149 - سَعةُ رَحمةِ اللهِ تعالى

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «جَعَلَ اللهُ الرَّحمةَ في مِائَةِ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا؛ خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ» متفق عليه

فقه

  1. يخبر النبيُّ ﷺ أن اللهَ تعالى قد قسّم الرحمة إلى مائة جزء.

وهو تقريب من النبيِّ ﷺ للمعنى، والله أعلم بكيفيته، ولكن المقصود به أن هناك رحمات كثيرة جعلها الله تعالى مُعدة للعباد، والمراد: تقليلُ ما عندنا وتكثير ما عنده سبحانه من الرحمة[1].

2. ثُمَّ فصَّل ﷺ ذلك بأن أخبر أنَّ تسعة وتسعين بالمائة من تلك الرحمات ستكون في الآخرة لعباده، وأن كل ما نراه في الدنيا من آثار الرحمة؛ كرحمة الأم بولدها الصغير، وما به تراحم الناس وتسامحهم فيما بينهم من الحقوق، بل حتى من الدواب ما علمنا منها وما لم نعلم: إنما هو من ذلك الجزء الذي أنزله الله تعالى.

فإذا كان ما نراه في الأرض من الرحمات حاصلًا من جزءٍ واحدٍ من مائة جزء، فكيف بسائر الأجزاء التي أعدَّها الله عزَّ وجلَّ لعباده في الآخرة..؟. فهي عند الله تعالى مدخرة ومؤخرة إلى يوم القيامة، فتحصل للناس رحمات أضعاف أضعاف ما وجدوه في الدنيا، فيغفر لهم سبحانه ويعفو، وييسر أن يعفوا بعضهم عن بعض ..

3. ثم ضرب ﷺ مثالًا على تلك الرحمة التي أنزلها الله عزَّ وجلَّ على عباده، وهو أن الحيوانات والسِّباع تتراحم فيما بينها، فلا يأكل السبعُ ولدَه، حتى أن أنثى الحصان على سرعتها وخفة حركتها: ترفع قدمها عن ولده لئلا يؤذيه.

وهو مثال مصغر من أمثلة هذا الجزء الواحد، وبه يتضح سعة رحمة الله تعالى.

اتباع

  1. رحمة الله واسعة ، لكن له رحمة تعم الخلق ، ورحمة خاصة هي أعظم وأكمل لمن اتقى وآمن:

    ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾

    [الأعراف: 156].

    فمن أراد أن يُحَصِّل ذلك الجزاء الموفور من رحمة الله تعالى فليسارع في الدخول في سلك عباد الله المتقين، فيقيم حدوده، ويأتمر بأوامره، وينتهي عمَّا نهاه الله عنه.

  2. إذا كانت الحيوانات والسِّباع التي لم يُعطها الله العقلَ والحكمةَ، تتراحمُ فيما بينها، فكيفَ بمن نُزعت الرحمةُ من قلبه؟! مَن لا يَرحَم لا يُرحَم.

  3. متى رأيت الله تعالى ابتلاك أو ابتلى عبدًا ببلاء فاعلم أن ذلك صادر عن حكمة عظيمة، وإلا فإنه سبحانه لا تنقصه الرحمة، ومتى رأيته لعن أحدًا أو حكم على أحدٍ بنار دائمة فاعلم أنه يستحقه. 

  4. لا يضق صدرك لضرٍّ نزل بك، فما أوسع رحمةَ الله تعالى، وما أوشك تداركها لعباده الضعفاء الذين يطلبونها منه، ويحسنون ظنهم به.

  5. ربٌّ رحيمٌ يُنزّل من رحماته ما تستقيم به حياتنا، ويدَّخر منها ما نتراحم به يوم لا دينار ولا درهم، وإنما القصاص بالحسنات والسيئات، والمُفلس من استنفد القصاصُ حسناتِه وأكثر سيئاتِه، ثم يجعل منها ما يحمل الملائكة على الدعاء لنا بالرحمة والمغفرة ورفعة الدرجات، والجزء الأعظم منها أن يتجاوز بعد ذلك عن ذنوبنا ويغفر لنا ويعفو عن تقصيرنا في عبادته وامتثال أمره. إنَّ امرأً غفل عن شكره والإنابة إليه بعد ذلك لمغبونٌ غافل.

  6. قال الشاعر:

إليكَ إلهَ الخلقِ أرفعُ رغبتي = وإنْ كنتُ يا ذا المنِّ والجودِ مجرما

ولـمَّـا قسا قلبي وضاقتْ مذاهبي = جعلْتُ الرَّجا مني لِعفوكَ سُلَّما

تعاظمني ذنبي فلـمَّـا قرنْتُهُ = بعفوِكَ ربي كانَ عفوُكَ أعظما

وما زلتَ ذا عفوٍ عن الذنبِ لمْ تزلْ =  تجودُ وتعفو مِنَّةً وتكرُّما

المراجع

  1. ينظر: "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (9/ 213- 214)، "إرشاد الساري" للقسطلاني (9/19).


مشاريع الأحاديث الكلية