري" لابن حجر (9/ 61) بتصرُّف.
- "الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 512).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 676).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 676).
- "مجموع الفتاوى" (17/ 214).
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 646، 647).
- "مجموع الفتاوى" (17/ 13).
الفوائد العقدية
10. ثبت اسم الله تعالى (الصَّمَد) في القرآن والسنَّة على سبيل الإطلاق، مرادًا به العَلَمية، ودالًّا على الوصفية، والصَّمَدُ اسمٌ يدلُّ على ذات الله وحدَها بالتضمُّن، وعلى صفة الصمدية المطلَقة بدلالة المطابقة، ويدلُّ باللزوم على صفات الأَحَدية، والحياة، والقيُّومية، وكمال العِلم، والقدرة، والعزَّة، والقوَّة، والحكمة، والعظمة، والعدل، والحُكم، وكلِّ ما يلزم لكمال الذات والصفات التي تحقِّق السُّؤْدَدَ في كلِّ شيء.
11. ورد (الصمد) في القرآن الكريم في موضع واحد، في سورة الإخلاص، وورد في السنَّة في عدَّة مواضع؛ منها ما ورد في الحديث القدسيِّ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ»[1].
12. الصمد هو السيِّد الذي لا يكافئه من خلقه أحد، والمستغني عن كلِّ مَن سواه، وكلُّ من سواه مفتقِر إليه، معتمِد عليه، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله، لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ولا يوصف بصفته أحد، وليس فوقه أحد، الذي يَصمُد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم، فأُصمِدت إليه الأمور، فلم يقضِ فيها غيرُه، هو المقصود إليه الرغائب، والمستغاث به عند المصائب، هو الذي لا جوف له، وليست له أحشاء، لا يدخل فيه شيء، ولا يخرج منه شيء.
الفوائد الحديثية
13. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ}
الفوائد اللغوية
14. قَوْله: «أَيعْجزُ؟» الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
15. قَوْله: «الْوَاحِد الصَّمد» كِنَايَة عَن
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}ﱠ [1].
16. في (الصمد) أربعة أقوال؛ أحدها: أنه السيِّد الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج، الذي كَمُل في سُؤْدَدَه، وهو السيد الذي ليس فوقه أحد، والعرب تسمِّي أشرافها: الصَّمد. والثاني: أنه الذي لا جوف له، والثالث: أنه الدائم، والرابع: الباقي بعد فناء الخلق، وأصحُّ الوجوه الأول؛ لأن الاشتقاق يَشهَد له؛ فإن أصل الصمد: القصد؛ يقال: اصْمُد صَمْدَ فلان؛ أي: اقصِدْ قصده[2].
17. لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد: السيد الذي ليس فوقه أحد تَصمُد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم[3].
المراجع
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (20/ 34).
- "زاد المسير في علم التفسير" (4/ 506).
- "زاد المسير في علم التفسير" (4/ 506).