عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنهمَا، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» 

فوائد الحديث

الفوائد العلمية
  1. هذا الحديث الجليلُ أصلٌ عظيم في باب الفرائض، وقِسْمة المواريث، ومن جوامع كَلِم النبيِّ .

  2. علم الفرائض من أهمِّ العلوم الشرعية التي تمسُّ حياة الناس، وهم في أشدِّ الحاجة إليه.

  3. من رحمة الله تعالى بعباده أن أبان للناس مسائل علم الفرائض، ووضع قواعدَ واضحةً منصوص عليها في الكتاب والسنَّة.

  4. قسمة الميراث قسمة إلهية لا دخل للعباد فيها، تولَّاها الله تعالى بعدله ورحمته وحكمته، وتدخُّل العباد في هذه القسمة الإلهية سيُدخل فيها الظُّلم والفوضى، وعدم تحقُّق العدالة والتوازن بين الورثة.

الفوائد الفقهية

5. في الحديث يَأمُر النبيُّ  القائمين على توزيع الميراث أن يبدؤوا بأصحاب الفروض التي ذكرها ربُّ العزَّة عزَّ وجلَّ في كتابه، وما بَقِيَ يكون من حقِّ أقربِ الرجال إلى الميِّت، وهو العَصَبة.

6. الْعَصَبَة: كلُّ ذَكَر بينه وبين الميِّت نَسَبٌ، يحوزُ المال إذا انفرد، ويَرِث ما فَضَل إن لم ينفرِد؛ كالأخ والعمِّ؛ فإن كلَّ واحدٍ منهما يحوز المال إذا انفرد، وإن كان مع ذَوي سِهامٍ، أخذ ما فَضَل [1]. فمتى انفَرد العَصَبَةُ أَخَذَ جميعَ المال، ومتى كان العصبة مع أصحاب فروض استغرقت التركة، فلا شيء له، وإن لم يستغرقوا كان له الباقي بعد فروضهم.

7. أسباب الإرث ثلاثة، هي: القَرابة، والنِّكاح، والولاء.

8. الولاءُ: هو صِلةٌ تربطُ الشخصَ بغيرِهِ فتجعله في بعض الأحكام كأقاربه وهو ليس من أقاربه، والمقصود به في المواريث أن من أعتق عبدًا، فإنه يَثْبُتُ له الولاءُ، فيرث الْمُعتِقُ الْمُعتَقَ، إذا لم يكنْ للعبدِ المعتَقِ أقاربُ من جهة النسب.

9. الفرائض: جمع فريضة، وأصلُ الفرض: القَطْع، ويَعني بها: الفرائضَ الواقعة في كتاب الله تعالى، وهي ستَّة: النِّصف، والرُّبع، والثُّمن، والثُّلثان، والثُّلث، والسُّدس.

10. الوارثون بالفرض أو التعصيب من الذكور عشَرةٌ، هم: الابنُ، وابنُ الابن وإن سَفَل بمَحْضِ الذُّكورة، والأبُ، والجَدُّ أبو الأب وإن علا بمحض الذكورة، والأخ مُطلَقًا (الشقيق أو لأب أو لأم)، وابن الأخ الشقيق أو لأب وإن سَفَل بمحض الذكورة، والعمُّ الشقيق أو لأب وإن علا (كعمِّ الأب، أو عمِّ الجَدِّ)، وابنُ العمِّ الشقيق أو لأب وإن سَفَل بمحض الذكورة، والزوج، والْمُعتِق ذو الوَلاء.

11. الوارثات بالفرض أو التعصيب من النساء سبعٌ، وهنَّ : البنتُ، وبنتُ الابن وإن سَفَل الابنُ بمحض الذكورة (مثل : بنت ابن الابن، وبنت ابن ابن الابن مهما نزل الابن)، والأمُّ، والجَدَّة لأمٍّ وإن علت (أي: أمُّ الأمِّ، وأمُّ أمِّ الأمِّ، وأمُّ أمِّ أمِّ الأمِّ مهما علت الأمُّ) أو الجَدَّة لأب (أي: أم الأب، وأم أب الأب، وأم أب أب الأب مهما علا الأب)، وإن عَلَت ما لم تُدْلِ إلى الميتِ بجدٍّ فاسدٍ (كأم أبي الأم؛ فالجَدُّ الفاسد هو أبو الأمِّ؛ فهو من ذَوي الأرحام ليس له فرضٌ)، والأخُت مطلَقًا (الشقيقة أو لأب أو لأمٍّ)، والزوجة، والمعْتِقَة.

