117 - فضلُ القرآنِ الكريم وتعلُّمه وتعليمِه

عَنْ أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ، عن عثمانَ بنِ عفَّانَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ».  

وفي رواية: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»

عناصر الشرح

المعنى الإجماليُّ للحديث:

يروي عثمانُ بنُ عفَّانَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»، وفي رواية: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»؛ أي: إن خيرَ الناس، وأفضلَهم، وأعلاهم درجةً عند الله تعالى، مَن أَقبَل على القرآن الكريم، فتَعلَّمه تلاوةً وحِفظًا وعَملاً، فأصبح عالِمًا بمعانيه وأحكامه، ثم أقبل على تعليمه للناس، فيَنال بتعلُّمه درجة المتعلِّمين، وبتلقينه درجة العالِمين، فيكون حُجَّةً له، لا عليه.

الشرح المفصَّل للحديث:

يُخبِر النبيُّ ﷺ أن خيرَ الناس، وأفضلَهم، وأعلاهم درجةً عند الله تعالى مَن أَقبَل على القرآن الكريم، فتَعلَّمه تلاوةً وحِفظًا وعَملاً، فأصبح عالِمًا بمعانيه وأحكامه، ثم أقبل على تعليمه للناس، فيَنال بتعلُّمه درجة المتعلِّمين، وبتلقينه درجة العالِمين، فيكون حجَّةً له، لا عليه، "ولا شكَّ أن الجامع بين تعلُّم القرآن وتعليمه مكمِّل لنفسه ولغيره، جامعٌ بين النفع القاصر والنفع المتعدِّي؛ ولهذا كان أفضلَ، وهو من جملة من عَنى سبحانه وتعالى بقوله:

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) " [1].

[فصلت: 33]

فالخيرية لصاحب القرآن أن يجمع بين التعلُّم والتعليم، وهذا من أفضل أعمال البِرِّ والخير عند الله تعالى، وبذلك ينال صاحب القرآن العاملُ به الدرجةَ العالية عند الله تعالى

عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا»[2].

وإن "قراءة القرآن أفضلُ أعمال البرِّ كلِّها؛ لأنه لَمَّا كان مَن تعلَّم القرآن أو علَّمه أفضلَ الناس وخيرَهم، دلَّ ذلك على ما قلناه؛ لأنه إنما وجبت له الخيرية والفضلُ من أجل القرآن، وكان له فضل التعليم جاريًا، ما دام كلُّ من علَّمه تاليًا"[3].

لذا؛ كان السلف يحرصون على تعلُّم القرآن وتعليمه؛ ليرتفع شأنهم عند الله تعالى؛ فهذا أبو عبد الرحمن السُّلَميِّ، راوي الحديث عن عثمانَ - رضي الله عنه - يجلس للإقراء من عهد إمرة عثمانَ رضي الله عنه، حتى عهد الحجَّاج، ويقول: "وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا".

وكما يرفع القرآنُ من شأن صاحبه في الآخرة، يَرفَع من شأنه في الدنيا أيضًا؛ فعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، فقال: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ فقال: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ  قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»[4].

المراجع

  1. "فتح الباري" لابن حجر (9/ 76).
  2. رواه أحمد (6799)، وأبو داود (1464)، والترمذيُّ (2914)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (1317): "إسناده حسن صحيح، وصحَّحه ابن حبان والحاكم والذهبيُّ".
  3. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (10/ 265).
  4. رواه مسلم (817).


النقول:

قال ابن بطال رحمه الله: "قراءة القرآن أفضلُ أعمال البرِّ كلِّها؛ لأنه لَمَّا كان مَن تعلَّم القرآن أو علَّمه أفضلَ الناس وخيرَهم، دلَّ ذلك على ما قلناه؛ لأنه إنما وجبت له الخيرية والفضلُ من أجل القرآن، وكان له فضل التعليم جاريًا، ما دام كلُّ من علَّمه تاليًا"[1].

