عن زيدِ بنِ ثابتٍ، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «نضَّر اللهُ امرأً سَمِعَ منَّا حديثًا، فحفِظَه حتى يُبلِّغَه؛ فرُبَّ حاملِ فِقهٍ إلى مَن هو أفقهُ منه،ورُبَّ حاملِ فِقهٍ ليس بفقيهٍ».

عناصر الشرح

غريب الحديث:

نضَّر الله: أصلُ النضارة: حُسنُ الوجه والبريق فيه، والمعنى: نعَّم الله وجمَّل وحسَّن[1].

المراجع

  1. قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (5/ 71): "نَضَرَهُ ونَضَّرَهُ وأَنْضَرَهُ؛ أي: نعَّمه. ويُرْوى بالتخفيف والتشديد من النضارة، وهي في الأصل: حُسن الوجه، والبريقُ، وإنما أراد حُسن خُلقه وقدره".


المعنى الإجماليُّ للحديث:

يروي زيدُ بنُ ثابتٍ، أنه سمع رسولَ الله ﷺ يقول: «نضَّر اللهُ امرأً سَمِعَ منَّا حديثًا، فحفِظَه حتى يُبلِّغَه»؛ أي: جعله الله ذا نضارة وجمال وحُسن؛ لحرصه على حفظ حديثه ﷺ وتبليغه للناس. «فرُبَّ حاملِ فِقهٍ إلى مَن هو أفقهُ منه، ورُبَّ حاملِ فِقهٍ ليس بفقيهٍ»؛ أي: فربما كان حافظُ الحديث ليس بفقيهٍ، وربما يوصِله إلى من هو أفقهُ منه، لذا؛ بحرص حفَّاظ الحديث على التبليغ والأداء، سيصل الحديث حتمًا إلى الأفقه القادر على استنباط المعاني والأحكام.

الشرح المفصَّل للحديث:

إن أقوال رسول الله ﷺ وأفعاله هي وحيٌ من الله - عزَّ وجلَّ - أوْحاه الله إليه؛ ليهتديَ به البشرُ، فتستقيمَ لهم حياتهم وأُخراهم، وقد حثَّ النبيُّ ﷺ أصحابَه ومَن بعدَهم على الحفظ والبلاغ عنه ﷺ؛ لينتشر دين الله عزَّ وجلَّ، وليبقى الخير في الناس إلى يوم الدين، ووعَد مَن يفعل ذلك حُسنَ الجزاء في الدارينِ.

وفي هذا الحديث يدعو رسول الله ﷺ أمَّتَه إلى نشر العلم عنه، ويُرغِّبهم في ذلك، فيقول ﷺ: «نضَّر اللهُ امرأً سَمعَ منا حديثًا، فحفِظه حتى يُبلِّغَه»، والتعبير هنا جاء عن طريق الدعاء بصيغة الماضي، "والذي يُشعرُ بتأكيد وقوع الطلب وتحقُّقه، كما لو كان قد حصل المطلوب فِعلًا عند الدعاء، وذلك أدْعى لدقَّة التبليغ، والحرص عليه"[1]، وقيل: قوله ﷺ: «نضَّر اللهُ امرأً» هو إخبارٌ وليس دعاءً، يعني: جعله اللهُ ذا نَضْرةٍ[2]، وجاء قوله ﷺ: «امرأً» بصيغة النكرة؛ ليفيدَ العموم، والمعنى: كساه الله الحُسنَ والجمالَ والبهاءَ ورِفعةَ القَدْر، وخصَّ بها كلَّ إنسان، سواءٌ أكان من الصحابة، أو من بعدهم عبر الزمان، وسواءٌ أكان من الرجال أو النساء، يَسمعُ منه ﷺ  أو ممَّن يَرْوي عن النبي ﷺ حديثًا ويحفظُه ويُبلِّغه كما سَمِعه.

