عن زيدِ بنِ ثابتٍ، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «نضَّر اللهُ امرأً سَمِعَ منَّا حديثًا، فحفِظَه حتى يُبلِّغَه؛ فرُبَّ حاملِ فِقهٍ إلى مَن هو أفقهُ منه،ورُبَّ حاملِ فِقهٍ ليس بفقيهٍ».
عن زيدِ بنِ ثابتٍ، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «نضَّر اللهُ امرأً سَمِعَ منَّا حديثًا، فحفِظَه حتى يُبلِّغَه؛ فرُبَّ حاملِ فِقهٍ إلى مَن هو أفقهُ منه،ورُبَّ حاملِ فِقهٍ ليس بفقيهٍ».
1. الحديث حثٌّ للمسلمين على حفظ حديث النبيِّ ﷺ وتبليغه؛ لينتشر دين الله عزَّ وجلَّ، ويصل إلى كل الناس، ووعدُ مَن يفعل ذلك حُسنَ الجزاء في الدارينِ.
2. حفظ الحديث إما حفظ صدر بالعقل والقلب، وإما حفظٌ بالكتابة.
3. في رواية الترمذيِّ عن ابن مسعود: «فبلَّغه كما سَمِعَ»[1]، وفيه إشارةٌ لإتقان السماع والحفظ، والأمانة في النقل.
4. عن أبي هريرةَ
عن النبيِّ ﷺ قال:
«مَن كذَب عليَّ متعمِّدًا، فليتبوَّأْ مقعدَه من النار»[2].
توعَّد النبيُّ ﷺ مَن كذب عليه بزيادة في كلامه أو نقصان منه، عامدًا متعمدًا، بسوء العاقبة من الله تعالى.
5. في الحديث إشارةٌ إلى أنه لا يُشترَط الفقه في راوي الحديث؛ وإنما شرطه الحفظُ وسلامةُ النقل، لذا؛ ربما كان الناقل للخبر ليس عالِمًا أو فقيهًا؛ ولكنه قادرٌ على الحفظ والنقل، فيَحفَظ، وينقُل العلم إلى غيره من العلماء والفقهاء ممن منَحَهم الله القدرةَ على الفَهْم والاستنباط.
6. قد يكون في المفضول مزايا لا تكون في الفاضل، لذا؛ ليس في قوله ﷺ: «فرُبَّ حاملِ فِقه إلى مَن هو أفقهُ منه» تقليلٌ مِن قَدْر الناقل ومكانته؛ إذ قد يكون في التابعين مَن يمتاز على بعض الصحابة، بكونه أفقهَ منه، وأفهمَ منه فيما بلَّغه له عنه ﷺ، وكذا فيمَن بعدهم. قال الشّافعيُّ: أهل الحديث حَفِظوا؛ فلهم علينا الفضل؛ لأنّهم حفظوا لنا[3].
7. في الحديث بيانُ أن مَن جَمَع بين الحفظ والبلاغ والفِقه قد حاز الفضلَ كلَّه، وهذا فضل الله يؤتيه مَن يشاء
كما قال ﷺ:
«مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ»[4].
8. في قوله ﷺ: «رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» إشارة إلى وجوب التفقُّه، والحثِّ على استنباط معاني الحديث، واستخراج المكنون من سرِّه[5].
9. لم يَزَلْ أهل العلم في القديم والحديث يعظِّمون نَقَلة الحديث، حتّى قال الشّافعيُّ رحمه الله: إذا رأيتُ رجلًا من أهل الحديث فكأنّي رأيتُ رجلًا من أصحاب النّبيِّ ﷺ. وإنّما قال الشّافعيُّ هذا؛ لأنّهم في مقام الصّحابة من تبليغ حديث النّبيِّ ﷺ [6].
10. في الحديث إشارة إلى أن الجزاء من جنس العمل؛ فقد خصَّه الله تعالى بالبهجة والسرور؛ لأنه سعى في نضارة العلم، وتجديد السُّنَّة، فجازاه في دعائه له بما يناسب حاله في المعاملة، ومن حفظ ما سَمِعه وأدَّاه كما سمعه من غير تغيير، كأنه جعل المعنى غضًّا طريًّا[7].
11. في الحديث ذكر الفقه دون العلم؛ إيذانًا بأنَّ الحامل غيرُ عارٍ عن العلم؛ إذ الفقهُ علم بدقائق العلوم المستنبَطة من الأقيسة، ولو قال: (غير عالم)، لَزِم جَهْلُه[8].
12.
قوله ﷺ:
«سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا»
أَيْ: غضًّا طريًّا من غير تحريف وتغيير من زيادة ونقصان، أو من غير تغيير للفظها ولا معناها، فيكون تنبيهًا على الوجه الأكمل، فلا ينافي جواز الرّواية بالمعنى على ما عليه الجمهور[9].
13. في الحديث حثٌّ على تعلُّم الحديث، وروايته، والتفقُّه فيه، وضرورة ضبط الرواية عن رسول الله ﷺ والاحتياط فيها، ونقلها وإن لم يفقه الناقلُ كلَّ معانيها.
14. في الحديث إشارة إلى ضرورة نشر العلم، حتى ولو تعسَّرتْ على الناشر مسألة منه، أو صعُب عليه فَهم معنى كلمة أو جملة من الحديث.
15. في الحديث بيانُ فَضل الْمُحدِّثين الذين اهتمُّوا برواية أحاديث النبيِّ ﷺ، وجَمعها.
16. في الحديث الدعاءُ للمتعلِّم، وطالب العلم بما يَسُرُّه، ويُرضيه، ويُحفِّزه للفعل.
17. في الحديث بيانُ أن التلميذ قد يَفوقُ شيخَه، وأنَّ الشيخَ لا يعني بالضرورة أن يكون أعلى من تلميذه.
الفوائد اللغوية18. قوله ﷺ: «نضَّر اللهُ امرأً» دعاء بصيغة الماضي، يُشعرُ بتأكيد وقوع الطلب وتحقُّقه، كما لو كان قد حصل المطلوب فِعلًا عند الدعاء، وذلك أدْعى لدقَّة التبليغ، والحرص عليه[1].
19. «نضَّر الله» معناه: الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة. يقال بتخفيف الضاد وتثقيلها، وأجودُهما التخفيف، ويُقَالُ: نَضَرَ وَنَضُرَ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ.
20. قيل: قوله ﷺ: «نضَّر اللهُ امرأً» هو إخبارٌ وليس دعاءً، يعني: أن الله قد جعله ذا نَضْرةٍ[2].
21. جاء قوله ﷺ: «امرأً» بصيغة النَّكِرة؛ ليُفيدَ العموم، والمعنى: كساه الله الحُسنَ والجمالَ والبهاءَ ورِفعةَ القَدْر، وخصَّ بها كلَّ إنسان، سواءٌ أكان من الصحابة، أو مَن بعدَهم عبر الزمان، وسواءٌ أكان من الرجال أو النساء، يَسمعُ منه ﷺ أو ممَّن يَرْوي عن النبيِّ ﷺ حديثًا ويحفظُه ويُبلِّغه كما سَمِعه.
22. (رُبَّ) حرف جرٍّ شبيه بالزائد؛ بمعنى أنها ليس له متعلَّق، ولها معنى التقليل أو التكثير، وتدخل على النكرة، وتعمل بالجرِّ في لفظ المجرور دون محلِّه، حتى لو حُذفت (ربَّ)؛ مثل: (وليلٍ كمَوْجِ البحر أرخى سُدوله...).