قال الملا علي القاري رحمه الله: "«خَيْرُكُمْ»؛ أي: يا معشرَ القُرَّاء، أو يا أيّتها الأمّة؛ أي: أفضلكم كما في رواية. «من تعلّم القرآن»؛ أي: حقَّ تعلُّمه، «وعلَّمه»؛ أي: تعليمه، ولا يتمكَّن من هذا إلّا بالإحاطة بالعلوم الشّرعيّة، أصولها وفروعها مع زوائد العوارف القرآنيّة وفوائد المعارف الفوقانيّة، ومثل هذا الشّخص يُعَدُّ كاملًا لنفسه، مكمِّلًا لغيره؛ فهو أفضل المؤمنين مطلقًا، ولذا؛ ورد عن عيسى - عليه الصّلاة والسّلام -: "من عَلِم وعَمِل وعلَّم يُدعى في الملكوت عظيمًا"، والفرد الأكمل من هذا الجنس هو النّبيُّ ﷺ ثمّ الأشبه فالأشبه، وأدناه فقيه الكتاب، واللّه أعلم بالصّواب. وقال الطِّيبيُّ: "أي: خير النّاس باعتبار التّعلُّم والتّعليم من تعلَّم القرآن وعلَّمه"، وقال مِيرَكُ رحمه اللّه: "أي: من خيركم؛ لورود ذلك المعلِّم والمتعلِّم أيضًا". قلت: كلُّ ما ورد داخل في المعلِّم والمتعلِّم، كلُّ الصَّيد في جوف الفِرا، ولا يُتوهَّم أنّ العمل خارج عنهما؛ لأنّ العلم إذا لم يكن مورِثًا للعمل، فليس علمًا في الشّريعة؛ إذ أجمعوا على أنّ من عصى اللّه فهو جاهل، مع أنّه قيل للإمام أحمدَ: إلى متى العلم، فأين العمل؟ قال: عِلْمُنا عَمَل. ثمّ الخطاب عامٌّ لا يختصُّ بالصّحابة، كذا قيل، ولو خصَّ بهم فغيرهم بالطَّريق الأَولى، والقرآن يُطلَق على كلِّه وبعضه، ويصبح إرادة المعنى الثّاني هنا باعتبار أنّ من وجد منه التّعلُّم والتّعليم، ولو في آية، كان خيرًا ممَّن لم يكن كذلك، ووجه خيريّته يُعلَم من الحديث الصّحيح: «أهل القرآن هم أهل اللّه وخاصّته»[2]، والحاصل أنّه إذا كان خيرُ الكلام كلامَ اللّه، فكذلك خير النّاس بعد النّبيِّين من يتعلَّم القرآن ويعلِّمه؛ لكن لا بدَّ من تقييد التّعلُّم والتّعليم بالإخلاص؛ قال الإمام النّوويُّ - رحمه اللّه - في الفتاوى: تعلُّم قدر الواجب من القرآن والفقه سواء في الفضل، وأمّا الزّيادة على الواجب فالفقه أفضلُ. اهـ، وفيما قاله نظر ظاهر مع قطع النّظر عن إساءة الإطلاق؛ لأنّ تعلُّم قدر الواجب من القرآن علم يقينيٌّ، ومن الفقه ظنّيٌّ، فكيف يكونان في الفضل سواءً، والفقه إنّما يكون أفضل لكونه معنى القرآن، فلا يقابل به، نعم، لا شكَّ أنّ معرفة معنى القرآن أفضل من معرفة لفظه، وأنّ المراد بالقدر الواجب من القرآن تعلُّم سورة الفاتحة مثلًا"[3].

قال المناويُّ رحمه الله: "«خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه»؛ أي: خيرُ المتعلِّمين والمعلِّمين من كان تعلُّمه وتعليمه في القرآن، لا في غيره؛ إذ خيرُ الكلام كلام الله، فكذا خيرُ الناس بعد النبيِّين مَن اشتغل به، أو المراد خيرُ المتعلِّمين مَن يعلِّم غيره، لا من يقتصر على نفسه، أو المرادُ خيريَّةٌ خاصَّة من هذه الجهة؛ أي: جهة حصول التعليم بعد العلم، والذي يعلِّم غيره يَحصُل له النفع المتعدِّي بخلاف من يعمل فقط؛ ولذلك استظهروا رواية الواو على (أو)؛ لاقتضائها إثباتَ الخيرية لمن فعل أحد الأمرين، ولا شكَّ أن الجامع بينهما مكمِّل لنفسه ولغيره، فهو الأفضل. وقال بعض المحقِّقين: والذي يَسبِق للفَهم مِن تعلُّم القرآن حِفْظُه وتعلُّم فِقهه؛ فالخِيَارُ مَن جَمَعَهما. قال الطِّيبيُّ: ولا بدَّ من تقييد التعلُّم والتعليم بالإخلاص، فمن أخلَصَهما وتخلَّق بهما، دَخَل في زُمرة الأنبياء"[4].