وقوله ﷺ: «فحفِظه حتى يُبلِّغَه»، الحفظ هو الاستيعابُ بالعقل والقلب، وقد يكون بالكتابة، وكلاهما يَشمَله الحديثُ[3]، وفي رواية عن عبد الله بن مسعود: «فبلَّغه كما سَمِعَ»[4]، وفيه إشارةٌ لإتقان السماع والحفظ، والأمانة في النقل، "ولا يضرُّ في ذلك الرواية بالمعنى، وذلك للعارف بمؤدَّى الألفاظ والمراد بها، ويُحتمَل أن تختصَّ الدعوةُ بمَن أدَّى باللفظ؛ لِما فيه من مزيد الاعتناء والتوجُّه، حتى حفظ لفظه واستحضره"[5]، وقد توعَّد النبيُّ ﷺ مَن زاد في كلامه ﷺ ما ليس فيه، أو انتقص منه ما هو فيه، عامدًا متعمدًا - سوءَ العاقبة من الله عزَّ وجلَّ؛ فعن أبي هريرةَ

عن النبيِّ ﷺ قال:

«مَن كذَب عليَّ متعمِّدًا، فليتبوَّأْ مقعدَه من النار»[6]. 

وقوله: «فرُبَّ حاملِ فِقهٍ إلى مَن هو أفقهُ منه، ورُبَّ حاملِ فِقهٍ ليس بفقيهٍ»، كلمة (رُبَّ) تُستعمل للتقليل والتكثير، والمعنى: أن كثيرًا - أو قليلًا - ما يكون الراوي حاملُ العلم فَقيهًا، يعني: عالِمًا فاهمًا، فيحفظه ويُبلِّغُه إلى من هو أكثرُ فِقهًا منه، فيستنبط منه المعانيَ والأحكام، ويولِّد منه من العلوم والأسرار، ما لا يَفهمه ولا يستطيعه الحامل المبلِّغُ، أو أدَّاه وبلَّغه إلى مَن يَصير أفقهَ منه. وأحيانًا - قلَّ ذلك أو كثُر - ما يكون الناقل للخبر ليس عالِمًا أو فقيهًا؛ ولكنه قادرٌ على الحفظ والنقل، فيحفظ، وينقُل العلم إلى غيره من العلماء والفقهاء ممن منَحَهم الله القدرةَ على الفَهْم والاستنباط، فالفقهُ ليس شرطًا في راوي الحديث؛ وإنما شرطه الحفظُ وسلامةُ النقل، وعلى الفقيه التفهُّم والتدبُّر[7].

وقوله ﷺ: «فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه»، تنبيهٌ على فائدة التبليغ، وأن المبلَّغ قد يكون أفهمَ من المبلِّغ، فيحصُل له في تلك المقالة ما لم يحصُل للمبلِّغ، أو يكون المعنى: أن المبلَّغ قد يكون أفقهَ من المبلِّغ، فإذا سَمع تلك المقالةَ حمَلها على أحسن وجوهها، واستنبط فِقهها، وعلِم المراد منها[8].

ولا يقلِّل قوله ﷺ: «فرُبَّ حاملِ فِقه إلى مَن هو أفقهُ منه» مِن قَدْر الناقل ومكانته؛ فقد يكون في التابعين مَن يمتاز على بعض الصحابة، بكونه أفقهَ منه، وأفهمَ منه فيما بلَّغه له عنه ﷺ، وكذا فيمَن بعدهم، ولا بِدَع في ذلك؛ فإنه قد يكون في المفضول مزايا لا تكون في الفاضل، ولا شكَّ أن مَن جمعَ بين الحفظ والبلاغ والفقه قد حاز الفضلَ كلَّه، وهذا عطاءُ الله عزَّ وجلَّ، وفضلٌ يمنحه مَن يشاء

كما قال ﷺ:

«مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ»[9].

المراجع

  1. "كنوز رياض الصالحين"، مجموعة باحثين برئاسة: حمد بن ناصر العمار (16/ 496).
  2. انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 306).
  3. انظر: "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" للمباركفوي (7/ 347).
  4. رواه الترمذيُّ (2657).
  5. "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لمحمد بن علان الصديقي (7/ 182).
  6. رواه البخاريُّ (1291)، ومسلم (3).
  7. انظر: "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" للمباركفوي (7/ 348).
  8. "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 72).
  9. رواه البخاريُّ (71)، ومسلم (1037).


