عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ[ رضي الله عنه ] بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، فقال: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ فقال: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية
  1. في الحديث بيان أن القرآنَ يأخذه أناس يتلونه ويقرؤونه؛ فمنهم من يرفعه الله به في الدنيا والآخرة، ومنهم من يَضَعُهم الله به في الدنيا والآخرة، فمن هذا مَن عمل بهذا القرآن تصديقًا بأخباره، وتنفيذًا لأوامره، واجتنابًا لنواهيه، واهتداءً بهَدْيه، وتخلُّقًا بما جاء به من أخلاق، وكلُّها أخلاق فاضلة؛ فإن الله تعالى يَرفَعه به في الدنيا والآخرة [1].

  2. في الحديث إشارة إلى أن القرآن الكريم هو أصلُ العلم، ومَنبَع العلم، وكلُّ العلم، وقد قال الله تعالى:

    ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾

    [سورة المجادلة :١١]

    أما في الآخرة فيَرفَع الله به أقوامًا في جنات النعيم، ويُقال للقارئ: اقرأ ورتِّل واصعد، وله إلى منتهى قراءته صعود في الجنة إن شاء الله[2].

  3. في الحديث بيان أن الله تعالى يرفع من عَمِل بالعلم؛ فهذا الأميرُ الذي كان عبدًا فأُعتق رفعه اللَّه تعالى عليهم بالعلم، وهم يَعرِفون منه ذلك، فيَحترمونه، ويُعظِّمونه، ويُطيعون أمره، فتستقيم أمورهم، وتستقرُّ أحوالهم.

  4. في الحديث بيان أن الله تعالى يضع من لم يعمل بالقرآن، فيُحقِّرهم، ويُصغِّر قدرهم في الدنيا والآخرة؛ بسبب إعراضهم عنه، وعدم عنايتهم به، وتضييعهم حدودَه، وجهلهم بما فيه، وهم الذين لم يؤمنوا به، أو آمنوا ولم يعملوا به؛ كما قال تعالى: 

    ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾

    [البقرة :26][3]

  5. إن الله يرفع بهذا الكتاب من قرأه وعَمِل بمقتضاه مخلصًا، أما من قرأه مرائيًا غيرَ عامل به، وَضَعه الله أسفل السافلين [4].

  6. قال تعالى:

    ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾

    [ الإسراء: 82]

  7. قَالَ أبو الْعَالِيَة: كنتُ آتِي ابْن عَبَّاس وَهُوَ على سَرِيره وَحَوله قُرَيْشٌ، فَيَأْخُذ بيَدي فيُجلسني مَعَه على السرير، فتغامز بِي قُرَيْش، فَفَطِن لَهُم ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: كَذَا هَذَا الْعلم، يَزِيد الشريفَ شرفًا، وَيُجْلس الْمَمْلُوك على الأسِرَّة [5].

  8. في الحديث بيانُ ما كان عليه عمرُ رضي الله عنه من متابعة أمرائه في سياستهم لرعيَّتهم؛ لئلا يُضيعوا حقوقهم، فيكون هو المسؤولَ عن ذلك؛ لأنه أمير المؤمنين.

  9. في الحديث إشارة إلى أن من كان عالِمًا بكتاب اللَّه، وبالفرائض، هو الذي يستحقُّ أن يتولّى أمور المسلمين، وإن كان دنيء النَّسَب، وأن من كان جاهلًا بهذه الأمور لا يستحقُّ ذلك، وإن كان شريف النَّسَب.

  10. في الحديث فضل علم الفرائض، وشَرَفُه؛ فإنه العلم الذي أعلى اللَّه تعالى قَدْرَه، حيث تولّى بنفسه قسمته في كتابه العزيز، ولم يَكِلْه إلى أحد.

  11. عُسْفَانُ مدينة تَبعُد عن مكَّةَ بثمانين كيلو متر.

  12. ابنُ أَبْزَى: هو عبدُ الرحمن بنُ أَبْزَى، مولى نافعِ بنِ عبد الحارث رضي الله عنه، كان عبدًا له وأعتقه.

    المراجع

1. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 646، 647).

2. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 646، 647).

3. "البحر المحيط الثجاج" لمحمد بن عليٍّ الإثيوبيِّ (16/ 459)

4. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للمباركفوري (7/ 179، 180).

5. "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 164)

الفوائد اللغوية

13. ىأَطلَق الكتاب على القرآن ليُثبِتَ له الكمال؛ لأن اسم الجنس إذا أُطلق على فَرد من أفراده، يكون محمولاً على كماله، وبلوغه إلى حدٍّ هو الجنس كلُّه؛ كأن غيره ليس منهج [1].

14.الموالي: جمع مولًى، يُطلق على الْمُعْتِق والمعتَق

15.استفهام عمر: (فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟!)، استفهام للإنكار، وليس إنكارُ عمرَ رضي الله عنه  تَوْلِيَتَه عليهم؛ استخفافًا به، واحتقارًا له؛ وإنما أَنكَر فَوَاتَ غَرَضِ التَّوْلِية، وذلك أن المقصود من التولية ضبطُ أمور الناس، وسياستُهم، وهذا يَحتاج أن يكون الْمُوَلَّى عليهم رجلًا مُهابًا، له عظمةٌ وشرفٌ في قلوب العامَّة، وذلك أن يكون حرًّا نسيبًا ذا وَجاهة، وإلا استخفُّوا به، ولم يُطيعوه، فيَفُوت بذلك غرضُ الولاية.

المراجع

  1. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للمباركفوري (7/ 179، 180)


مشاريع الأحاديث الكلية