عن جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»
عن جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»
الصلاة هي الرُّكن الثاني من أركان الإسلام بعد الشَّهادتينِ، وهي عمودُ الإسلام الذي يُبنى عليها
قال ﷺ:
«رَأْسُ الأَمْرِ الإسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ»[1]
وهي أحبُّ الأعمالِ إلى الله تعالى
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍرضي الله عنه قَالَ:
سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلى وقْتِهَا»[2]
ولهذا كانت الصلاةُ علامةً تميِّز المسلمين؛ فالمنافق يتثاقل عنها، ولا يؤدِّيها إلا
كما قال سبحانه:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى}
[النساء: 142].
والكافرُ يجحَدُ وجوبَها ويتركها بالكُلِّيَّة،
ولهذا توعَّد الله عزَّ وجلَّ تاركها بقوله:
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}
[المدثر: 38 - 43]
وقد قال سبحانه عن سَقَر:
{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}
[المدثر: 26 - 30].
وفي هذا الحديث يخبِر النبيُّ ﷺ عن حُكم تارك الصلاة، فيذكر أنَّها الفاصلة بين المسلم والكافر؛ فبيْن الرجلِ وبين الشِّرْك أو الكفر تركُ الصلاة
وهي كقوله ﷺ:
«الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»[3]
وقال عمر رضي الله عنه: «لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ»[4]، وكان عبد الله بن شَقيقٍ رحمه الله يقول: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ»[5]
1- أجمع الفقهاءُ على أنَّ تارك الصلاةِ جحودًا كافرٌ مرتدٌّ عن الدين، واختلفوا في تاركها تكاسلًا وتهاونًا؛ فقيل: كافرٌ، وقيل: فاسقٌ يُستتاب وإلا قُتل، وقيل: فاسقٌ ولا يُقتل. والمسلمُ الحقُّ الذي عرَف ربَّه تعالى وآمن بنبيِّه ﷺ لا يَنزِل تلك المنزلة التي اختلف فيها الفقهاء بين التكفير والتفسيق، وإنما يسارِع إلى مرضات الله تعالى ويتقربُ إليه بالنوافل بعد أداء الفرائض.
2- لمَّا طُعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأدخلوه بيته، حاولوا أن يوقِظوه من إغمائه، فقالوا: لن يوقِظَه إلا الصَّلاة، فنادوا: الصلاةَ يا أمير المؤمنين! فقال: «نعم، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترَك الصلاة»، وصلَّى ودَمُه يسيل من جُرحه. فإلى أيِّ مدى كان اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بالصلاة؟![6]
3- عن عبد الله بن عمرِو بنِ العاص رضي الله عنهما، عن النبيِّ ﷺ: أنه ذَكَرَ الصَّلاةَ يَوْمًا فَقَالَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ»[7]
قال ابن القيِّم رحمه الله: "وإنما خصَّ هؤلاء الأربعة بالذِّكر؛ لأنهم من رؤوس الكَفَرة. وفيه نُكتةٌ بديعة؛ وهو أن تارك المحافظة على الصلاة، إمَّا أن يَشغَله مالُه أو مُلكُه أو رياسته أو تجارته، فمَن شَغَله عنها مالُه فهو مع قارون، ومن شَغَله عنها ملكه فهو مع فِرعونَ، ومن شَغله عنها رياسةٌ ووزارة فهو مع هامانَ، ومَن شَغَله عنها تجارته فهو مع أبيِّ بنِ خَلَفٍ"[8]
4- كيف يتخلَّف أحدٌ عن الصلاة وهي التي جعلها اللهُ سبحانه مكفِّرةً لسيئات العبد وخطاياه؟!
قال رسولُ اللهِ ﷺ:
«أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟» قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا»[9]
5- قال ابن مسعودرضي الله عنه في شأن صلاة الجماعة: «وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ»[10] فكيف يَتركُ الصلاةَ مسلمٌ بإرادته واختياره؟!
6- قال الشاعر:
ارْتِفَاعُ الأَذَان فَوْقَ الْمَآذِنْ = فِي انْبِلَاجِ الصَّبَاحِ وَاللَّيْلُ سَاكِنْ
دَعْوَةٌ تَحْمِلُ الْحَيَاةَ إِلَى الْكَوْ = نِ وَسُكَّانِهِ قُرًى وَمَدَائِنْ
وَنِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْ = ضِ إِلَى ظَاهِرٍ عَلَيْهَا وَبَاطِنْ
وَلِقَاءٌ بَيْنَ الْمَلائِكِ وَالإِيـ = ـمَانِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ آذِنْ
وَانْطِلاقٌ إِلَى الْفَلاحِ إِلَى الْخَيْـ = ـرِ إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى وَالْمَحَاسِنْ
7- وقال غيره:
يَنْسَى بِهَا دُنْيَاهُ وَهْوَ مُكَبِّرٌ = وَيَرَى حَقِيقَةَ نَفْسِهِ مُتَجَرِّدَا
جَافَتْ جُنُوبُ الصَّالِحِينَ مَضَاجِعًا = وَقَضَوْا لَيَالِيَهُمْ قِيَامًا سُجَّدَا
وَسَعَوْا إِلَيْهَا فِي الظَّلامِ يَحُثُّهُمْ = شَوْقٌ يَهُزُّ قَوِيَّهُمْ وَالْمُقْعَدَا
يَتْلُونَ آيَ اللهِ في مِحْرَابِهَا = وَالْفَجْرُ يُوشِكُ نُورُهُ أَنْ يُولَدَا
حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ النِّدَاءُ وَكَبَّرُوا = وَتَوَجَّهُوا للهِ رَبًّا مُفْرَدَا
أَبْصَرْتَ أَرْوَعَ مَا يُرَى فِي لحظةٍ = وَوَقَفْتَ إجلالاً تُحِيِّي الْمَشْهَدَا
وَرَأَيْتَهُمْ صَفًّا وَقَلْبًا واحِدًا = وَلِسَانُ حُبٍّ للسَّلامِ مُرَدِّدَا