عَنْ جَابِرِ بنِ عبدالله - رضي الله عنهما - قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ»

فقهٌ:

1. يخبر النبي ﷺ عن ربه عز وجل: بأنه يطرد من رحمته أشخاصًا متعددين اشتركوا في جريمة واحدة.

2. وهو في هذا الحديث يخبر بلعن آكِل الرِّبا، وهو الذي يأخذ المالَ من النَّاس في التعاملات الربوية، وسواء استعمله في أكل الطعام أو أي استهلاك.

والربا زيادةٌ يأخذها أحدُ المتعاقدين في مقابلة مالٍ بمالٍ بلا عوض، كأن يُقرض إنسانٌ أو مصرفٌ أو متجرٌ إنسانًا ألفًا؛ على أن يأخذها بعد شهرٍ ألفًا ومائتين، أو يشترط عليه بأن التأخير عن موعد السداد فيه غرامة مالية، أو يشتري سندًا ماليًا كتب عليه ألف ومائتان يحصِّله في تاريخ كذا، وهو لم يدفع إلا ألفا، ولها أنواع وصور أخرى، وقد تسمى في التعاملات المالية باسم الفوائد، أو غرامات تأخير، أو غيرها.

3. كما أن اللعنة أيضا تلحق من يعطى الزيادة الربوية، وهو المتعاقد الذي رضي بأن يدفع المال الزائد مقابل التأخير ونحوه، فهو قد أعان على أكلِ الرِّبا، وفي الغالب أنها ليست ضرورة تتوقف عليها حياة الناس، بل أكثرها لتحسين مسكن أو مركب أو غيرها.

والربا قد يكون زيادة المال النقدي وقد يكون بغيره؛ كأن يعطيه هدية ويقول: أقرضني ألفًا؛ فحتى لو رد عليه ألفًا تمامًا فقد زاد الهدية.

4. كما يخبر  بلعن الكاتبِ الذي يكتب عقدَ التعامل الرِّبوي، أو يُسهم في كتابته؛ سواء كتبه باليد، أو بالآلة، أو بتصميم الوثائق، أو بإدخال البيانات، أو نغير ذلك

5. وكذلك لعن الشاهدَين اللذين يشهدان لإثبات حقُّوق المتعاقدين،

6. وأخبر أنهم كلهم سواء في حصولهم على  اللعنة، لأنهم يتعاونون على الإثم والعدوان، وقد نهى اللهُ تعالى عن ذلك،

فقال سبحانه:

{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}

[المائدة: 2].

اتباع:

1. كلنا نحتاج إلى رحمة الله تعالى، وكلنا يتوسل إلى الله تعالى أن يرحمه، فمتى ما سمعت أمرًا لعنه الله أو لعن صاحبه فاهرب منه.

2. قد يتسخط بعضهم على القدر، أو لتألمه وتأخر إجابة الله تعالى لدعائه، ويوسوس في نفسه لِم لمْ يرحمني الله؟ مع أنه ربما كان واقعًا في أنواع توجب اللعنة والطرد من رحمة الله تعالى ولا يبالي.

3. يغترَّ الإنسان، فيتساهل في الرِّبا ، مع أن الربا من المُوبقات [1]، فهي تهلك ماله ودنياه وأخراه، فلا تطع من يدعوك للرّبا؛ سواء كان صاحبًا تاجرًا، أو تقريرًا اقتصاديًا، أو إعلانًا مبهرجًا، فإنَّ الله تعالى ينزع البركةَ من مالِ المُرابي، 

قال سبحانه:

 {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}  

[البقرة: 276].

4. الربا محرم ومعلون كل مشارك فيه، فلا يجوز المشاركة في أي عقد ربوي، حتى لو قال المقترض مثلاً : "إني أستطيع أن أرد المبلغ في الوقت المحدد بدون ربا"، لأن نفس كتابة العقد محرم، ولعن الله كاتبه.

5.احرص على ألَّا تكسب إلا المال الحلال؛ فإنَّ أكل الحرام يحول بين العبد وبين إجابة الدُّعاء. وفي الحديث أن النبيَّ  ذكَر الرجُلَ يُطِيل السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ، ومشرَبُه حرامٌ، ومَلبسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام؛ فأنَّى يُستجاب لذلك؟!» [2].

6. حرص السَّلفُ رضوان الله عليهم على إطابة المطعم، وتحذير النَّاس من أكل الحرام؛ قَالَ وَهْبُ بْنُ الْوَرْدِ رحمه الله: "لو قمتَ مَقامَ هذه السّارية، لم ينفعْكَ شيء حتّى تَنظُر ما يَدخُل بطنَك حلال أو حرام" [3]، وسُئل الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ رحمه الله: بمَ تَلين القلوب؟ ثم أطرَقَ ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: "بأكل الحلال" [4].

7. 

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:

«رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ، رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ، رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبا»

[5]

8. إن اللهَ سبحانه إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنَه، والمعاونةَ عليه، وشهودَه من غير إنكارٍ على فاعلِه، فلا تسهم في معصية حتى لو قلتَ: إني لم أعملها.

9. إذا كنتَ تتعاملُ بالرِّبا وأردتَ التوبة، فأعد الزيادة الربوية إلى أربابِها، ولا تأخذ غير حقِّك المشروع؛ فإن ردَّ المظالم شرطٌ في التَّوبة.

10. إذا كان هناك من يتعامل بالرِّبا، فينبغي نُصحُه ودعوتُه إلى الحقِّ، وربما ينفع معه هجرُ التعامل معه تأديبًا وزجرًا له، ومنه البنوك التي لها تعامل ربوي وتعامل إسلامي، ولكن لا بأس أن يتعامل بشيءٍ مباحٍ لا يوجد عند غيره، أو يصعب حصولُه من غيره؛ فقد تعاملَ النبيُّ  مع اليهود وباع واشترى منهم، وهم أهلُ الرِّبا.

11. قال الشاعر:

رَأَيْتُ حَلالَ الْمَالِ خَيْرَ مَغَبَّةٍ = وَأجْدَرَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ

وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ = وَبَالٌ إِذَا مَا قُدِّمَ الْكَفَنَانِ

المراجع 

1. لحديث: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «... وَأَكْلُ الرِّبَا...» الحديث، رواه البخاري (6857)، ومسلم (89).

2. رواه مسلم (1015).

3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 263).

4. "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزيِّ  (ص 269).

5. رواه البخاريُّ (2085).


مشاريع الأحاديث الكلية