97 - حسنُ الكلامِ والمُعاملة

عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الكَعْبيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ» قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

فقه:

1- يخبر النبيُّ ﷺ عن بعضِ خصال الخير، فيذكر منها إكرامَ الجارِ، فالمؤمنُ مطالبٌ بإكرام جارِه وحفظِ حقوقه، فيتعاهده بالبرِّ والخير، ويتفقَّدُ حالَه، ويلاطفه في القول، ويعاونه فيما يحتاج، ولا يؤذيه بقولٍ أو فعلٍ. 

ولهذا أوصى اللهُ سبحانَه بالإحسانِ إلى الجار، قال سبحانه:

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}

[النساء: 36]

ونزل جبريل مرارًا على النبيِّ ﷺ يُوصيه بجارِه، قال ﷺ:

«مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»[1].

وقد أقسم ﷺ على نقصِ إيمان مَن آذى جارَه، قال ﷺ:

«وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»[2].

2- كما ذكر أيضًا إكرامَ الضيفِ، وجعله من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر، وقد أخبر ﷺ أنَّ هَدِيَّةَ المُضَيِّف لضيفه وعَطِيَّتَه له أن يُكرمه ويجودَ عليه بأطيب الطعام والفراش في يومِه وليلته، ثم بعد ذلك يُطعمه مِمَّا يأكل من غير تَكَلُّفٍ، وتمام الضيافةِ ثلاثةُ أيام، فإن أحبَّ المُضَيِّفُ أن يُقيم الضيفُ عنده بعدَ ذلك فهو صدقةٌ وتَفَضُّلٌ منه، ولا لَوْمَ عليه إن لم يفعل؛ فقد أدَّى ما عليه بإكرامِه إلى ثلاثة أيام.

وإنَّما جعل ﷺ للضيفِ جائزةً في أولِ يومٍ وليلةٍ لما حصل له من التعب والمشقَّة في سَفَرِه، فيرتاح بذلك، ويأنس إلى مُضَيِّفِه، فتشتدُّ أواصرُ المحبة والتوادِّ بين المسلمين، فإذا حَصَل ذلك لم يَتَكَلَّفِ المُضَيِّفُ بعدُ، وإنَّما يُطعمُه ممَّا يجد.

3- ثم ذكر ﷺ الخصلة الثالثة، وهي أنَّ المؤمن عليه أن ينظر في كلامِه الذي يُريد أن يتكلم به؛ فإن وجده خيرًا أو سبيلًا إلى خيرٍ قالَه، وإن وجده غيرَ ذلك سَكَتَ؛ فإنَّ السكوتَ غنيمةٌ إذا كان الكلامُ فيه معصيةٌ أو مفضيًا إلى معصية، والمرءُ مُحاسَبٌ على كلِّ ما يتلفَّظُ به، قال تعالى:

{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}

[ق: 18]

«إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ»[3].

وهذا الحديثُ من جوامع أبواب الخير، حتى إنَّ أهلَ العلم ذكروا أنَّ الآداب الإسلامية تدور حول أربعة أحاديث؛ هذا الحديث، وحديث: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، وقوله ﷺ للذي اختصر له الوصية: «لا تغضب»، وقوله ﷺ:

«لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه»"[4].


اتباع:

1- (1) من علامات استقرارِ الإيمان وزيادته في قلب العبد المؤمن أن يُكرم جارَه ولا يؤذيَه. ففَتِّش عن تلك الأمارةِ في نفسك.

2- (1) إياك أن تؤذيَ جارَك فتُحرم دخول الجنة؛ فقد قال ﷺ:

«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»[5].

3- (1) كُلَّما كان الجارُ أقربَ بابًا كان آكدَ حقًّا، وأولى بالإكرامِ. فينبغي على الجار أن يحفظ حقوقَ جارِه، فلا يتطلع إلى عوراته، بل يتعاهده بالهدايا والدعوة، ويلاطفه بالقول والفعل.

4- (1) ليس حسنُ الجوارِ مقتصرًا على إكرامِ الجارِ فحسب، بل كذلك أن تتحمَّلَ منه الأذى غير المتعمد، قال الحسن البصري رحمه الله: "ليس حُسْنُ الجِوار كفَّ الأذى، ولكنْ حُسْنُ الجوار احتمالُ الأذى"[6].

5- (2) إكرامُ الضيف من الإيمان باللهِ تعالى، والاقتداءُ بأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام؛ فقد وصف القرآنُ كرمَ خليل الرحمن إبراهيم ﷺ، وكان نبيُّنَا محمد ﷺ كريمًا جوادًا، أجودَ بالخير من الرِّيح المرسلة، ولهذا قال عبدُ الله بن عمرو رضي الله عنهما: من لم يُضِفْ، فليس من محمّد، ولا من إبراهيمَ[7].

6- (2) على المسلم أن يتصف بإكرام الضَّيف، وألَّا يردَّ نازلًا نزل به إن وجد خيرًا، وألَّا يقتصر ذلك منه على مَن يعرِف دون مَن لا يعرف؛ وقد نزل أبو هريرة على قومٍ لا يعرفونه، فأَبَوا أن يُضَيِّفوه، ثم إنَّه أتى بطعامٍ فدعاهم إليه فأَبَوا أن يأكلوا معه، فقال لهم: لا تُنزلون الضَّيف ولا تُجيبون الدّعوة! ما أنتم من الإسلام على شيء. فعَرَفه رجلٌ منهم، فقال له: انزل عافاك اللّه، فقال : هذا شرٌّ وشرٌّ، لا تُنزلون إلَّا من تعرفون؟![8].

7- (3) ينبغي على المسلم أن يتعاهد كلامَه، فلا يُطلق لسانَه فيما حلَّ وحرُم، قال عمر بن الخطاب: "من كَثُر كلامه، كثر سَقْطه، ومن كَثُر سقطه، كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه، كانت النّار أولى به"[9].

8- (3) قال محمّدُ بنُ عجلانَ رحمه الله: "إنّما الكلام أربعة: أن تَذكُر اللّه، وتقرأ القرآن، وتُسأل عن علم فتُخبر به، أو تَكلَّم فيما يَعنِيك من أمر دنياك" [10].

9- (3) قال رجل لسلمانَ ﷺ: "أوصني، قال: لا تَكَلَّمْ، قال: ما يستطيع من عاش في النّاس أن لا يتكلَّم، قال: فإن تكلَّمتَ، فتكلَّمْ بحقٍّ أو اسكُتْ" [11].

10- (3) كان أبو بكر الصّدّيق يأخذ بلسانه ويقول: "هذا أَوْرَدني الموارد" [12].

11- (3) قال ابن مسعود: "واللّه الّذي لا إله إلّا هو، ما على الأرض أحقُّ بطول سجن من اللّسان" [13].

12- (3) احفظ لسانَك تدخل الجنة؛ قال ﷺ:

«مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ»[14].

المراجع

  1. رواه البخاريُّ (6015)، ومسلم (2625)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
  2. رواه البخاري (6016).
  3. رواه البخاريُّ (6478)، ومسلم (2988).
  4. ينظر: "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 19).
  5. رواه مسلم (46).
  6. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (1/ 353).
  7. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 356).
  8. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 356).
  9. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 339).
  10. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
  11. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
  12. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
  13. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 340).
  14. رواه البخاري (6474).





مشاريع الأحاديث الكلية