عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ ﷺ: «مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرفُثْ، ولم يفسُقْ، رجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أمُّهُ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ ﷺ: «مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرفُثْ، ولم يفسُقْ، رجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أمُّهُ
يُرشِد النبيُّ ﷺ إلى بابٍ من أعظم أبواب تكفير الذنوب، وهو الحجُّ المبرور، فيخبِر ﷺ أنَّ من حجَّ حجًّا سليمًا مقبولًا، مُحِيَت ذنوبُه وعاد من حَجِّه مطهرًا كيوم ولدته أمه، والحج المبرور هو الذي لم يأتِ فيه صاحبُه بشيء من محظورات الحجِّ، كالرَّفَثِ وهو ما يريده الرجل من المرأة من جِماعٍ ومقدِّماته، أو الفسوق وهو الخروج عن الطاعة وارتكاب المعاصي.
والحديثُ يشملُ الحجَّ والعمرةَ معًا؛ بدليل رواية مسلم: «مَن أتى هذا البيت»، وقوله ﷺ:
«العمرةُ إلى العمرة كفَّارةٌ لما بينَهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنةُ»
متفق عليه [1].
وهذه المغفرة إنما هي عامَّة في حقوق الله تعالى؛ فإن الله عزَّ وجلَّ يَغفرها، أما حقوق الآدميين فلا تَسقُط إلا باسترضاء الخصوم، أو أداء الحقوق لأصحابها [2].
1. استَخدم النبيُّ ﷺ التشبيه في قوله: «رجع كيوم ولدته أمه» لتوكيد معنى المغفرة وتكفير السيئات. فيحسُن بالداعية والمُربِّي أن يستخدم تلك الوسائل البلاغية وضرب الأمثال في تقريب المعاني وتوكيدها.
2. أرشد النبيُّ ﷺ إلى بابٍ عظيم من أبواب مغفرة الذنوب، وهو الحج المبرور، وأيُّنا لا يحتاج إلى مغفرة الذنوب وتكفير السيئات؟!
3. في الحديث التأكيدُ على مكارم الأخلاق، وأنها سببٌ في قَبول العمل أو رَدِّه.
4. إياك وظلمَ العبادِ وهضْمَ حقوقهم؛ فإنَّ الذنوب المتعلقة بهم لا تَسقط إلَّا بردِّ المظالم وترضيتهم، أما ما اقترفتَه في حقِّ اللهِ سبحانه – غير الشرك – فداخلٌ في المشيئةِ؛ إن شاء عفا وإن شاء عذَّب.
5. من مقاصد الحج تذكيرُ الإنسانِ بالآخرة؛ حيث يخرج الإنسان عن زِينته ومكانته ليَرتدِيَ إزارًا ورداءً كالكفن، وينعزل عن الدنيا ولذَّاتها، ووقف على عرفات في جموع الحَجيج كما يجتمع الناسُ في أرض المحشر، الجميع سواسية، لا فرق بين كبيرٍ وصغيرٍ ووزيرٍ وخَفيرٍ. فإذا أدرك الحاجُّ ذلك عاد زاهدًا في الدنيا مُستعدًّا للآخرة.
6. قال الشاعر:
إِلَيْكَ إِلَهِي قَدْ أَتَيْتُ مُلَبِّيَا = فَبَارِكْ إِلَهِي حَجَّتِي وَدُعَائِيَا
قَصَدْتُكَ مُضْطَرًّا وَجِئْتُكَ بَاكِيًا = وَحَاشَاكَ رَبِّي أَنْ تَرُدَّ بُكَائِيَا
كَفَانِيَ فَخْرًا أَنَّنِي لَكَ عَابِدٌ = فَيَا فَرْحَتِي إِنْ صِرْتُ عَبْدًا مُوَالِيَا
إِلَهِي فَأَنْتَ اللَّهُ لا شَيْءَ مِثْلُهُ = فَأَفْعِمْ فُؤَادِي حِكْمَةً وَمَعَانِيَا
أَتَيْتُ بِلا زَادٍ وَجُودُكَ مَطْعَمِي = وَمَا خَابَ مَنْ يَهْفُو لِجُودِكَ سَاعِيَا
إِلَيْكَ إِلَهِي قَدْ حَضَرْتُ مُؤَمِّلًا = خَلاصَ فُؤَادِي مِنْ ذُنُوبِي مُلَبِّيَا
1. رواه البخاريُّ (1773)، ومسلم (1349)، عن أبي هريرة .
2. انظر: "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" للكرمانيِّ (9/ 31).