12. النصف فرضُ خمسةٍ: ابنةُ الصُّلب، وابنةُ الابنِ، والأختُ الشَّقيقةُ، والأختُ للأبِ، والزَّوْجُ، وكلُّ ذلك إذا انفردوا عمَّن يَحجُبُهم عنه.

13. الرُّبع: فرضُ الزَّوج مع الحاجب، وفرضُ الزوجة، أو الزوجات مع عَدَم الحاجب.

14. الثُّمن: فرضُ الزوجة، أو الزوجات مع الحاجب.

15. الثُّلثان فرضُ أربعة: الاثنتان فصاعدًا من بنات الصُّلب، أو بناتُ الابن، أو الأخواتُ الأشقَّاءِ، أو الأخواتُ لأب. وكلُّ هؤلاء إذا انفردْنَ عمَّن يَحجُبهنَّ عنه.

16. الثُّلث فرض صِنفين: الأول: الأُمُّ مع عدم الولدِ، ووَلَدِ الابن، وعَدَمِ الاثنين فصاعدًا من الإخوة والأخوات، والثاني: فرضُ الاثنين فصاعدًا من وَلَدِ الأُمِّ، وهذا هو ثُلث كلِّ المال، فأمَّا ثُلث ما يبقى، فذلك للأُمِّ في مسألة: زوجٌ أو زوجةٌ وأبَوَانِ، فللأمِّ فيها ثلثُ ما يَبقى، وفي مسائل الجَدِّ مع الإخوة إذا كان معهم ذو سَهْمٍ، وكان ثُلث ما يبقى أحظى له.

17. السُّدس فرضُ سبعة: فرض كلِّ واحد من الأبوينِ والجَدِّ مع الولد وولدِ الابن، وفرضُ الجَدَّة والجَدَّات إذا اجتمعْنَ، وفرضُ بنات الابن مع بِنْتِ الصُّلب، وفرضُ الأخوات للأب مع الأخت الشقيقة، وفرضُ الواحد من وَلَدِ الأمِّ، ذكرًا كان أو أنثى.

18. الفروض الستة كلُّها مأخوذةٌ من كتاب الله تعالى، إلا فرضَ الجَدَّات؛ فإنَّه مأخوذ من السُّنَّة [2].

19. قوله: «رَجُل ذَكَر»: وَصَفَ الرجلَ بأنه ذَكَر؛ تنبيهًا على سبب استحقاقه، وهو الذُّكورة التي هي سببُ العُصوبة، وسبب الترجيح في الإرث؛ ولهذا جَعَل للذَّكَر مثلَ حظِّ الأُنْثَيين [3].

20. حِكْمَة جَعْلِ للذَّكَر مثلَ حظِّ الأُنْثَيين: أن الرجال تَلْحَقُهم مُؤَنٌ كثيرةٌ، بالقيام بالعِيال، والضِّيفَان، والقاصدين، ومواساة السائلين، وتحمُّل الغرامات، وغيرِ ذلك [4].

21. هذا الحديثُ في توريث العَصَبات، وقد أجمع المسلمون على أن ما بَقِيَ بعد الفروض فهو للعَصَبات، يقدَّم الأقربُ فالأقربُ، فلا يَرِثُ عاصب بَعِيدٌ مع وجود قريب [5].

22. إذا تَرَكَ الميِّت بنتًا وأخًا وعمًّا، فللبنت النصفُ فرضًا، والباقي للأخ، ولا شيء للعمِّ [6]. 

23. كرَّر البيان في نَعْتِ الرجل بالذُّكورة؛ ليُعلَم أنَّ العَصَبة إذا كان عَمًّا أو ابنَ عمٍّ أو مَن كان في مَعناهُما، فكان معه أختٌ له، أنَّ الأخت لا تَرثُ شيئًا، ولا يكون باقي المال بينهما للذَّكر مِثلُ حَظِّ الأُنْثيَيْنِ، كما يكون ذَلِك فِيمَن يرِث بالولادة كالأبناء [7].

24. العَصَبة ثلاثة أقسام: عَصَبة بنفسه، وعصبة بغيره، وعصبة مع غيره. وإذا أُطلِق العَصَبة، فالمراد به العَصَبة بنفسه. 

