عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ[ رضي الله عنه ] بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، فقال: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ فقال: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»

فقه

  1. يذكر الصحابيُّ الجليلُ عامر بن واثلة رضي الله عنه  أنَّ نافعَ بن عبد الحارث  كان قد جعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه أميرًا على مكة، فخرج من مكة في إحدى مصالحه، فقابله عمر رضي الله عنه في عُسْفان، وهي بلدة بينها وبين مكة حوالي 80 كيلو مترًا، فسأله عمر عمَّن استخلفه على مكة، يلي أمرَ الناس ويؤمهم في الصلوات ونحو ذلك؟

  2. فأخبره نافعٌ أنه استخلف عليهم رجلًا اسمه ابن أبزى [1]، فلم يعرفه عمر رضي الله عنه، فسأله عن حاله، فقال له: إنَّه كان هو أو أحد آبائه عبدًا لنا فأعتقناه.

  3. فأنكر عمر رضي الله عنه  عليه أن يستخلف على النَّاسِ مولًى، وفيهم من الأحرار والأشراف من أصحاب النبيِّ ﷺ وتابعيهم مَن يصلح لذلك.وليس معنى ذلك أنَّه لا يجوز تولية الموالي، ولا أنَّ عمر رضي الله عنه يحتقر الموالي والعبيد ويراهم دونَ الأحرار، وإنما مراعاةً لمصالح الناس واجتنابًا للفتن؛ إذ إنَّ الغرض من الولايات ضبطُ أمور الناس وتحقيق مصالحهم، وذلك يحتاج رجلًا عاقلًا حازمًا مُهابًا لا يتجرأ عليه أحد، ويقتضي ذلك أن يكون العاملُ حُرًّا شريفًا نسيبًا وجيهًا، وإلَّا استخفَّ به الناسَ ولم يطيعوه.

  4. فأخبره نافعٌ رضي الله عنه أنَّه إنما استعمله لأنه حافظٌ لكتاب الله تعالى، عالمٌ بالفقه وأحكام المواريث، وأنَّ هذا المولى رفعه اللَّه تعالى على الناسِ بهذه الأمور، وهم يَعرِفون منه ذلك، فيَحترمونه، ويُعظِّمونه، ويُطيعون أمره، فتستقيم أمورهم، وتستقرُّ أحوالهم [2]
  5. فلما أخبره بذلك رَضِيَ عمر  رضي الله عنه فِعْلَه، وأقرَّ صُنْعَه، ودَلَّل على صحته بأنَّ النبيَّ ﷺ أخبر أنَّ هذا القرآن يُكرم أناسًا ويرفع منزلتهم في الدنيا والآخرة، ولولاه لكانوا أذلَّاء، كما أنَّه يُهِين مَن كفر به وتَرَكَ العمل بِما فيه، ولو كان من أصحاب العزِّ والسؤدد.

اتباع

  1. على صاحب المسؤولية أن يكون منتبهًا لمسؤوليته، حسّاسًا لكل موقف، فعمر لما رأى عامله سأله: من ترك خلفه؟ ومن هو؟ ولم فعل كذا ولم ترك كذا؟

  2. على الإنسان إذا استخلف مكانه من يقوم بعمله أن يراعي في اختياره شروط المهمة المُوَكَّل بها ومقتضياتها. فإذا أراد الأب أو صاحبُ شركة أو مُقاولٌ أو عاملٌ أن يرسل أحد عُمَّاله لعمل شيءٍ فإنه ينبغي أن يراعي فيه الأمانة وإتقان العمل ونحو ذلك، وإذا أراد أميرٌ أو وزيرٌ أن يستنيب أحدًا أو يُوكِّل عاملًا معه فإنه يشترط فيه حسن السياسة والقدرة على تلبية مصالح الناس.

  3. دلَّ الحديث على أنَّ العارفَ بأحكام كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله ﷺ، مقدّمٌ لولاية أمور المسلمين متى كان صالحًا للولاية، وإن كان فقيرًا من الموالي، على أن يراعى في ذلك مصلحة المسلمين، وتجنب ما يثير الفتن، فقد عزل عمر رضي الله عنه كبار الصحابة عن بعض الولايات للمصلحة العامة؛ كما فعل مع سعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد وغيرهما.

  4. ليسأل كل امرؤ نفسه: كيف يجدها بكتاب الله تعالى: هل آمنت به وصدَّقته وأدمنت تلاوته فرفعك اللهُ تعالى به، أم ضيَّعتَه فوضعها الله به؟؛ فهما أمران لا ثالث لهما، قال قتادة رحمه الله: «لم يُجالس هذا القرآنَ أحدٌ إلَّا قام عنه بزيادة أو نقصان» [3].

  5. قيمة الإنسان بقيمة ما يحمله من علم، فعلى طالب العلم أن يصرف همه للعلم النافع فهو شرف له في الدنيا والآخرة.

  6. إذا كان القرآنُ يرفع قدر صاحبه في الدنيا بأن يجعله رأسًا في الناس وإمامًا بهم، فإنَّ الرفعة الكبرى إنما تكون في الآخرة؛

    فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

    «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا»

    [4].

  7. قال الشاعر:

هكَذا يا روحُ كُونِي نَحْلَةً = لَمْ تَمِلْ للنَّوْمِ أو إغْرائِهِ

دونَكِ القرآنَ رَوْضًا ناضِرًا = فارشُفِي ما شئتِ مِن أندائِهِ

قدِّمِي للكَوْنِ مِن أزهارِهِ = شَهْدَهُ الْمَشْهُودَ باستحْلائِهِ

لا تَرومِي غيرَهُ رَوْضًا؛ فَكَمْ = عِفْتُ طِيبًا شَذَّ عن أشذائِهِ

فالهُدَى في هَدْيِهِ، والفوزُ في = نهجِهِ، والْمَجْدُ في إعْلائِهِ

المراجع

  1.  هو عبد الرحمن بن أبزى الخُزاعي، مختلف في صحبته، وأكثر المؤرخين على أنه صحابيٌّ لقي النبيَّ ﷺ وصلَّى خلفه وروى عنه. ينظر: "تهذيب الكمال" للمزي [16/ 501]، " سير أعلام النبلاء" للذهبي [3/ 201].
  2.  "البحر المحيط الثجاج" لمحمد بن عليٍّ الإثيوبيِّ (16/ 458).
  3.  "أخلاق حملة القرآن" للآجرِّيِّ (ص: 73).
  4.  أبو داود (1464)، والترمذيُّ (2914)



مشاريع الأحاديث الكلية