قال ابن عثيمين رحمه الله: "«خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه»: الخطابُ للأمَّة عامَّةً؛ فخيرُ الناس مَن جَمَع بين هذين الوصفينِ من تعلُّم القرآن وعلَّم القرآن، تعلَّمه من غيره، وعلَّمه غيرَه، والتعلُّم والتعليم يَشمَل التعلُّم اللفظيَّ والمعنويَّ، فمن حَفِظ القرآن؛ يعني: صار يعلِّم الناس التلاوة، ويحفِّظهم إيَّاه، فهو داخل في التعليم، وكذلك من تعلَّم القرآن على هذا الوجه، فهو داخل في التعلُّم. والنوع الثاني: تعليم المعنى؛ يعني: تعليم التفسير؛ أن الإنسان يجلس إلى الناس يعلِّمهم تفسير كلام الله عزَّ وجلَّ... فإذا علَّم الإنسان غيرَه كيف يفسِّر القرآن وأعطاه القواعد في ذلك، فهذا من تعليم القرآن"[5].

قال ابن القيم رحمه الله: "وتعلُّم القرآن وتعليمُه يتناول تعلُّم حروفه وتعليمها، وتعلُّم معانيه وتعليمها، وهو أشرف قسمَيْ علمِه وتعليمه؛ فإن المعنى هو المقصود، واللّفظ وسيلة إليه، فتعلُّم المعنى وتعليمه، تعلُّم الغاية وتعليمها، وتعلُّم اللّفظ المجرَّد وتعليمه، تعلُّم الوسائل وتعليمها، وبينهما كما بين الغايات والوسائل"[6].

قال ابن حجر رحمه الله: "نقول: يُحتمَل أن يكون المراد بالخيريّة من جهة حصول التّعليم بعد العلم، والّذي يعلِّم غيره يحصل له النَّفع المتعدِّي بخلاف من يعمل فقط؛ بل من أشرف العمل تعليم الغير؛ فمعلِّم غيره يستلزم أن يكون تعلُّمه وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفع متعدٍّ، ولا يُقال: لو كان المعنى حصولَ النَّفع المتعدِّي، لاشترك كلُّ من علَّم غيره علمًا ما، في ذلك؛ لأنّا نقول: القرآن أشرف العلوم، فيكون من تعلَّمه وعلَّمه لغيره أشرفَ ممَّن تعلَّم غير القرآن، وإن علَّمه، فيثبت المدَّعى، ولا شكّ أن الجامع بين تعلُّم القرآن وتعليمه مكمِّل لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدِّي؛ ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من عنى سبحانه وتعالى بقوله:

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

[فصلت: 33]

والدّعاء إلى اللّه يقع بأمور شتّى، من جُملتها تعليم القرآن، وهو أشرف الجميع... فإن قيل: فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه، قلنا: لا؛ لأنّ المخاطَبين بذلك كانوا فقهاء النّفوس؛ لأنّهم كانوا أهل اللّسان، فكانوا يدرون معاني القرآن بالسّليقة أكثر ممّا يدريها من بعدهم بالاكتساب، فكان الفقه لهم سجيّةً، فمن كان في مثل شأنهم، شاركهم في ذلك، لا من كان قارئًا أو مُقرئًا محضًا لا يفهم شيئًا من معاني ما يقرؤه أو يُقرئه، فإن قيل: فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممّن هو أعظم غِناءً في الإسلام بالمجاهدة والرّباط والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مثلًا، قلنا: حرف المسألة يدور على النّفع المتعدّي، فمن كان حصوله عنده أكثر، كان أفضل؛ فلعلّ (من) مضمرة في الخبر، ولا بدّ مع ذلك من مراعاة الإخلاص في كلّ صنف منهم، ويُحتمَل أن تكون الخيريّة وإن أُطلقت؛ لكنّها مقيَّدة بناس مخصوصين خوطِبوا بذلك، كان اللّائق بحالهم ذلك، أو المراد خير المتعلِّمين من يعلِّم غيره، لا من يقتصر على نفسه، أو المراد مراعاة الحيثيّة؛ لأنّ القرآن خير الكلام، فمتعلِّمه خير من متعلّم غيره بالنّسبة إلى خيريّة القرآن، وكيفما كان فهو مخصوص بمن علَّم وتعلَّم، بحيث يكون قد عَلِم ما يجب عليه عَينًا"[7].

