عن جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»
عن جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»
يَروي جَابِرُ بنُ عبد الله عن النَّبِيِّ ﷺ أنه قال: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»؛ أي: بين المسلم - رجلًا كان أو امرأةً - وبين أن يصل إلى الشِّرْك والكُفر تَرْكُ الصلاة.
الشرح المفصَّل للحديثالصَّلاةُ هِيَ الرُّكنُ الثاني من أركانِ الإسلامِ الخمسة التي بُنِيَ الإسلامُ عَلَيها؛ فعن عبد الله بن عمرَ قال: قال رسول الله ﷺ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»[1]
وقد أَمَرَنا اللهُ تعالى بالمحافَظَة عليها؛
فقال:
( حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ )
[البقرة: 238].
وأمر بإقامتها؛
قال تعالى:
( ﱡﱠأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ)
[الأنعام: 72]،
ومَعْنى إقامِ الصَّلاةِ: هو أداءُ الصَّلوات الخَمْسِ المفروضة في اليومِ واللَّيلة، في الأوقات الْمُحَدَّدة لها، وبالصِّفة الصَّحيحة التي بَيَّنَها نبيُّنا الكَريمُ ﷺ؛ تقرُّبًا إلى الله تعالى.
وحذَّرنا مِن أن إضاعتَها تَسْتَوْجِبُ عذاب الجحيم؛
فقال:
{ﱠكُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}
[الْمُدَّثِّر: 38 - 43].
وقد وَصفَها النبيُّ ﷺ بالنور في قَولهِ: «وَالصَّلَاةُ نُورٌ»[2]
و"الصّلاةُ أفضل الأعمال، وهي مؤلَّفة من كَلِم طيِّب وعمل صالح؛ أفضلُ كَلِمها الطّيِّب وأوجبُه القرآن، وأفضلُ عملها الصّالح وأوجبُه السُّجود"[3]
والصلاة هي أعظمُ عِبادةٍ بَدَنيَّة، وهيَ أَحَبُّ الأَعمالِ إلى الله تعالى؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلى وقْتِهَا»[4]
ولا يقومُ الدِّينُ إلَّا بأداء الصلاة؛ فهي عَمُودُ الإسلام؛ كما قال النبيُّ ﷺ: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ»[5]. فالصلاةُ من الإسلام بمنزلةِ العَمود الذي يقوم عليه، والخَيْمةُ تَسقُطُ بسقوط عَمُودِها؛ فهكذا يَذهَب الإسلام بذَهَاب الصلاة،
وفي هذا الحديث: عن جَابِر بن عبد الله قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»؛ أي: بين المسلم - رجلًا كان أو امرأةً - وبين أن يَصِل إلى الشرك والكُفر تَرْكُ الصلاة.
"ومعنى (بينه وبين الشّرك ترك الصّلاة) أنّ الّذي يَمنَع من كُفره كونُه لم يَترُك الصّلاة، فإذا تركها، لم يَبقَ بينه وبين الشّرك حائلٌ؛ بل دخل فيه، ثمَّ إنّ الشّرك والكفر قد يُطلَقان بمعنًى واحد، وهو الكفر باللّه تعالى، وقد يُفرَّق بينهما، فيُخصُّ الشِّرك بعَبَدة الأوثان وغيرها من المخلوقات، مع اعترافهم باللّه تعالى؛ ككفَّار قُريش، فيكون الكفر أعمَّ من الشّرك"[6]
وفي حديث بُرَيْدَةَ رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»[7]
"والظّاهر أنّ فعل الصَّلاة هو الحاجز بين العبد والكفر، فيُحتمَل أن يؤوَّل تركُ الصّلاة بالحدِّ الواقع بينهما، فمن ترَكَها دخل الحدَّ، وحام حول الكفر، ودنا منه، أو يُقال: المعنى أنَّ ترك الصَّلاة يُوصِلُ العبد إلى الكفر.