25. العصبة بنفسه هو كلُّ ذكر يُدلي بنفسه بالقرابة ليس بينه وبين الميِّت أنثى؛ كالابن وابنه، والأخ وابنه، والعمِّ وابنه، وعمِّ الأب والَجدِّ وابنهما، ونحوهم، وقد يكون الأبُ والجَدُّ عَصَبةً، وقد يكون لهما فرض، فمتى كان للميّت ابن أو ابن ابن، لم يرث الأبُ إلّا السُّدس فرضًا، ومتى لم يكن ولد ولا ولد ابن، وَرِث بالتَّعصيب فقط، ومتى كانت بنت أو بنت ابن أو بنتان أو بنتا ابن، أخذ البنات فرضهنَّ، وللأب من الباقي السُّدس فرضًا، والباقي بالتّعصيب [8].

26. العَصَبة بغيره، وهو البناتُ بالبَنِين، وبناتُ الابنِ ببَني الابن، والأخواتُ بالإخوة [9].

27. العَصَبة مع غيره، وهو الأخواتُ للأبوينِ أو للأب مع البنات وبناتِ الابن، فإذا تَرَك الميِّت بنتًا وأختًا لأبوين أو لأب، فللبنت النّصفُ فرضًا، والباقي للأخت بالتّعصيب، وإن خلَّف بنتًا وبنتَ ابن وأختًا لأبوين أو أختًا لأب، فللبنت النّصفُ، ولبنت الابن السُّدس، والباقي للأخت، وإن خلَّف بنتين وبنتَيِ ابن وأختًا لأبوين أو لأب، فللبنتين الثُّلثان، والباقي للأخت، ولا شيء لبنتَيِ الابن؛ لأنّه لم يبقَ شيء من فرض جنس البنات، وهو الثّلثان [10].

28. أقربُ العَصَبات البَنُون، ثم بنوهم، ثمّ الأبُ، ثمّ الجَدُّ، إن لم يكن أخ، والأخ إن لم يكن جَدٌّ، فإن كان جَدٌّ وأخ، ففيها خلاف مشهور، ثمّ بنو الإخوة، ثمّ بنوهم وإن سَفَلوا، ثمّ أعمام الأب ثمّ بنوهم وإن سفلوا، ثمّ أعمام الجَدِّ ثمّ بنوهم، ثمّ أعمام جَدِّ الأب ثمّ بنوهم، وهكذا [11].

29. من أدلى بأبوين من العَصَبة يُقدَّم على من يُدلي بأب، فيُقدَّم أخ من أبوين على أخ من أب، ويُقدَّم عمٌّ لأبوين على عمٍّ بأب، وكذا الباقي، ويُقدَّم الأخ من الأب على ابن الأخ من الأبوين؛ لأنّ جهة الأخوَّة أقوى وأقرب، ويُقدَّم ابن أخ لأب على عمٍّ لأبوين، ويُقدَّم عمٌّ لأب على ابن عمٍّ لأبوين، وكذا الباقي [12].

30. قسمة الترَّكِة لا تتمُّ إلا بعد إخراج الديون التي للناس على الميِّت، وإنفاذِ وصيَّته فيما لا يتجاوز ثُلث التركة.


المراجع

1.  "المعلم بفوائد مسلم" للمازِريِّ (2/ 335).

2. "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" للقرطبيِّ (4/ 564).

3. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 53)

4. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 53)

5. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 53)

6. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 53).

7. "أعلام الحديث شرح صحيح البخاريِّ" للخطَّابيِّ (4/ 2289)

8. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 54).

9.  "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 54).

10. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 54).

11. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 54).

12. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 54).



الفوائد الحديثية

31. هذا الحديث هو أوَّلُ الأحاديث الثمانية التي زادها الحافظ ابن رجب رحمه الله، فأكمل العدَّة خمسين حديثًا، على ما جَمَعه الإمام النوويُّ رحمه الله في الأحاديث الأربعين، التي عُرفت بـ(الأربعين النووية).

32. عبد الله بن عباس من الصحابة الْمُكْثِرين من رواية الحديث، روى (1696) حديثًا.

الفوائد اللغوية

33. المراد بـ (أَوْلى رجل): أقربُ رجل، مأخوذٌ من الْوَلْيِ بإسكان اللام، على وزن الرَّمْيِ، وهو القُرب، وليس المراد بـ(أَوْلى) هنا أحقَّ، بخلاف قولهم: الرجلُ أَوْلى بماله؛ لأنه لو حُمِل هنا على (أحقّ) لَخَلا عن الفائدة؛ لأنا لا ندري من هو الأحقُّ [1].


المراجع

1. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 53).


مشاريع الأحاديث الكلية