عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إنَّ اللَّهَ قَالَ: : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِن، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» 

فقه

  1. يخبر ربُّنا جلَّ جلاله أنَّه يدافع عن عبادِه المؤمنين، فمن خاصَم وآذى وليًّا من أولياء الله – وهم عبادُه الصالحون الذين حقَّقوا إيمانهم بالطاعات فتولَّى ربُّهم أمورَهم – فقد أنذرَه اللهُ تعالى بالحرب انتقامًا لأوليائه ودفاعًا عنهم. ومَن يقدر على حربِ اللهِ سبحانه؟!

  2. ثم بيَّن سبحانه أنَّ أفضلَ ما تقرَّب به العبدُ إلى مولاه أداءُ الفرائض التي افترضها عليه؛ فإنَّه جلَّ جلالُه ما افترض عليه الطاعات وحرَّم عليه المعاصي إلا ليُقرِّبه منه.

  3. فإذا حرص العبدُ على الفرائض ثم تقرَّب إلى ربِّه سبحانه بالعبادات التي لم يفرضها عليه وندبه إليها - كسُنَنِ الصلاة والصيام والصدقات والمداومة على الأذكار وقراءة القرآن وقضاء حوائج النَّاس ونحو ذلك - أحبَّه اللهُ تعالى.

  4. فإذا أحبَّه سبحانه حَفِظَ عليه حواسَّه؛ فلا يسمع إلَّا ما يُرضي اللهَ تعالى، ولا يمُدُّ بصرَه إلى حرامٍ، ولا أطلق يدَه في ما لم يأذن به الشرع، فلا تأخذ ما ليس لها، ولا يضربُ بها إلا في حقٍّ، ولا تمشي رِجلُه إلى معصيةٍ من المعاصي. وهذا 

    كقوله ﷺ:

    «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ»

    [1].

  5. كما أنَّ من عظيم جزاءِ أولياء الله الذين يحبهم ويحبونه، أنَّهم إن دَعَوْهُ أجاب دعاءهم وأعطاهم سؤالهم أيًّا كان، وإن لجؤوا إليه خائفين من شرٍّ أو أذًى أذهبَ عنهم ما يخافون وأجارهم.

    قال ﷺ:

    «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ»

    [2].

  6. ثم أخبر سبحانه أنُّه يحبُّ ما أحبَّ المؤمنُ، ويكره أن يُصيبَه بشيءٍ يؤذيه، حتى الموت الذي كتبه اللهُ تعالى على جميع خلقه وأراده لهم يكره أن يصيبَ به عبدَه المؤمن لكراهيته له وخوفه منه، فصار الموتُ مرادًا لله تعالى من وجهٍ مكروهًا من آخر، وهذه حقيقة التَّردُّدِ، فإنه سبحانه يقضي على عبدِه المؤمن بالموت مع حبِّه له وكراهية مساءتِه، بخلاف الكافر؛ حيث يُبغضه اللهُ تعالى ويريد مساءته[3].

وكراهيةُ العبدِ الصالح للموتِ إنَّما هي الجِبِلِّيَّة التي خلقَ اللهُ سبحانه النَّاس عليها؛ فهم يخافون من الموت ولا يحبونه، إلَّا أنَّه إذا حضره أجلُه بشَّرَه اللهُ تعالى بما له من النعيم في الآخرة، فلا يكون شيءٌ أحبَّ إليه من الموتِ حينئذ،

قال ﷺ:

«مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكِ؛ وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»

[4].

اتباع:

  1.     (1) مَن سرَّه أن يلجأ إلى ركنٍ حصينٍ لا يضرُّه معه شيءٌ فليعتصم بحبلِ اللهِ؛ فإنَّ الجبَّارَ هو الذي يتولى الدفاع عن أوليائه.
  2. (1) إذا كان اللهُ تعالى معك، فمن ضدُّك؟ ومَن يقوى على حربِ اللهِ تعالى؟!

  3. (1) الولاية ليست بالادِّعاء، وإنَّما بالإيمان والتقوى وحسن التوكل على الله تعالى، وإلَّا فكم من شقيٍّ ادعى أنَّه وليٌّ من أولياء الله تعالى!

  4. (1) الطريق الوحيد للولاية إنما هو باتباع شرعه الذي أتى به رسوله ﷺ، وإلا فاليهود والنَّصارى زعموا أنَّهم أولياء اللهِ وأحباؤه، وهم مُكَذِّبون برسوله مُعرضون عن شرعه.

  5. (1) إياك ومحاربةَ أولياءِ اللهِ تعالى؛ فإنَّك لا طاقة لك على حربِ اللهِ تعالى.

  6. (2) إذا أردتَ القربَ من اللهِ تعالى ونَيلَ محبَّته فائتمر بما أمرك، وانتهِ عمَّا نهاك عنه؛ فإنَّ حقيقة المحبة موافقة المحبوب والخضوع لأمره.

  7. (2) إياك أن تدَّعي المحبةَ وأنت لاهٍ في لهوك منصرفٌ عن طاعة حبيبك؛ فالمُحِبُّ لا يطمئنُّ إلَّا إلى ما يحبُّ حبيبُه ويرضاه.

  8. (2) قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله في خُطبته: "أفضلُ العبادة أداء الفرائض، واجتنابُ المحارم؛ وذلك لأنّ اللّه عزّ وجلّ إنّما افترض على عباده هذه الفرائض ليقرِّبَهم منه، ويوجب لهم رضوانه ورحمته"  [5].

