126 - من فَضائلِ الأعمالِ، الجزء: 2

عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»

فقه

1. يذكر النبيُّ ﷺ أنَّ الطُّهور الذي هو التَّنَظُّف عمومًا ومنه الوضوءُ للصلاة وأداء العبادات يساوي نصفَ الإيمان؛ فإذا كان المؤمنُ مأمورًا بنظافة الظاهر والباطن، فنظافة الظاهر نصفُ ذلك، ويمكن أن يُراد بالإيمانِ الصَّلاة

كقوله تعالى:

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}

[البقرة: 143]

أي: صلاتكم، ويكون الطُّهورُ شطرَها لأنَّه شرطٌ فيها لا تصحُّ إلا به.

والطهارة من أعظم العبادات وأجلِّ القُرُبات التي يتقرَّبُ بها العبدُ إلى ربه

قال سبحانه:

{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

[البقرة: 222].

ويُستدلُّ بهذا على أنَّ الأعمالَ داخلةٌ في الإيمانِ، وأنَّه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

2. وأخبر ﷺ أنَّ قولَ العبدِ: "الحمدُ لله" تملأ ميزانَ العبدِ يومَ القيامة لعظيم ثوابِها، والحمدُ: الثَّناءُ على اللهِ تعالى.

والميزانُ شيءٌ أعدَّه اللهُ تعالى تُوزن عليه أعمالُ العبادِ يوم القيامة، وله كفتان، تُوضع حسنات العبدِ في كفَّة وسيئاته في كفَّة؛ فإن رجحت كفَّة الحسنات كان من الفائزين، وإلا خاب وخسر

قال سبحانه:

{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [8] وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}

[الأعراف: 8، 9].

3. وقولُ العبدِ: "سبحان الله والحمد لله" - والتسبيح: تنزيه الله تعالى عن كل نقص وعيب – له من الثوابِ العظيم لدرجة أنَّ ذلك الثواب لو كان جسمًا لملأ ما بين السماء والأرض. فإذا كان "الحمد لله" يملأ ثوابُها الميزانَ، فإنَّ العبدَ إن أتبعها بـ"سبحان الله" طغى ثوابُهما حتى يملأ ما بين السماء والأرض، وذلك أنَّه أثنى على ربِّه بما هو أهلُه ونزَّهَه عن كل عيبٍ ونقص [1].

4. ثم أخبر ﷺ أنَّ الصلاةَ نورٌ، يهدي العبدَ إلى الحقِّ، فيمتلئ قلبُ المحافظِ على الصلاة بأنوار الحكمة والهداية والمعرفة، فلا تجتمع الصلاةُ والفواحشُ أبدًا

قال سبحانه:

{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}

[العنكبوت: 45].

5. والصدقة دليلٌ على صدقِ إيمانِ العبد؛ فإنَّ الإنسانَ مفطورٌ على حُبِّ المالِ، فإذا جادت نفسُه بإخراجه، كان ذلك آية على إيمانِه وتصديقه.

وهي أيضًا دليلٌ وحُجَّةٌ له أمام ربِّه يومَ القيامة حين يُسأل عن مالِه فيم أنفقه؟[2].

6. والصَّبرُ - بجميع أنواعه: على طاعةِ اللهِ تعالى، وعن معصيتِه سبحانه، وعلى أقداره – ضياءٌ يتبصَّرُ به العبدُ سبيلَ الرَّشاد.

7. والقرآنُ إما أن يكون حُجَّةً لك تنفعك يوم القيامة أمام اللهِ تعالى؛ حيث قرأتَه وآمنتَ به وانتفعت بما فيه، وإما عليك حين أعرضتَ عنه وتركتَ العمل به.

8. ثم ختم النبيُّ ﷺ كلامَه بأنَّ جميع النَّاس ساعُون على قضاء مصالحهم - وذكر الغُدُوَّ وهو السيرُ أوَّل النَّهار حيث يُبَادر النَّاسُ إلى أرزاقهم – فإما أن يكون سعيُ المرء موافقًا للشَّرعِ، فهذا باع نفسَه للهِ تعالى، وهو الذي يُحَرِّرها وينجيها من عذاب الله تعالى

قال سبحانه:

{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}

[التوبة: 111]

وإما أن يكون سعى في هواه مخالفًا لأمرِ اللهِ سبحانه، فهذا بائعٌ نفسَه للشيطان، فأهلكها وأوجب لها العذاب.

اتباع

1.  احرص على طهارة ظاهرك وثيابك وبدنك كما تحرص على طهارة باطنك من النِّفاق والمعاصي؛ فإنَّهما شطرا الإيمان.