النقول:

قال ابن الأثير رحمه الله: "نَضَرَهُ ونَضَّرَهُ وأَنْضَرَهُ؛ أي: نعَّمه. ويُرْوى بالتخفيف والتشديد من النضارة، وهي في الأصل: حُسن الوجه، والبريقُ، وإنما أراد حُسن خُلقه وقَدْره"[1]

قال الطِّيبيُّ رحمه الله: "وإنما خصَّ حافِظَ سُنَّته ومبلِّغها بهذا الدعاء؛ لأنه سعى في نضارة العلم، وتجديد السُّنَّة، فجازاه في دعائه له بما يُناسب حاله في المعاملة"[2].

قال الخطَّابيُّ رحمه الله: "قال الشيخ: قوله: «نضَّر الله» معناه: الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة. يقال: بتخفيف الضاد وتثقيلها، وأجودُهما التخفيف. وفي قوله: «رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» دليلٌ على كراهة اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي في الفقه؛ لأنه إذا فعل ذلك، فقد قطع طريق الاستنباط والاستدلال لمعاني الكلام من طريق التفهُّم، وفي ضمنه وجوب التفقُّه والحثِّ على استنباط معاني الحديث، واستخراج المكنون من سرِّه"[3].

قال ابن تيمية رحمه الله: "وفي هذا دعاءٌ منه لمن بلَّغ حديثه وإن لم يكن فقيهًا، ودعاء لمن بلَّغه وإن كان المستمع أفقهَ من المبلِّغ؛ لِما أُعطي المبلِّغون من النُّضرة؛ ولهذا قال سفيانُ بنُ عُيينةَ: لا تجد أحدًا من أهل الحديث إلّا وفي وجهه نَضرة؛ لدعوة النّبيِّ ﷺ. يقال: نَضَر ونَضُر، والفتح أفصح. ولم يزل أهل العلم في القديم والحديث يعظِّمون نَقَلة الحديث حتّى قال الشّافعيُّ رضي اللّه عنه: إذا رأيتُ رجلًا من أهل الحديث فكأنّي رأيتُ رجلًا من أصحاب النّبيِّ ﷺ وإنّما قال الشّافعيُّ هذا؛ لأنّهم في مقام الصّحابة من تبليغ حديث النّبيِّ ﷺ. وقال الشّافعيُّ أيضًا: أهل الحديث حفظوا؛ فلهم علينا الفضل؛ لأنّهم حفظوا لنا"[4].

قال ابن القيم رحمه الله: "الْمرتبَة الرَّابِعَة تبليغه وبثُّه فِي الأمَّة ليحصل بِهِ ثَمَرَته ومقصوده، وَهُوَ بثُّه فِي الأمَّة، فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَنْز المدفون فِي الأرض الَّذِي لَا يُنْفَق مِنْهُ، وَهُوَ معرَّض لذَهابه؛ فَإِن الْعلم مَا لم يُنْفَق مِنْهُ وَيُعلَّم، فَإِنَّهُ يُوشك أن يَذهَب، فَإِذا أُنفِق مِنْهُ، نما وزكا على الإنفاق... فَإِن النَّضْرة هِيَ الْبَهْجَة وَالْحُسن الَّذِي يُكساه الْوَجْهُ من آثَار الإيمان، وابتهاج الْبَاطِن بِهِ، وَفَرح الْقلب وسروره والتذاذه بِهِ، فتظهر هَذِه الْبَهْجَة وَالسُّرُور والفرحة نَضَارةً على الْوَجْه؛ وَلِهَذَا يجمع لَهُ سُبْحَانَهُ بَين الْبَهْجَة وَالسُّرُور والنضرة

كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:

{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} 

[الإنسان: ١١]

فالنضرةُ فِي وُجُوههم، وَالسُّرُور فِي قُلُوبهم؛ فالنعيم وَطيب الْقلب يَظْهَر نضارةً فِي الْوَجْه

كَمَا قَالَ تَعَالَى:

{تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ}

 [المطففين: ٢٤]

والمقصود أن هذه النَّضرةَ في وجه من سَمِع سنَّة رسول الله، ووعاها، وحفظها، وبلَّغها؛ فهي أثر تلك الحلاوة والبهجة والسُّرور الّذي في قلبه وباطنه. وقوله: «ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» تنبيه على فائدة التّبليغ، وأن المبلَّغ قد يكون أفهمَ من المبلِّغ، فيحصل له في تلك المقالة ما لم يحصل للمبلِّغ، أو يكون المعنى أن المبلَّغ قد يكون أفقهَ من المبلِّغ، فإذا سمع تلك المقالة، حملها على أحسن وجوهها، واستنبط فِقهها، وعَلِم المراد منها"[5].

قال القسطلانيُّ رحمه الله: "والنضرة: الحُسن والرَّونق، والمعنى: خصَّه الله تعالى بالبهجة والسرور؛ لأنه سعى في نضارة العلم، وتجديد السُّنَّة، فجازاه في دعائه له بما يناسب حاله في المعاملة. وأيضًا فإن من حفظ ما سَمِعه وأدَّاه كما سمعه من غير تغيير، كأنه جعل المعنى غضًّا طريًّا، وخصَّ الفقه بالذكر دون العلم؛ إيذانًا بأنَّ الحامل غيرُ عارٍ عن العلم؛ إذ الفقهُ علم بدقائق العلوم المستنبَطة من الأقيسة، ولو قال: (غير عالم)، لَزِم جَهْله. وقوله: «ربّ» وُضِعت للتقليل، فاستُعيرت في الحديث للتكثير. وقوله: «إلى من هو أفقه منه» صفة لدخول (رُبَّ) استُغني بها عن جوابها؛ أي: رُبَّ حامل فقه أدَّاه إلى من هو أفقهُ منه لا يَفقَه ما يَفقَهه المحمول إليه[6].

قال الملا علي القاري رحمه الله: "«نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا»: قال التُّورِبِشْتِيُّ: النَّضرة: الحُسن والرَّونق، يتعدَّى ولا يتعدَّى، ورُوي مخفَّفًا ومثقَّلًا.اهـ. وقال النّوويُّ: التّشديد أكثر، وقال الأبهريُّ: روى أبو عبيدة بالتّخفيف، وقال: هو لازم ومتعدٍّ، ورواه الأصمعيُّ بالتّشديد، وقال: المخفَّف لازمٌ والتّشديد للتَّعدية، وعلى الأوَّل للتّكثير والمبالغة. اهـ. والمعنى: خصَّه اللّه بالبهجة والسّرور لِما رُزق بعلمه ومعرفته من القدر والمنزلة بين النّاس في الدّنيا ونعمه في الآخرة، حتّى يرى عليه رَونق الرَّخاء والنِّعمة، ثمّ قيل: إنّه إخبار؛ يعني: جعله ذا نضرة، وقيل: دعاء له بالنّضرة، وهي البهجة والبهاء في الوجه من أثر النّعمة، وقيل: المراد هنا النَّضرة من حيث الجاهُ والقَدْر، كما جاء: اطلبوا الحوائج من حِسان الوجوه؛ أي: ذَوي الأقدار من النّاس؛ لأنّه جدَّد بحفظه ونقله طراوة الدّين، فجازاه في دعائه بما يُناسب عمله. قلت: لا مَنْعَ من الجميع، والإخبار أولى من الدّعاء، واللّه أعلم. قيل: وقد استجاب اللّه دعاءه؛ فلذلك تجد أهل الحديث أحسنَ النّاس وجهًا وأجملهم هيئةً. ورُوي عن سفيانَ بنِ عُيينةَ أنّه قال: ما من أحد يطلب الحديث إلّا وفي وجهه نضرة؛ أي: بهجة صوريّة أو معنويّة. «سمع مقالتي»؛ أي: حديثي. «فحفظها»؛ أي: بالقلب أو بالكتابة، وأَغرَب ابن حجر حيث قال: فحفظها بلسانه. «ووعاها»؛ أي: دام على حفظها ولم يَنسَها. قيل: بالتَّكرار والتِّذكار إذا حفظها لئلّا ينسى، وقيل: بالرّواية والتّبليغ، فيكون عطفًا. «وأدّاها»: عليه تفسيريًّا؛ أي: أوصلها إلى النّاس وعلمها، وفيه إشارة إلى الفُسحة في الأداء، حيث لم يوجبه معجَّلًا، وأغرب ابن الملك فقال: معنى حفظها؛ أي: عمل بموجبها؛ فإنّ الحفظ قد يُستعار للعمل

