عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا»
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا»
هذا الحديث من أصول العقيدة وقواعد الإسلام.
حلاوة الإيمان هي: "استلذاذ الطاعات، وتحمُّل المشاقِّ في رِضا الله - عزَّ وجلَّ - ورسوله ﷺ، وإيثار ذلك على عرَضِ الدنيا"[1].
إن الإيمان معنويٌّ؛ ولكن له طعم يفوق كلَّ الطُّعوم الحِسِّية، وله مَذاقٌ يسمو على كلِّ مذاق حسيٍّ.
الرضا بالله وبالإسلام وبالرسول: رِضًا عامٌّ، ورضًا خاصٌّ، والرضا العامُّ هو ألّا يَتَّخِذَ غيرَ الله ربًّا، ولا غيرَ دين الإسلام دينًا، ولا غيرَ محمَّد ﷺ رسولًا، وهذا الرضا لا يخلو عنه مسلم؛ إذ لا يَصِحُّ التديُّنُ بدين الإسلام إلا بذلك الرضا، والرضا الخاصُّ: هو الذي تكلَّم فيه أربابُ القلوب، وهو ينقسم على قسمَيْن: رضًا بهذه الأمور، ورضًا عن مُجْرِيها تعالى[2].
- الرضا قسمان: رضًا به، ورضًا عنه؛ فالرضا به مدبِّرًا، والرضا عنه فيما قضى، وهو سكونُ القلب إلى أحكامِ الرَّبّ، وموافقتُهُ على ما رَضِيَ واختار [3].
يذوق المؤمن حلاوة الإيمان بأن يرضى بالله ربًّا، يرضى به مدبِّرًا وخالقًا، ومعطيًا ومانعًا، ومُبْتليًا ومعافيًا، وبكلِّ صفات الربوبية، ويرضى به آمرًا وناهيًا، ومشرِّعًا ومعبودًا بحقٍّ وحدَه سبحانه دون سواه، يرضى به وعنه في كلِّ ما قضى وقدَّر، حتى إنه يقف مع مُرَادِ اللَّه، لا مع مُرَادِ نفسه.
الرضا بالإسلام دينًا؛ فإن الدين عند الله الإسلام، يستسلم المؤمن لله، ويرفع راية الإسلام، ويدافع عنه، ويبلِّغ رسالته، يعيش له وبه، يوالي ويعادي عليه.
شعار المؤمن أن يرضى بالإسلام دينًا
قال تعالى:
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 162 لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
[الأنعام: ١٦٢ – ١٦٣].
9. الرضا بالحبيب ﷺ هو رضا المحبِّين المتَّبِعين، المهتدين بهَدْيِه، المقتدِين به، الممتثلين لطاعته، الباذلين النفسَ والنفيس في الدفاع عن سنَّته، المتشوِّقين للقائه.
10. هذه الدنيا التي يشقى بها الخلق، تصير جنَّةً للمؤمن بالرضا؛ فكما قيل: "الرِّضَا جنَّةُ الدنيا ومستراح العارفين"، فيلتذُّ المؤمن بحلاوة الإيمان والرضا، طيِّبَ النفس، مطمئنَّ القلب لكل ما يقدِّره الله تعالى.
11. جَعَلَ ﷺ الرِّضَا بالله قَرِينَ الرضا بدينه ونَبِيِّه، وهذه الثلاثةُ هي أصول الإسلام، التي لا يقوم إلا بها وعليها؛ فإذا حصَّل المؤمن هذه الثلاث، لن يجد لذَّة وحلاوة تُشبهها إلا في الجنة.
12. في الحديث إشارة إلى أن التوحيد هو أصل الإيمان، وهو توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
13. من أركان الإيمان الرضا محبَّةً واتِّباعًا واقتداءً واهتداءً بالنبيِّ ﷺ.
14. من أركان الإيمان الرضا بالإسلام دينًا، ونبذ كل ما يخالف دين الإسلام.
الفوائد اللغوية15. طعم الإيمان: فيه استعارة مَكنيَّة؛ حيث شبَّه الإيمان بشيء محسوس يُتذوَّق ويُلتذُّ به، وحذف المشبَّه به، وأتى بشيء من لوازمه.
16. «ذاق طعمَ الإيمان»: هذه الجملة تمثِّل بجَلاءٍ براعة الاستهلال (براعة الْمَطلَع) وحُسْن الابتداء.
17. (مَن) في الحديث يجوز أن تكون موصولةً، ويجوز أن تكون شرطيةً، وجواب الشرط محذوفٌ، دلَّ عليه جملة (ذاق طعم الإيمان).