وقد اختُلف في تكفير تارك الصّلاة الفرض عَمْدًا. قال عمرُ رضي اللّه عنه: لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصَّلاة. وقال ابنُ مسعود: ترَكْهُا كفر، وقال عبد اللّه بن شقيق: كان أصحاب محمَّدٍ - عليه الصّلاة والسّلام - لا يَرَون شيئًا من الأعمال تَرْكُه كفرٌ غيرَ الصّلاة"[8]
و"قوله: «بين الرجل والكفر والشرك ترك الصلاة» معناه: بين المسلم وبين اتِّسامه باسم الكفَّار، واستحقاقه من القتل ما استحقُّوه: تركُ الصلاة، وقد يكون معنى الحديث: إن بالصلاة والمواظبة عليها وتَكرار ذلك في يومه وليلته يَفترِق المسلم من الكافر، ومَن تَرَك ذلك ولم يغتنمه، ولا تميَّز بسِيماء المؤمنين، دَخَل في سَواد أضدادهم من الكَفَرة والمنافقين"[9]
و"إنّ من الأفعال ما تركُه يوجِب الكُفْرَ، إمَّا حقيقةً، وإمّا تسميةً... وأمَّا تارك الصّلاة، فإن كان منكِرًا لوجوبها، فهو كافر بإجماع المسلمين، خارج من مِلَّة الإسلام، إلّا أن يكون قريبَ عهد بالإسلام، ولم يخالِط المسلمين مدَّةً يَبلُغه فيها وجوب الصَّلاة عليه، وإن كان تركُه تكاسلًا مع اعتقاده وجوبها؛ كما هو حال كثير من النَّاس، فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشّافعيُّ والجماهير من السَّلف والخَلَف إلى أنّه لا يَكفُر؛ بل يَفسُق ويُستتاب، فإن تاب وإلَّا قتلناه حَدًّا؛ كالزَّاني المحصَن؛ ولكنَّه يُقتَل بالسَّيف، وذهب جماعة من السَّلف إلى أنّه يَكفُر، وهو مَرْويٌّ عن عليِّ بنِ أبي طالب، وهو إحدى الرّوايتين عن أحمدَ بنِ حنبل، وبه قال عبد اللّه بن المبارك، وإسحاقُ بنُ راهوَيْهِ، وهو وجه لبعض أصحاب الشّافعيِّ، وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة، والمزنيُّ صاحب الشّافعيِّ أنّه لا يكفُر ولا يُقتَل؛ بل يُعزَّر ويُحبَس حتّى يُصلِّيَ"[10]
والصلاةُ تنهى عن الفحشاء والمنكر؛
قال الله تعالى:
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
[العنكبوت: ٤٥]،
وهي أوَّلُ ما يُحاسَبُ عليه الإنسانُ يومَ القيامة؛
فقد قال ﷺ:
«أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ»
[11]
وفي الحديث عن عبد الله بن عمرِو بنِ العاص،
عن النبيِّ ﷺ:
أنه ذَكَرَ الصَّلاةَ يَوْمًا فَقَالَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلاَ بُرْهَانٌ، وَلاَ نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ»
[12]
"وإنما خصَّ هؤلاء الأربعة بالذكر؛ لأنهم من رؤوس الكَفَرة. وفيه نُكتةٌ بديعة، وهو أن تارك المحافظة على الصلاة، إمَّا أن يَشغَله مالُه أو مُلكُه أو رياسته أو تجارته، فمن شَغَله عنها مالُه، فهو مع قارون، ومن شَغَله عنها ملكه، فهو مع فِرعونَ، ومن شغله عنها رياسة ووزارة، فهو مع هامانَ، ومَن شَغَله عنها تجارته، فهو مع أبيِّ بنِ خَلَفٍ"[13]
ومن فضائل الصلاة ما رواه عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لوقتهن وَأتمَّ ركوعهن وخشوعهن، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ»
[14]
ومن فضائل الصلاة أنها تكفِّر الخطايا دومًا وتطهِّر المؤمن؛
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الصلواتُ الخمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعة، ورمضانُ إلى رمضانَ، مُكفِّراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتَنَب الكبائر»
[15]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
«أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى المسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»
[16]
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
«مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ المحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ المعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّين»
[17]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟» قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا»
[18]
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ:
"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"
[19]
وقد قال ﷺ:
«قال اللهُ تعالى: قَسَمْتُ الصلاةَ بَيْني وبينَ عَبْدي نِصفَيْنِ، ولعَبْدي ما سألَ، فإذا قال العبدُ: ﴿الحمد لله رب العلمين﴾، قال الله تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: ﴿الرحمن الرحيم﴾، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿مالك يوم الدين﴾، قال: مجَّدني عبدي، فإذا قال: ﴿إياك نعبد و إياك نستعين﴾، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿أهدنا الصراط المستقيم6صرط الذين أنعمت عليهم غير ألمغضوب عليهم ولا ألضالين﴾، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل»
[20]
وقد قال ﷺ في فضل جماعتها:
«صلاةُ الجماعةِ أفضَلُ من صلاةِ الفَذِّ بسَبعٍ وعشرينَ دَرجةً»
[21]
وقد أعدَّ الله تعالى منزلاً في الجنة لمن غدا إلى المسجد أو راح؛
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاح»
[22]
ومن السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه رجلٌ معلَّقٌ قلبُه بالمساجد؛ ف
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، وذكر منهم: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ»
[23]
وإن صلاة الجماعة تشهدها الملائكة؛
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
«يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ»
[24]
وصلاة الجماعة لها الفضل العظيم؛
عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ الليْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الليْلَ كُلَّهُ»
[25]
وصلاة الجماعة تعطيك النور التامَّ يوم القيامة؛
عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«بَشِّرِ المشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى المسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
[26]
النقول
قال الملا علي القاري رحمه الله: "وَقَالَ الطِّيبِيُّ: تَرْكُ الصَّلاة مبتدأ، والظَّرف المقدَّم خبرُه، والظّاهر أنّ فعل الصَّلاة هو الحاجز بين العبد والكفر، فقال القاضي: يُحتمَل أن يؤوَّل تركُ الصّلاة بالحدِّ الواقع بينهما، فمن ترَكَها دخل الحدَّ، وحام حول الكفر، ودنا منه، أو يُقال: المعنى أنَّ ترك الصَّلاة وَصْلةٌ بين العبد والكُفر، والمعنى أنّه يُوصِلُه إليه، قيل: ويُحتمَل أن يُقال: الكلام على خلاف الظّاهر؛ إذ ظاهرُه أن يُقال: بين الإيمان والكفر، أو بين المؤمن والكافر، فوَضَع العبد موضِعَ المؤمِنَ؛ لأنّ العبوديّة أن يَخشَع لمولاه، ويَشكُر نِعَمَه، ووَضَع الكُفْرَ موضعَ الكافرَ، وجَعَله نَفْسَ الكُفر، فكأنَّه قيل: الفرقُ بين المؤمن والكافر تركُ أداء الشُّكر، فعلى هذا؛ الكفر بمعنى الكُفران، وفي شرح السُّنَّة: اختُلف في تكفير تارك الصّلاة الفرض عَمْدًا. قال عمرُ رضي اللّه عنه: لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصَّلاة. وقال ابنُ مسعود: ترَكْهُا كفر، وقال عبد اللّه بن شقيق: كان أصحاب محمَّدٍ - عليه الصّلاة والسّلام - لا يَرَون شيئًا من الأعمال تَرْكُه كفرٌ غيرَ الصّلاة، وقال بعض العلماء: الحديثُ محمولٌ على تركها جُحودًا، أو على الزَّجْرِ والوَعيد، وقال حمَّادُ بنُ زيدٍ، ومكحولٌ، ومالك، والشَّافعيُّ: تارك الصّلاة كالمرتدِّ، ولا يَخرُج من الدّين. وقال صاحب الرّأي: لا يُقتَل؛ بل يُحبَس حتَّى يُصلِّيَ، وبه قال الزُّهْريُّ. اهـ.
قلتُ: ونِعْمَ الرّأيُ رأيُ أبي حنيفةَ؛ إذ الأقوالُ باقيها ضعيفة، ثمَّ من التّأويلات أن يكون مستحلًّا لتركها، أو تركُها يؤدِّي إلى الكفر، فإنَّ المعصيةَ بَرِيدُ الكُفر، أو يُخشى على تاركها أن يموت كافرًا، أو فِعْلُه شابَهَ فِعْلَ الكافر"[1]
قال النوويُّ رحمه الله: "ومعنى (بينه وبين الشّرك ترك الصّلاة) أنّ الّذي يَمنَع من كُفره كونُه لم يَترُك الصّلاة، فإذا تركها، لم يَبقَ بينه وبين الشّرك حائلٌ؛ بل دخل فيه، ثمَّ إنّ الشّرك والكفر قد يُطلَقان بمعنًى واحد، وهو الكفر باللّه تعالى، وقد يُفرَّق بينهما، فيُخصُّ الشِّرك بعَبَدة الأوثان وغيرها من المخلوقات، مع اعترافهم باللّه تعالى؛ ككفَّار قُريش، فيكون الكفر أعمَّ من الشّرك، واللّه أعلم"[2]
قال القاضي عياض رحمه الله: "قوله: «بين الرجل والكفر والشرك ترك الصلاة» معناه: بين المسلم وبين اتِّسامه باسم الكفَّار، واستحقاقه من القتل ما استحقُّوه: تركُ الصلاة، وقد يكون معنى الحديث: إن بالصلاة والمواظبة عليها وتَكرار ذلك في يومه وليلته يَفترِق المسلم من الكافر، ومَن تَرَك ذلك ولم يَهتبِلْ به، ولا تميَّز بسِيماء المؤمنين، دَخَل في سَواد أضدادهم من الكَفَرة والمنافقين.
