عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا»
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا»
حلاوة الإيمان حلاوة روحية نفسية قلبية، حيث انشراحُ الصدر، وطمأنينة القلب، والأُنس بالله تعالى، ومعرفته حقَّ المعرفة، بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، حتى يصير الهوى في مرضاته تعالى، والْمُنى فيما يقدِّره سبحانه، حتى لو كان ظاهره شرًّا.
إنها حلاوة الإيمان الذي يشعُّ نوره في نفس المؤمن ومشاعرِه ومَداركه وحواسِّه وتصوُّراته، فيستقيم على الهدى، فيكون كمالُ حبِّه لله ورسوله ودينه.
إن حلاوة الإيمان ليس مثلَها حلاوةٌ، فمع لذَّتها، فإنها تستمرُّ، ليس مثلَ لذَّات الدنيا؛ كالطعام والشراب وتحصيل الأموال والمساكن الشاهقة والمركبات الفارهة، التي لا تستمرُّ لذَّتها إن وُجِدت.
من أحبَّ أحدًا يتحرَّى مراضيَه، ويُؤثِر رضاه على رضا نفسه، ومقام الرضا عند أهل العرفان مقام جليل رفيع.
الرضا بالله ربًّا يتضمَّن توحيدَه وعبادته، والإنابةَ إليه، والتوكُّل عليه، وخوفه ورجاءه ومحبَّته، والصبر له وبه، واتِّخاذه معبودًا دون ما سواه، واتخاذه وليًّا ومعبودًا، وإبطال عبادة كلِّ ما سواه. والشُّكرُ على نعمه يتضمَّن رؤية كلِّ ما منه نعمة وإحسانًا، وإن ساء عبده [1].
قال الجُنَيْد: الرضا رفعُ الاختيار [2].
قال الْمُحَاسِبِيُّ: الرضا هو سكونُ القلب تحتَ مجاري الأحكام [3].
قال الرُّوذْبَارِيُّ: ليس الرضا ألَّا يُحِسَّ بالبلاء؛ إنما الرضا ألَّا يَعْتَرِضَ على الحُكم [4].
قال النُّورِيُّ: الرضا هو سرورُ القلبِ بِمُرِّ القضاء [5].
سُئِلَتْ رابعةُ عن الرضا، فقالتْ: إذا سرَّتْهُ المصيبةُ كما سرَّتْهُ النعمةُ[6].
كان أميرُ المؤمنين عمرُ بنُ عبدِالعزيز رحمه الله يدعو بهذا الدعاء: اللهم رضِّني بقضائك، وبارك لي في قَدَرك؛ حتى لا أحبَّ تعجيل ما أخَّرتَ، ولا تأخير ما عجَّلتَ.
قِيل لِيَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ رحمه الله: متى يَبلُغ العبدُ إلى مَقام الرضا؟ فقال: إذا أقام نَفْسَه على أربعة أصول في ما يُعامِل به رَبَّه، فيقول: إن أعطَيْتَني قَبِلْتُ، وإن مَنعْتَني رَضِيتُ، وإن تركتني عبدتُ، وإن دعوتَني أجبتُ[7].
الرضا باللَّه أعلى من الرضا بما مَنَّ اللَّهُ، وليس من شرط الرضا أَنْ لا يُحِسَّ بالْأَلَم والْمَكاره؛ بل أن لا يعترض على الْحُكْم ولا يتسخَّطُه[8].
لا حرج أن يستمتع العبد المؤمن بكل طيِّبات الحياة المباحة، على أن يكون راضيًا أن تُسلب منه، مستعدًّا أن يَنبِذها كلَّها إذا تعارضت مع عقيدته وما يتطلَّبه الرضا بالله ربًّا.
ذاق طعم الإيمان من لم يطلب غير الله تعالى، ولم يشرع في غير طريق الإسلام، ولم يَسلُك إلا ما يوافق شريعة محمدٍ ﷺ ، ولا شكَّ في أن من كانت هذه صفتَه، فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه[9].
من رَضِيَ أمرًا، سَهُل عليه، فكذا المؤمن إذا دخل قلبَه الإيمانُ، سَهُل عليه طاعات الله تعالى، ولذَّت له.
"الرِّضَا جنَّةُ الدنيا ومُستراح العارفين"، يلتذُّ المؤمن بحلاوة الإيمان والرضا، طيِّبَ النفس، مطمئنَّ القلب لكل ما يقدِّره الله تعالى.
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا = عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ في اللهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ = يُبَارِكْ عَلَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
19. رِضَاكَ خيرٌ من الدنيا وما فيها = يا مالكَ النَّفْسِ قاصِيها ودانِيها
فليس للروح آمالٌ تُحقِّقها = سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
فنظرةٌ منك يا سُؤلي ويا أَمَلي = خيرٌ إليَّ من الدنيا وما فيها