عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلامَ فِي قَلْبِي، أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي. قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟»

فقه 

  1. لمَّا شرح اللهُ سبحانَه صدرَ عمرو بن العاص رضي الله عنه للإسلام، أتى إلى النبيِّ وطلب منه أن يعطيه يدَه ليصافحه ويعاهده على الإسلام، كما كانت العادةُ حينذاك في مبايعةِ الرجال.

  2. فلمَّا مدَّ النبيُّ يمينه إلى عمرٍو رضي الله عنه ليبايعه، قبضَ عمرٌو يده، فتعجبَ النبيُّ عن سبب تراجعه عن البيعة، وسأله عن ذلك، فقال عمرو  رضي الله عنه: أريد أن أشترط شيئًا قبل أن أبايع، واشترط أن يضمن أن يغفر اللهُ تعالى له ما اقترفه من الذنوب والسيئات ومحاربة دينِ اللهِ تعالى.

  3. فبشَّره أنَّ بمجرد دخول المرءِ في الإسلامِ يُمحى ما كان عليه قبل ذلك من الذنوب والشِّرك.

  4. كما أنَّ الهجرةَ من دار الكفر إلى دار الإسلام تهدم ما كان قبلها، وقد كانت الهجرةُ في أولِ الإسلامِ الخروجَ إلى المدينة المنورة حيث رسول الله ، ثم بعد فتح مكة صارت الهجرةُ ترك دارِ الكفرِ إلى دارِ الإسلام أيًّا كانت. وأما حديث: «لا هِجرةَ بعد الفَتْح»[1]، فمعناه: لا هجرةَ من مكة إلى المدينة؛ لأن أهلها صاروا مسلمين، وصارت دارَ إسلام، وإنما الهجرة من دار الحرب[2]

  5. وكذلك الحجُّ؛ فإنه يمحو ما كان قبله من الذنوب، قال : «مَن حجَّ فلم يرفُثْ ولم يَفسُق، رجَع من ذنوبه كيوم ولدَته أُمُّه»[3]

اتباع: 

  1. (1) إذا انشرح صدرُك لطاعةٍ من الطاعات فبادِر إليها ولا تتردد أو تُسَوِّف.

  2. (1) لمَّا هدى اللهُ تعالى عمرًا للإسلام، لم يُبالِ بمنصبه ومكانته في قريش التي سيفقدها بإسلامه ويصيرُ واحدًا من عامة المسلمين. فعليك أن تنشغل بالحقِّ ولا تعبأ بما سوى ذلك.

  3. (1) مصافحةُ الرجل لأخيه من السُّنَّة، وقد كان يبايع الرجال بالمصافحة، أمَّا مصافحة الرجل للمرأة من غير محارمه فلا يجوز، قالت عائشةُ رضي الله عنها: «واللهِ ما مسَّت يدُ رسول الله يدَ امرأة قطُّ، غير أنه بايعهن بالكلام، والله ما أخذ رسول الله على النساء إلا بما أمره الله، يقول لهن إذا أخذ عليهن: «قد بايعتُكنَّ»[4]

  4. (2) لم يشترط عمرو بن العاص  رضي الله عنه على النبيِّ أن يكون قائدًا للجيش أو يتولى ولايةَ بلدٍ من البلدان المفتوحة أو ينال شيئًا من المال مقابل إسلامه، بل اشترط المغفرة والعفو، فيجب أن يكون همُّك مغفرةَ اللهِ تعالى ورفعةَ الدرجات ودخول الجنة، لا غيرها من زينة الدنيا وزخارفها.

  5. (3) ينبغي على الدُّعاة والعلماء والمُرَبِّين أن يُشجعوا النَّاس على الدخول في الإسلام، ويبينوا لهم أن الإسلام يمحو ما كان قبله من الذنوب والمعاصي.

  6. (3) إنما يمحو الإسلامُ ما اقترفه العبدُ قبلَه إذا حسُن إسلامُه، أما إن أساء وأكثر من المعاصي والكبائر بعد إسلامه ولم يتب منها فإنه يؤاخذ بالكلِّ؛

    قال ﷺ:

    «مَنْ أحْسَن فِي الْإِسْلَامِ، لَمْ يُؤاخَذ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، أُخذ بالأول والآخر»

    [5]

  7. (3) من مكارم الإسلام أنَّه يمحو ما ارتكبه العبدُ قبلَه من السيئات والذنوب، أما ما جناه من الحسنات والأعمال الصالحة قبل الإسلام، فإنه يُثاب عليها، كرمًا وإحسانًا من ربِّ العالمين.

  8. (4) إذا كانت الهجرةُ قد فاتت بانتشار الإسلام في بلادنا، فإنَّ الهجرةَ الأعظم تحصل بالمداومة على الطاعات وهجرة المعاصي وأصحاب البدع والأهواء.

  9. (5) داوِم على الحجِّ والعمرةِ؛ فإنهما يمحوان الذنوب حتى يعودَ المسلمُ خاليًا من الذنوب كما ولدته أمه.

المراجع

  1.  رواه البخاري (2783)، ومسلم (1353). 
  2.  انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للمُلَّا علي بن محمد القاري (1/ 102). 
  3.  رواه البخاري (1521)، ومسلم (1320). 
  4.  رواه البخاريُّ (5288)، ومسلم (1866). 
  5.  رواه البخاريُّ (6921)، ومسلم (120).

مشاريع الأحاديث الكلية