قال تعالى:

{وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}

[التوبة: 112]

أي: العاملون بفرائضه. اهـ. وفي المصابيح: «وأدّاها كما سمعها». وفي الأربعين: «سمع مقالتي فوعاها فأدَّاها كما سمعها»؛ أي: غضًّا طريًّا من غير تحريف وتغيير من زيادة ونقصان، أو من غير تغيير للفظها ولا معناها، فيكون تنبيهًا على الوجه الأكمل، فلا ينافي جواز الرّواية بالمعنى على ما عليه الجمهور، مع أنّ التّشبيه يلائم هذا المعنى؛ لأنّ المثليّة تارةً تكون بحسب اللّفظ والمعنى، والمدار على المعاني الأصليّة دون المحسِّنات اللّفظيّة، لا سيَّما عند الضّرورة حيث نَسِي اللّفظ بخصوصه وتذكَّر المعنى بعمومه، فلو لم يعبِّر عنه بلفظ آخر، فات المقصود الأصليُّ؛ لأنّ ما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَك كلُّه، ومحلُّ بسط هذه المسائل علم أصول الحديث. «فربَّ»: استُعيرت للتّكثير، وقيل: استعماله فيه حقيقة أيضًا. «حامل فقه»؛ أي: علم. «غير فقيه»: بالجرّ صفة حامل، وقيل: بالرّفع، فتقديره هو غيرُ فقيه، يعني: لكن يحصل له الثّواب لنفعه بالنّقل. «وربّ حامل فقه»: قد يكون فقيهًا ولا يكون أفقهَ، فيحفظه ويبلّغه «إلى من هو أفقه منه»: فيستنبط منه ما لا يفهمه الحامل، أو إلى من يصير أفقه منه إشارةً إلى فائدة النّقل والدّاعي إليه"[7].

قال السنديُّ رحمه الله: "قَوْلُهُ: «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ» بمنزلة التّعليل؛ لِما يُفهَم من الحديث أنّ التّبليغ مطلوب، والمراد بحامل الفقه حافظُ الأدلَّة الّتي يُستنبَط منها الفقه. «غير فقيه»؛ أي: غير قادر على استنباط الفقه من تلك الأدلّة. «إلى من هو أفقه»؛ أي: هو فقيه أيضًا؛ لكنّه يَحمِل الفقه إلى أفقهَ منه، بأن كان الّذي يسمع منه أفقهَ منه وأقدر على استنباطه[8].

قال ابن القيم رحمه الله: "وقوله ﷺ: «فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه»، تنبيهٌ على فائدة التبليغ، وأن المبلَّغ قد يكون أفهمَ من المبلِّغ، فيحصُل له في تلك المقالة ما لم يحصُل للمبلِّغ، أو يكون المعنى: أن المبلَّغ قد يكون أفقهَ من المبلِّغ، فإذا سَمع تلك المقالةَ حمَلها على أحسن وجوهها، واستنبط فِقهها وعلِم المراد منها"[9].

المراجع

  1. "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (5/ 71).
  2. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 683).
  3. "معالم السنن" للخطابيِّ (4/ 187).
  4. "مجموع الفتاوى" (1/ 11).
  5. "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 72).
  6. "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" للقسطلانيِّ (1/ 4).
  7. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (1/ 306).
  8. "حاشية السِّنديِّ على سنن ابن ماجه" (1/ 102).
  9. "مفتاح دار السعادة" ابن القيم (1/ 72).


مشاريع الأحاديث الكلية