  9. (3) تقرَّب إلى الله تعالى بأنواع النوافل والسُّنَن المستحبات؛ فمن أدَّى الفرائضَ واجتنب المعاصي ثم سارع في أداءِ ما يُحبُّه اللهُ تعالى مما لم يكتبه عليه، استوجبَ محبَّةَ اللهِ تعالى له.

  10. (3) لا تُفَرِّط في أداء النوافل؛ فإن الله تعالى أثنى على أنبيائه وأوليائه بقوله: 

    {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}

    [الأنبياء: 90].

  11. (3) اختر لنفسك منزلةً بين منزلتين؛ فإما أن تكون من المقتصدين الذين اكتفوا بأداء الفرائض واجتناب النواهي، وإما أن تكون من السَّابقين الأوَّلين الذين بلغوا درجة الولاية والمحبة بالاجتهاد في أداء النوافل، والورع عن المكروهات وما يشغل عن طاعة اللهِ تعالى.

  12. (3) إياك أن تظنَّ أنَّ النوافلَ وحدها دون أداء الفرائض تنفعك وتُدنيك من ربِّك؛ بل لا بد من أداء الفرائض، وقد قال أبو بكر  لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن اللهَ تعالى لا يقبل نافلةً حتى تُؤدى الفريضة" [6].

  13. (4) محبَّةُ اللهِ تعالى أعظم شيءٍ يمكن أن يناله العبدُ، كان داود عليه السَّلام يقول في دعائه: "اللَّهمِّ إنِّي أسألك حبَّك، وحبَّ من يحبُّك، وحبَّ العمل الَّذي يبلِّغني حبَّك، اللَّهمَّ اجعل حبَّك أحبَّ إليَّ من نفسي وأهلي ومالي، ومن الماء البارد" [7].

  14. (4) إذا غلبتك نفسُك على ارتكاب بعض المعاصي، فازدد للهِ تعالى قربًا بأداء الفرائض والنَّوافل يحفظْ عليك نفسَك وأعضاءك، فلا تميلُ إلى ذنبٍ ولا تُسَوُّلُ لك معصية.

  15. (4) الجزاءُ من جنس العمل؛ فإن حفظتَ حدودَ اللهِ تعالى وائتمرتَ بما أمرك به حفِظَ عليك حواسَّك، وإن ضيَّعتَ شرعَه أهملَك وتركك لنفسك وهواك.

  16. (4) من أعظم نتائج محبةِ اللهِ سبحانه للعبدِ أنَّه يأمر جميعَ الخلقِ بحبِّه؛

    قال ﷺ:

    «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأرضِ»

    [8]

  17. (5) إذا أردتَ أن تكون مُجابَ الدَّعوة، فعليك بأعظم أسبابها، وهي استحقاق محبة الله تعالى بالتقرب إليه بالطاعات.

  18. (5) إن رأيتَ أنَّ دعاءك ما زال مُعلَّقًا لم يُقبل مع إلحاحِك على ربِّك، فادفعه بمزيد التقرُّب إليه، وأعلم أنك لم تصر بعدُ إلى منزلة الأولياء.

  19. (5) مَن لجأ إلى الله تعالى وتحصَّن بحصنِ طاعتِه والقربِ منه أجاره من كل سوءٍ وأذهب عنه كلَّ شرٍّ.

  20. (5) قال تعالى:

    {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}

    [يونس: 62]

    فمن كان اللهُ تعالى معه فما الذي يُحزنه ويخيفه؟! ألم تسمع قول النبيِّ ﷺ لصاحبه أبي بكر: 

    {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}

    [التوبة: 40].

  21. (6) اللهُ عزَّ وجلَّ يكرهُ أن يسوءَ عبدَه المؤمن، فكيف له أن يُرِي ربَّه ما يكره من المعاصي؟!

  22. (6) التردد صفةُ نقصٍ لا يوصف بها اللهُ سبحانه، وإنما مراده أن يكون الشيءُ عنده مُرادًا من وجهٍ مكروهًا من آخر، من غير أن يصحب ذلك تحيُّرًا كما في الإنسان المتردد. فنَزِّه اللهَ تعالى عمَّا لا يليق به من صفات النَّقص.

  23. في الحديث إثبات صفتي المحبة والبُغض لله عزَّ وجلَّ، فنُثبتهما له تعالى من غير تكييفٍ أو تأويلٍ أو تعطيل.

  24. قال الشاعر:

تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ = هَذا مُحَالٌ في القِياسِ بَدِيعُ

لَو كانَ حُبُّكَ صادِقًا لَأَطَعتَهُ = إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطِيعُ

في كُلِّ يَومٍ يَبْتَديكَ بِنِعمَةٍ = مِنهُ وَأَنتَ لِشُكرِ ذاكَ مُضِيعُ

المراجع

  1.  رواه وأحمد (2669)، والترمذيُّ (2516).
  2.  رواه البخاريُّ (2703)، ومسلم (1675).
  3.  "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (18/ 130).
  4.  رواه البخاريُّ (6507)، ومسلم (2683).
  5.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 336).
  6.  "الزهد" لهناد بن السري (1/ 284)
  7.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 340)
  8.  رواه البخاريُّ (7485)، ومسلم (2637).


مشاريع الأحاديث الكلية