عنْ عمرَ رضي الله عنه، عنْ النّبيِّ ﷺ قال: «لو أنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ على اللهِ حقَّ توكُّلِه، لرُزِقْتُمْ كما تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدو خِماصًا، وتَرُوحُ بِطانًا»
عنْ عمرَ رضي الله عنه، عنْ النّبيِّ ﷺ قال: «لو أنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ على اللهِ حقَّ توكُّلِه، لرُزِقْتُمْ كما تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدو خِماصًا، وتَرُوحُ بِطانًا»
التوكُّل من العبادات القلبية، ويتحقَّق بالثقة بالله تعالى والاعتماد عليه مع الأخذ بالأسباب، وقد أخبر ﷺ أننا لو توكَّلنا على الله حقَّ التوكُّل لَرَزقنا كما يَرزق الطير؛
والطير تذهب في الصباح جائعةً فارغة البطن من الجوع، وتَرجع في آخر النهار شَبعانة ممتلئة البطن، فلو أنَّنا صدقنا في اعتمادنا وتوكُّلنا على الله تعالى لرزقنا كما يرزق الطير الذي لا حيلة له، ولكنَّ أكثرنا يعتمد على الغشِّ والكذب والخداع في المعاملات، أو يلجأ إلى التواكُل وطرح الأسباب، أو يعتمد على الأسباب اعتمادًا كُلِّيًّا بحيث يرى أنَّ موافقةَ الأسبابِ يفيد وقوع الرزق حتمًا [1].
وحقُّ التوكُّلِ أن يأخذَ الإنسانُ بالأسبابِ مع الثقةِ بالله تعالى في أنَّ الأمر كله بيده، لا أن يَدع الأسبابَ ويجلس مُنتظِرًا رزقَه، فهذا من التَّواكل المذموم لا التَّوكل المحمود؛ فالنبيُّ ﷺ لَبِس في معاركه الدروع، وحفر الخندق في الأحزاب، وخرج يوم الهجرة متخفِّيًا، واستخدم الدليلَ لطريق هجرته، واختبأ في الغار، وأعدَّ للمعاركِ خُطَطَها، وهو خيرُ من يتوكَّل على الله سبحانه. وقد أمر جل وعلا بالتوكل مع العزم والأخذ بالأسباب فقال:
{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
[آل عمران: 159].
إذا أَهَمَّ المسلمَ أمرُ الرزقِ، فلا عليه إلا أن يتوكَّلَ على اللهِ تعالى، ويرضى بما يقسمه له، ويُوقِنَ تمامَ اليقينِ أنَّ له ربًّا يُدَبِّر أمرَه، ثم يأخذَ بالأسبابِ بعد ذلك.
كثيرٌ من النَّاس يُكثِر من قول: "توكلتُ على الله" دون أن يكون متوكِّلًا حقًّا؛ فالتَّوَكُّلُ ليس قولًا باللسان، وإنما تسليمٌ للهِ تعالى ورِضًا بقَضائه، مع الإيمانِ به.
المتوكِّلُ على الله حقَّ التوكُّل مُوَفَّقُ القصد، محفوظٌ عن نَزَغات الشيطان ووساوسه،
قال تعالى:
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}
[النحل: 98-99].
قال تعالى:
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}
[النحل: 98-99].
فمن أراد أن يحفظه الله تعالى من الشيطان ويبعده عنه، فليُحسِن التوكل عليه سبحانه.
4. مَن سرَّه أن يحفظه الله في جميع أموره، وأن يكفيه ما أهمَّه من أمر الدنيا والآخرة، فلْيَلجأ إلى الله تعالى ويُفَوِّض الأمر إليه؛
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}
[الطلاق: 3]،
وقال رسول اللّه ﷺ:
«مَنْ قَالَ – يَعْنِي: إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ -: بِاسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ، وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ»
[2].
5. حقُّ التَّوَكُّل على اللهِ تعالى أن يرضى بما يفعلُ اللهُ به، وأن يثقَ به سبحانه، وأن يُسَلِّم الأمرَ له. قال بشرٌ الحافي -رحمه الله-: يقول أحدهم: توكَّلت على الله، يَكذِب على الله؛ لو توكَّل على الله رَضِيَ بما يفعل الله، وسُئل يَحيى بنُ معاذ-رحمه الله-: متى يكون الرجل متوِّكلًا؟ فقال: إذا رَضِي بالله وكيلًا [3].
6. عندما أراد اللهُ سبحانَه أن يُطعِم السيدة مريم رضي الله عنها وهي في مَخاضِ ولادتِها، أمرها أن تَهُزَّ جذع النخلة، فأيُّ قوةٍ من امرأةٍ تضعُ ولدَها تهزُّ النخلةَ حتى يسقط منها التمر! بل لو هزَّ رجلٌ قويٌّ جَلْدٌ النخلةَ ما أسقطت شيئًا منها، ولكنه سبحانه يحبُّ أن يأخذ العبدُ بالأسبابِ ويدع النتائج لله سبحانه.
7. لَقِي عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعةً من المتواكِلين الذين لا يأخذون بالأسباب من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكِّلون. قال: بل أنتم المتَّكِلون؛ إنّما المتوكِّل الَّذي يُلقي حبَّه في الأرض، ويتوكَّل على الله [4].
8. ينبغي على الداعية والمُرَبِّي أن يُكثر من استخدام الصُّوَر البلاغية وضربِ الأمثالِ التي تُوضِّح المعاني وتُقَوِّي الأفكار.
9. الْتَقى عبد الله بن سَلَام وسلمان رضي الله عنهما، فقال أحدهما لصاحبه: إن متَّ قبلي فالْقَني، فأخبِرْني ما لقِيتَ من ربك، وإن متُّ قبلك لَقِيتُك، فأخبرتُك. فقال أحدهما للآخر: أوَتَلقى الأمواتُ الأحياءَ؟ قال: نعم، أرواحهم تذهب في الجنة حيث شاءت. قال: فمات فلانٌ، فلقيه في المنام، فقال:
«توكَّل وأبشر، فلم أرَ مثل التوكل قطُّ، توكَّل وأبشِر، فلم أرَ مثل التوكل قط»
[5].
10. قال لقمان -رحمه الله- لابنه: «يا بني، الدنيا بحرٌ غَرِق فيه أناس كثير، فإن استطعت أن تكون سفينتك فيها الإيمان بالله، وحشوها العمل بطاعة الله عز وجل، وشِراعها التوكُّل على الله؛ لعلك تنجو» [6].
11. قال الشاعر:
تَوَكَّلْتُ في رِزقِي علَى اللهِ خالقِي = وَأَيْقَنْتُ أنَّ اللهَ لا شَكَّ رازِقي
وَمَا يَكُ مِنْ رزقِي فَلَيْسَ يَفُوتُني = وَلَوْ كَانَ فِي قَاعِ البِحارِ الغَوَامِقِ
سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بِفَضْلِهِ = ولو لم يكنْ مِنِّي اللِّسَانُ بنَاطِقِ
ففي أيِّ شيءٍ تَذْهَبُ النَّفْسُ حَسْرَةً = وَقَدْ قسَّمَ الرَّحمنُ رِزقَ الخلائِقِ
1. ينظر: "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان الصديقي (1/197-198).
2. رواه الترمذيُّ (3426).
3. "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 114).
4. رواه البخاري (1523).
5. "التوكل على الله" لابن أبي الدنيا (ص: 51).
6. " التوكل على الله" لابن أبي الدنيا (ص: 49).