وفيه دليلٌ لمن كفَّر تارك الصلاة من السَّلف والعلماء، وإن كان معتقِدًا وجوبَها. وهو قولُ عليِّ بنِ أبى طالب - رضى الله عنه - وجماعةٍ من السَّلَف، وذَهَب إليه فقهاء أهل الحديث: أحمدُ بنُ حنبلٍ وابنُ المبارك وإسحاقُ وابنُ حبيب من أصحابنا، وجماعةٌ من العلماء على أنه ليس بكافر، وأكثرُهم يرى قتلَه إن أبى منها، والكوفيون لا يَرَون قتلَه ويُعزَّر حتى يصلِّيَ، ونحوُه للمُزنيِّ، ثم اختلفوا في استتابته. ومن لم يكفِّرْه يَقتُله حدًّا. قال ابن القصَّار: واختَلَف أصحابنا في استتابته، فمن لم يَسْتَتِبْه، يَجعَلْه كسائر الحدود التي لا تُسقِطُها التوبة، يؤخَّر حتى يَمُرَّ وقت صلاة، فإن لم يصلِّ، قُتِل، وكذلك اختلفوا في قتله إذا تركها متهاوِنًا، وإن قال: أصلِّي، وفى استتابته، وتأخيره. فذَهَب مالكٌ - رحمه الله - أنه يؤخَّر حتى يَخرُجَ الوقتُ، فإن خَرَج ولم يصلِّ، قُتِل. والصحيحُ أنه عاصٍ غيرُ كافر؛
لقوله تعالى:
(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚﱠ )
[النساء: ٤٨]
وأن يُقتَل إن أبى منها؛
لقوله تعالى:
( ﱠفَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ )
[التوبة: ٥]
الآية، ولقوله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم»([3])"[4]
قال النوويُّ رحمه الله: "مقصود مسلم أنّ من الأفعال ما تركُه يوجِب الكُفْرَ، إمَّا حقيقةً، وإمّا تسميةً، فأمّا كفرُ إبليسَ بسبب السُّجود،
فمأخوذٌ من قول اللّه تعالى:
( وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ )
[البقرة: ٣٤].
قال الجمهور: معناه: وكان في علم اللّه تعالى من الكافرين، وقال بعضهم: وصار من الكافرين؛
كقوله تعالى:
(وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَﱠ)
[هود: ٤٣]
وأمَّا تارك الصّلاة، فإن كان منكِرًا لوجوبها، فهو كافر بإجماع المسلمين، خارج من مِلَّة الإسلام، إلّا أن يكون قريبَ عهد بالإسلام، ولم يخالِط المسلمين مدَّةً يَبلُغه فيها وجوب الصَّلاة عليه، وإن كان تركُه تكاسلًا مع اعتقاده وجوبها؛ كما هو حال كثير من النَّاس، فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشّافعيُّ - رحمهما اللّه - والجماهير من السَّلف والخَلَف إلى أنّه لا يَكفُر؛ بل يَفسُق ويُستتاب، فإن تاب وإلَّا قتلناه حَدًّا؛ كالزَّاني المحصَن؛ ولكنَّه يُقتَل بالسَّيف، وذهب جماعة من السَّلف إلى أنّه يَكفُر، وهو مَرْويٌّ عن عليِّ بنِ أبي طالب - كرَّم اللّه وجهه - وهو إحدى الرّوايتين عن أحمدَ بنِ حنبل - رحمه اللّه - وبه قال عبد اللّه بن المبارك، وإسحاقُ بنُ راهوَيْهِ، وهو وجه لبعض أصحاب الشّافعيِّ - رضوان اللّه عليه - وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة، والمزنيُّ صاحب الشّافعيِّ - رحمهما اللّه - أنّه لا يكفُر ولا يُقتَل؛ بل يُعزَّر ويُحبَس حتّى يُصلِّيَ"[5]
قال ابن القيم رحمه الله: "ما رواه عبدُ الله بنُ عمرِو بنِ العاص، عن النبيِّ ﷺ: أنه ذَكَرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا فَقَالَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا، كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلاَ بُرْهَانٌ، وَلاَ نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ»[6]. رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو حاتم بنُ حبَّانَ في صحيحه، وإنما خصَّ هؤلاء الأربعة بالذكر؛ لأنهم من رؤوس الكَفَرة. وفيه نُكتةٌ بديعة، وهو أن تارك المحافظة على الصلاة، إمَّا أن يَشغَله مالُه أو مُلكُه أو رياسته أو تجارته، فمن شَغَله عنها مالُه، فهو مع قارون، ومن شَغَله عنها ملكه، فهو مع فِرعونَ، ومن شغله عنها رياسة ووزارة، فهو مع هامانَ، ومَن شَغَله عنها تجارته، فهو مع أبيِّ بنِ خَلَفٍ"[7]