2.  الطَّهارة من أهم أبواب محبة الله تعالى للعبد، فاغتنم ذلك السبيل إلى مرضاته.

3.  "الحمدُ لله" كلمةٌ خفيفةٌ على اللسان، لا يجدُ المسلمُ جهدًا في تكرارها، ولها ثوابٌ عظيمٌ لا يحصر كُنهَه إلا اللهُ تعالى. فلا تُفَرِّط في المداومة على هذا الذكر.

4.  جعل اللهُ سبحانه الثوابَ العظيمَ على العمل اليسير؛ تسهيلًا على عباده وتَوَدُّدًا إليهم. فهو سبحانه ربٌّ رحيمٌ رؤوفٌ لطيف.

5.  الميزانُ حقٌّ، جاء ذكره في القرآن والسُّنَّة، ولا يَسَعُ المؤمنَ إلا الإيمانُ به.

6.  اجعل لسانك رطبًا بقول: "سبحان الله والحمد لله"؛ فإنَّ ثوابهما عظيمٌ.

7.  داوم على الصلاة؛ فإنها نورٌ للمؤمنِ في قلبه، يهديه إلى الحقِّ ويكشف له الضَّلالَ.

8.  حافظ على الصلاة في وقتها؛ فإنها نورٌ يضيء قبرَ العبدِ فيأنسُ بذلك يومَ الوحشة.

9.  لا تترك الصلاةَ فإنَّ بها يعرفك النبيُّ ﷺ يوم الحساب؛ حيث يبدو النورُ من جسدك، فيناديك إلى حوضِه ويشفعُ لك

قال ﷺ:

«إن أمتي يُدْعَوْن يومَ القيامة غُرًّا محجَّلين من آثار الوضوء»

[3].

10.  أكثرُ النَّاسِ نورًا أكثرُهم محافظةً على الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها وسُنَنها.

11.  انظر في نفسك؛ فإن رأيتَكَ طيبَ النَّفسِ بالإنفاق في سبيل اللهِ تعالى فاطمئن، واعلم أنَّ ذاك دليلٌ على إيمانك، وإلا فجاهِد هواك وشيطانَك.

12.  اعلم أنك مسؤولٌ يوم الحساب عن مالِك من أين اكتسبتَه وفيم أنفقتَه؟ فإن كنت تنفق ما آتاك اللهُ في مرضاته كان ذلك حُجَّةً لك عند السؤال.

13.للصبرِ مشقةٌ وعناءٌ، إلَّا أنَّه يتولد عنه ضياءٌ يهدي الحائر ويُؤنس المستوحِش ويُريح المكلوم.

14.  قال الشاعر:

والصَّبرُ مثلُ اسمِهِ مرٌّ مذاقتُهُ ... لكنْ عواقبُه أحلى من العَسَلِ

15.  اجعل القرآن حُجَّةً لك، فبادِر إلى قراءته وتدبُّرِ معانيه والعمل بأحكامه؛ فإنَّه يشفع للعبدِ يومَ القيامة

يقول ﷺ:

«مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ»

[4].

16.  ما أحدٌ أحقَّ بالخزي والعذاب ممَّن آتاه اللهُ القرآنَ وفقَّهَهُ فيه، ثم نكص على عقبيه وأعرض عن العمل بما فيه.

17.  أيُّ الفريقين تريد: المعتق نفسه باتباع الشرع، أم الذي يهلكها باتباع الهوى؟!

18.  يا بائعًا نفسك لا محالة، تخيَّر أحسن الأثمان؛ فإما أن تبيعها للهلاك والعذاب، وإما أن تبيعها للجنة ورضوان الله تعالى.

19. قال الشاعر:

اقْرَأْ كِتَابَ اللهِ وَافْهَمْ حُكْمَهُ = تُدْرِكْ عَطَاءَ اللهِ فِي إِحْسَانِ

فَهُوَ الخِطَابُ لِكُلِّ عَقْلٍ نَابِهٍ = وَهُوَ الضِّيَاءُ بِنُورِهِ الرَّبَّانِي

يَهْدِي إِلَى الخَيْرِ العَمِيمِ وَإِنَّهُ = أَمْنُ القُلُوبِ وَرَاحَةُ الأَبْدَانِ

قَدْ أَنْزَلَ القُرْآنَ رَبٌّ حَافِظٌ = لِيُعَلِّمَ الإِنْسَانَ خَيْرَ بَيَانِ

المراجع

  1. ينظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (3/ 102). 
  2. ينظر: "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (1/ 150).
  3.   رواه البخاريُّ (136)، ومسلم (246). 
  4.  رواه أحمد (6626).


مشاريع الأحاديث الكلية