قال بدر الدين العينيُّ رحمه الله: "قَوْله: فَإِن قلت: أيما أفضل: تعلُّم الْقُرْآن أَو تعلُّم الْفِقْه؟ قلتُ: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: تعلُّم اللَّازِم مِنْهُمَا فرضٌ على الْأَعْيَان، وَتعلُّم جميعهما فرضٌ على الْكِفَايَة، إِذا قَامَ بِهِ قومٌ سَقَط عَن البَاقِينَ، فَإِن فَرضنَا الْكَلَام فِي التزيُّد مِنْهُمَا على قدر الْوَاجِب فِي حقِّ الْأَعْيَان، فالمتشاغِل بالفقه أفضلُ، وَذَلِكَ رَاجعٌ إِلَى حَاجَة الْإِنْسَان؛ لِأَنَّ الْفِقْه أفضل من الْقِرَاءَة، وَإِنَّمَا كَانَ القارئ فِي زمن النَّبِيِّ ﷺ هُوَ الأفقهَ؛ فَلذَلِك قدَّم القارئ فِي الصَّلَاة"[8].

قال قتادة رحمه الله: "لم يُجالس هذا القرآنَ أحدٌ إلَّا قام عنه بزيادة أو نقصان"[9].

قال النوويُّ رحمه الله: "وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ: «وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»، فمعناه ظَاهِرٌ؛ أي: تَنْتَفِعُ به إِنْ تَلَوْتَهُ وَعَمِلْتَ به، وإلَّا فهو حُجَّةٌ عليك"[10].

قال القرطبيُّ رحمه الله: "قوله: «والقرآن حجَّةٌ لكَ أو عليكَ» يعني: أنك إذا امتثلتَ أوامره، واجتنبتَ نواهيَه، كان حجَّةً لكَ في المواقف التي تُسأل فيها عنه؛ كمسألة الملَكَين في القبر، والمسألة عند الميزان، وفي عقبات الصراط، وإن لم تمتثِل ذلك احتجَّ به عليك. ويُحتَمل أن يُراد به: أن القرآنَ هو الذي يُنتهى إليه عند التنازع في المباحث الشرعية والوقائع الحُكمية، فبه تَستدِلُّ على صحَّة دعواكَ، وبه يَستدِلُّ عليكَ خَصمكَ"[11].

قال ابن عثيمين رحمه الله: "قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «والقرآن حجَّة لك أو عليك»؛ لأن القرآن هو حبل الله المتين، وهو حجَّة الله على خلقه، فإما أن يكون لك، وذلك فيما إذا توصَّلت به إلى الله، وقُمت بواجب هذا القرآن العظيم من التصديق بالأخبار، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وتعظيم هذا القرآن الكريم واحترامه؛ ففي هذه الحال يكون حجَّةً لك. أما إن كان الأمر بالعكس، أَهنْتَ القرآن، وهجرتَه لفظًا ومعنًى وعملًا، ولم تقم بواجبه، فإنه يكون شاهدًا عليك يوم القيامة "[12].

قال الملا علي القاري رحمه الله: "«إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ»؛ أي: بالإيمان به، وتعظيم شأنه، والعمل به، والمراد بالكتاب: القرآن البالغ في الشَّرف، وظهور البرهان مبلغًا لم يَبلُغه غيره من الكتب المنزَّلة على الرّسل المتقدِّمة. «أقوامًا»؛ أي: درجة جماعات كثيرة في الدّنيا والآخرة بأن يُحييَهم حياةً طيّبةً في الدّنيا، ويجعلهم من الّذين أنعم اللّه عليهم في العقبى. «ويضع به آخرين»؛ أي: الّذين كانوا على خلاف ذلك من مراتب الكاملين إلى أسفل السّافلين

قال تعالى:

(يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا)

[البقرة: 26]

فهو ماء للمحبوبين دماء للمحجوبين

وقال - عزّ وجلّ -:

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)"[13].

[الإسراء: 82]

المراجع

  1. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (10/ 265).
  2. رواه أحمد (12279)، والنسائيّ (7977) بلفظ: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «إنّ للّه أهلين من خلقه» قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته»، وصحّحه الألبانيّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1432).
  3. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (4/ 1452، 1453).
  4. "فيض القدير" للمناويِّ (3/ 499).
  5. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (4/ 639، 640).
  6. "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 74).
  7. "فتح الباري" لابن حجر (9/ 76).
  8. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (20/ 43).
  9. "أخلاق حملة القرآن" للآجرِّيِّ (ص : 73).
  10. "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 102).
  11. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبيِّ (1/ 477).
  12. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (1/ 191، 192).
  13. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (4/ 1457).


مشاريع الأحاديث الكلية