117 - فضلُ القرآنِ الكريم وتعلُّمه وتعليمِه

عَنْ أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ، عن عثمانَ بنِ عفَّانَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».  

وفي رواية: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»

فقه:

1- يُخبِر النبيُّ ﷺ أن خيرَ الناس، وأعلاهم درجةً عند الله تعالى مَن أَقبَل على القرآن الكريم، فتَعلَّمه تلاوةً وحِفظًا وعَملًا، فأصبح عالِمًا بمعانيه وأحكامه، ثم أقبل على تعليمه للناس، فيَنال بتعلُّمه درجة المتعلِّمين، وبتعليمه درجة العالِمين.

ويُشترط مع العلم والتعليم أن يكون الشخص عاملًا بما عَلِم؛ وجاء عن عيسى ﷺ أنه قال: "من عَلِم وعَمِل وعلَّم يُدعى في الملكوت عظيمًا"[1].

2- وسار التابعون رحمهم الله على خُطى الصحابة في حفظ القرآن وتعلُّم أحكامه ومعانيه، وتعليمه للناس، فهذا أبو عبد الرحمن السُّلَمي رحمه الله التابعي راوي ذلك الحديث عن عثمان  يجلس للإقراء والتعليم، منذ عهد عثمان بن عفان إلى زمان الحجاج بن يوسف، ما يقارب أربعين سنة.

وأبو عبدالرحمن هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة الكوفي، من أولاد الصحابة ، مولده في حياة النبي ﷺ، قال أبو عمرو الداني: أخذ القراءة عرضًا عن عثمانَ، وعليٍّ، وزيدٍ، وأبيٍّ، وابنِ مسعود، وأخذ عنه القرآن : عاصم بن أبي النجود - شيخ حفص صاحب القراءة المشهورة: حفص عن عاصم-..، توفي سنة أربع وسبعين[2].

3- يقول السلميُّ: «فذاك الذي أقعدني في مقعدي هذا»؛ أي: أن سبب بقائه المدة الطويلة لتعليم القرآن هو العمل بهذا الحديث، ورغبته في الدخول في مدلول «خيركم».

اتباع:

1- استمع لهذا الحديث ثم اجتهد في تعلم القرآن الكريم، ومعرفة أحكامه، وضبط تلاوته، والوقوف على معاني ألفاظه وتدبر آياته، ثم نشر ذلك في الناس؛ فإنَّ المغبون من تكاسل أن يكون من خير الناس. 

2- الناس يتنافسون أن يكونوا الأفضل، فهذا بمنزله، بسيارته، وهذا بلباسه، وهذا بمنصبه، لكنَّ النبيَّ ﷺ جعل خيرَ الناسِ مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه، فليكن ميزانك وتقويمك لنفسك وللناس بما أخبر الله تعالى.

3- من أراد خير الدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد خير الآخرة فعليه بالقرآن، ومن أرادهما معا فعليه بالقرآن.

4- كمال العلم بالعمل وبالتعليم، فعلى المعلم أن يبذل ما في وسعه في تعليم طلابه، ولا يبخل عليهم بشيء، وعلى الطالب أن يعلم أقرانه ما تعلمه من معلمه.

5- لا تتحقق في العالم المُعَلِّم الخيرية حتى يكون عاملًا بما عَلِم

قال تعالى:

﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾

[البقرة: 44]

فيتأدب بآداب القرآن الكريم؛ حتى يكون قدوة معلّمًا لغيره حقا، وباعثاً لهم على تعلم القرآن، قال عبد الله بن مسعود: «ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بِلَيْلِه إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًا محزونًا حكيمًا حليمًا عليمًا سكيتًا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيًا، ولا غافلًا، ولا صَخَّابًا، ولا صَيَّاحًا، ولا حديدًا»[3].

6- متى رأيت صاحب قرآن علمه وعمل به وعلّمه: فأحبه، وأكرمه، ولو كان شيخاً من فقراء الناس، ومن غرباء الأرض، فلعله من خير الناس، خصوصًا إذا كان ممن علمك القرآن، فله عليك حقوق.

7- قولوا لمعلِّم القرآن أن يصبر على جلوسه للناس، وعلى الساعات الطوال في مسجد أو معهد أو عبر وسائل التواصل، ولا يقع في ذهنه أنه كبُر عن ذلك، فقد جلس أبوعبدالرحمن السلمي أربعين سنة يطلب فضل تعليم القرآن.

8- من لم يعلّم القرآن بطريق مباشرة، فليعلّمه بما تيسر له ، كالحث على ذلك بالكتابة والخطابة، وطباعة الكتب، وبناء البرامج التقنية، وتأسيس حلقات القرآن الكريم، ومكافأة معلميها وطلابها، ونشر المقاطع الصوتية، وغير ذلك. 

9- قال الشاعر:

اسْلُكْ دُرُوبَ العارفيـنَ بهِمَّةٍ = والْـَزمْ كتـابَ الله غيـرَ مبـالِ

فهُوَ الْمُعِينُ عَلَى الشَّدَائـدِ وَطْـأةً = وهُوَ الْمُهَيْمِنُ فَوْقَ كلِّ مَجَـالِ

وَهُوَ الشَّفِيعُ عَلَى الخلائقِ شاهـدٌ = في مَوْقِفٍ يُنْجِي مِنَ الأَهوالِ

المراجع

  1. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (4/ 1452، 1453).
  2. "سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 268).
  3. "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" لأبي نعيم (1/ 130).


مشاريع الأحاديث الكلية