عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»
لمَّا كانت حياةُ الناس قائمةً على البيع والشِّراء، حتى إنَّ حياتَهم لا تَستقيم بدونها، نظَّم الإسلامُ أحكام ذلك، فجعَل الأصلَ في البيوعِ الإباحة، إلا ما دلَّ الدليلُ على تحريمه لفسادِه أو دُخولِ الجَهالةِ أو الربا فيه.
1. ومن تلك البيوعِ التي حرَّمها اللهُ سبحانه بيعُ الحصاة، وهو بيعٌ كان متداولًا في الجاهلية، وله صُوَرٌ متعددة؛ منها أن يقول البائعُ: بِعتُك مِن هذه الأرض مِن هنا إلى حين تَنتهي الحصاةُ، ثم يَرمي بالحصاة، ومنها أن يكون البيعُ بالخيارِ إلى حين تَسقُط الحصاةُ مِن يدِ المشتري، ومنها أن يَرمي حصاةً على قطيعٍ من غَنَمٍ، وأيَّ شاةٍ أصابتها الحصاةُ وقَع عليها البيع، ومنها أن يَقبِض على الحصى ويقولَ: لي بكلِّ حصاةٍ درهمٌ ثمنًا للسِّلعة. إلى غير ذلك من الصور التي يتضمَّنها جميعًا الجهالةُ والخَطَر وأكْلُ أموال الناس بالباطل.
2. وحرَّم كذلك بيعَ الغَرَر، وهو كلُّ بيعٍ كان المقصودُ منه مجهولًا غيرَ معلوم، أو كان غيرَ مَقدورٍ على تَسليمه؛ كبيع السَّمَك في البحر، وبيعِ جَنِين الحيوانِ في بطْنِ أمِّه، وبَيع اللَّبن في الضَّرع. فكلُّ ذلك من الغَرَر المنهيِّ عنه لِما فيه من الجَهالة؛ فالسَّمَك لا يُدرى عددُه ولا حجمه، وربما عجَز المرءُ عن صيدِه، والجنينُ لا نَعلم أيخرُجُ حيًّا أم ميتًا، كاملًا أم ناقصًا، واللَّبنُ في الضَّرْع لا يُدرى صِحته من فسادِه، ولا يُعلَم وزنُه. وبيعُ الحصاةِ من بيوعِ الغررِ، إلَّا أنَّ النبيَّ ﷺ أفردَه بالذِّكر لكثرةِ وقوعِه في الجاهلية.
على أنَّ الشرعَ أحلَّ بعض البيوع التي فيها غَررٌ يسيرٌ لأجل الحاجة، فإنْ لم يكُن للبائعِ والمشتري حاجةٌ فلا يجوزُ البيعُ، وإن كان الغررُ كبيرًا لم يَجُزْ كذلك. فمِن الغرَرِ اليسيرِ أن يَبيع الشاةَ بولدِها في بطنِها، وأن يبيعَها باللبنِ في ضَرعِها، وأن يشتريَ الرجلُ شربةً ماءٍ بدِرهم مثلًا، مع اختلاف حاجاتِ الناسِ إلى الماء، فربما يَشربُ رجلٌ أكثر من رجُل. فلمَّا كان الغررُ يسيرًا وللناسِ في تلك البيوع حاجةٌ جاز ذلك [1].
(1) على المسلم أن يهتمَّ بمعرفة ما يحِلُّ ويَحرُم من البيوع؛ حتى لا يقع في البيوع المحرَّمة ويأكلَ أموال النَّاس بالباطل.
(1) يَدخل في بيعِ الحصاةِ الآن بعضُ الألعاب المحرَّمةِ التي تَعتمد على أن يرمي الرجلُ عُملةً مَعدنيةً نحو شيءٍ معيَّن، فإن أصابه فاز به، وإن أخطأه خَسِر.
(1) احرِص أن يكون بيعُك وشراؤك صحيحًا شرعًا؛ فيكون الشيءُ معلومًا، وثمنُه معلومًا، وأجلُه – إن لم يكن يدًا بيد – معلومًا.
(2) الأصل في البيوع الحِلُّ، إلا أنَّ الحُرمةُ قد تتطرَّق للبيع من إحدى ثلاثة أمور: الأول: حُرمة العين كبَيع الميتة والخنزيرِ والخَمر ونحوها، الثاني: الغرَر لجهالة شيءٍ في المبيع أو الثَّمن أو عدم القدرة على تسليمِه، الثالث: وقوعُ الرِّبا في البيع. فاحرِص على أن يَخلو بيعُك وشراؤك من تلك الأمور.
(2) مِن صُوَر بيع الغرر المنتشِرة: بيع ما لم تَرَه، وهو أن يشتري الإنسانُ شيئًا لم يَرَه ولم يتحقَّق مِن مُواصفاته.
(2) مِن صُوَر بيع الغرر أن يشتري الإنسانُ شيئًا مجهولًا؛ كأن يشتري ثوبًا من أثواب، بأن يرى أثوابًا مختلِفةً يَشتري منها واحدًا لا على التعيينِ، بل حسَبِ ما يخرُج له في اختيار عشوائي.
(2) من أكثر صُوَر بيعِ الغرَرِ المنتشرة الآن: صناديقُ الهدايا المجهولة، وهو أن يَشتري الإنسان صندوقًا بمبلغٍ معيَّنٍ، ولا يدري ما فيه.
(2) من صُوَر بيع الغرَرِ المنتشرة: أن يَشتري الطفلُ كِيسًا فيه هديةٌ لا يَدري ما هي، وربما لم يكن فيه شيءٌ، وهو ما يُسمى بالبخت أو ورَقِ الحظ.
(2) مِن أبرز صُوَر بَيع الغرَرِ المنتشِرة: أن يبيعَ الرجلُ محصولَ أرضه لسِنينَ قادمة.
قال الشاعر:
وَفِي النَّاسِ مَن ظُلمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ = وَيَنْشُرُ أَعْذارًا بها يَتَأوَّلُ
جَرِيءٌ على أَكْلِ الحرامِ ويدَّعِي = بأنَّ له في حِلِّ ذلك مَحْمَلُ
فَيَا آكِلَ الْمَالِ الحرامِ أَبِنْ لَنَا = بأيِّ كتابٍ حِلُّ مَا أَنْتَ تَأكُلُ؟
ألمْ تَدْرِ أَنَّ اللهَ يَدْرِي بما جَرَى = وبينَ البَرايَا في القِيامةِ يَفْصِلُ
1. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 156).