عن زيدِ بنِ ثابتٍ، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «نضَّر اللهُ امرأً سَمِعَ منَّا حديثًا، فحفِظَه حتى يُبلِّغَه؛ فرُبَّ حاملِ فِقهٍ إلى مَن هو أفقهُ منه،ورُبَّ حاملِ فِقهٍ ليس بفقيهٍ».

فقه

1- النضارة: حُسن الوجه والبريق فيه، والنبي ﷺ يحث أصحابَه والأمةَ من بعدهم إلى حفظ سُنَّته ونشرها في الناس، ويشجِّعهم على ذلك: بأن يدعو اللهَ تعالى أن يُنَضِّر وجهَ من يفعل ذلك -جزاء لتجديدهم السنة-، وتمامُ ذلك بحفظ حروفه، الدال على حسن الاستماع والحرص والأمانة في النقل، حتى يوصله لغيره كما هو. 

ويجوز نقل الحديث بمعناه عند الحاجة لمن كان عالماً بمعناه، ويحرم الكذبُ عليه ﷺ ولو زعم أن ذلك لمصلحة.

2- ثمَّ علَّل النبيُّ ﷺ ذلك بأنَّه ربَّما كان المبلِّغ بالحديث أقل فهمًا من المُبَلَّغُ به، فلو أن كل من سمع أحاديثَ النبيِّ ﷺ اكتفى بأن ينقل ما فهمه من السُّنَّة دون نصوصها لضاع علينا فضلٌ كثيرٌ؛ وكلمة "رُبَّ" هنا تدل على كون ذلك أكثر من المتوقع.

3- ثم أخبر ﷺ أنه لا يُشترط في المُبَلِّغ أن يكون فقيهًا عالمًا؛ وإنما شرطه الحفظُ وسلامةُ النقل، وكثيرًا ما يكون الناقل للخبر ليس عالِمًا؛ لكنه كسب الأجر بنقله لغيره [1].

اتباع

1- قرَّب النبيُّ ﷺ زيدَ بنَ ثابت إليه مع صغر سنِّه لعلمه ونبوغ عقله، فجعله كاتبًا للوحي بين يديه، كما استعمله أبو بكر الصديق ثم عثمان رضي الله عنهما في جمع القرآن وفي كتابة المصحف الجامع، وكان زيدٌ من أعلم الصحابة بالفرائض، فلا تحقر نفسك ولا غيرك لصغر السن.

2- دعا النبيُّ ﷺ لمن بلَّغ سُنَّته بالجمالِ ونَضارةِ الوجه والحسنِ والبهاء، فمن أراد ذلك فليحرص على تبليغ سُنَّته، والدخول في سلك حفظة الحديث، رجلًا كان أو امرأة. قالَ سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَة: لا تَجِدُ أحدًا من أهل الحديث إلَّا وفي وجهه نَضْرَةٌ؛ لدعوة النَّبِيِّ ﷺ[2].

3- عوّد نفسك على ملكة الحفظ، خصوصًا للألفاظ المنقولة عن الله تعالى ورسوله ﷺ، ففي حروفها من الفقه ما قد يغيب عنك مؤقتًا أو دائماً، فيكفي أن تنتفع بما قدرتَ عليه منها، وربما استذكرت تلك الألفاظ في ذهنك مرة أخرى فزاد فهمك، أو ربما نقلتها لغيرك فانتفعوا بها بما لم تنتفع به.

4- لا تغترَّ بدعوات المزهدين في الحفظ، فإن الحفظ لا يعارض الفهم، بل هو معين عليه، وهو مفيد لصاحبه ولغيره، وقلَّ علمٌ إلا وفيه قواعد علمية ينبغي حفظها وضبطها بحروفها. 

5- احرص أن تبلغ كما سمعت، فالتثبت في التلقي والرواية دليلُ كمال عقل الإنسان.

6- لا يشترط فيمن يبلّغ السُّنَّة كمالُ الفقه أو فهم جميع ما ينقله، بل متى سمع آيةً، أو حديثًا صحيحاً، أو علمًا مأخوذًا من عالم ثقة: فلا يتحرج من تبليغ السُّنَّة، وأداء العلم.

7- العاقل ينتفع بالحكمة المنقولة عن الله تعالى وعن رسوله ﷺ وأصحابه، ولو كان من نقله إليه دونه في العلم، فينتفع بالنقل، ولو حصل النقص في الناقل.

8- أفاد الحديث بيان عظيم منزلة أهل الحديث الذين يبلغون أقوال النبيِّ ﷺ، قال الشافعي: « إذا رأيتُ رجلًا من أهل الحديث فكأنّي رأيتُ رجلًا من أصحاب النّبيِّ ﷺ[3]». وإنّما قال الشّافعيُّ هذا؛ لأنّهم في مقام الصّحابة من تبليغ حديث النّبيِّ ﷺ. فينبغي أن نُجِلَّ أصحاب الحديث ونوقِّرهم، كما فعل أهل العلم.

9- قال الشاعر: 

رَأَيتُ العِلمَ صاحِبُهُ كَريمٌ = وَلَو وَلَدَتْهُ آباءٌ لِئامُ

فلَيسَ يزالُ يَرفَعُهُ إِلى أَن = يُعَظِّمَ أَمرَهُ القَومُ الكِرامُ

وَيَتَّبِعونَهُ في كُلِّ حالٍ = كَراعي الضَّأنِ تَتبَعُهُ السَّوامُ

فَلَولا العِلمُ ما سَعِدَت رِجالٌ = وَلا عُرِفَ الحَلالُ وَلا الحَرامُ

المراجع

  1. انظر: "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" للمباركفوري (7/ 348).
  2. "مجموع الفتاوى" (1/ 11).
  3. "مجموع الفتاوى" (1/ 11).


مشاريع الأحاديث الكلية