عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ  قَالَ: «لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ، نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ»


فقهٌ:

1. قَضى النبيُّ ﷺ أنَّه لا يجوز للمرأة أن تَترُك الزينةَ والطِّيب حزنًا على مَن مات عنها من أبٍ أو أمٍ أو ابنٍ أو أخٍ أو أختٍ أو غيرهم أكثرَ من ثلاثةِ أيام، إلا الزوجَ؛ فإنَّها تَدَعُ الزينةَ والطِّيبَ والكُحلَ أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ.

فاكتفى في الميتِ القريبِ ونحوِه بثلاثةِ أيامٍ يحصُل فيها القيامُ بحقِّ الميت، والتفريجُ عن النفْسِ الحزينة. واستثنى من ذلك الزَّوجَ لعظيم حقِّه على امرأته، ولهذا لم يُفرِّق الشرعُ في إيجاب العدَّة والإحداد على المتوفَّى عنها زوجُها بين المدخول بها وبين التي لم يُدخَل بها [1].

واختصَّ ذلك بالوفاة لا الطلاقِ؛ لأنَّ في الزينةِ دعوةً للنِّكاح، والمُطَلِّقُ حيٌّ يمكِنُه زجْرَ مُطَلَّقتِه عن الزواجِ في عِدَّته إنْ أقدَمت على ذلك، بخلاف الميت الذي لا يمكِنُه ذلك، فجاء الإحدادُ أربعة أشهرٍ وعشرًا، وهي المدة التي يَكتمِلُ فيها نموُّ الجنينِ في رَحِم أُمِّه وزيادة عَشرة أيامٍ احتياطًا [2].

وهذا في حقِّ غيرِ الحامل، أما الحامل فعدَّتُها وإحدادُها مدَّةُ حمْلِها، طالت أو قَصُرَت [3]

لقوله تعالى:

{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}

[الطلاق: 4].

2. ثم فصَّل ﷺ بعضَ أحكامِ الإحدادِ المهِمةِ، فمنها ألَّا تَلبَس المُحِدَّة ثيابًا مصبوغةً للزينة، إلا ثوبًا يمنيًّا قديمًا كان يُصبَغ غزلُه قبل أن يُنسَج، وليس فيه من الزينةِ ما في غيرِه، ولهذا جاز لُبْسُه. كما أنَّها لا تَستعمِل الكُحلَ في عينها، ولا تَتطيَّب بالمِسكِ ونحوه من الروائحِ الطيِّبة، إلا إذا طهُرت من حَيضِها، فيجوز لها أن تَتطيَّب بجُزءٍ يسيرٍ جدًّا من القُسط، وهو العودُ الهنديُّ، عقارٌ معروفٌ طيِّبُ الريحِ، ويجوزُ لها كذلك حينئذٍ أن تتطيَّب بالأظفار، وهو نوعٌ من الطِّيب على شكل الأظافرِ، وكلاهما لا تفوحُ رائحتُهما إلا إذا استُعملا بَخورًا أو اختلَطا بغيرهما.

والنهيُ عن الاكتحالِ إنما إذا لم تَدْعُ الضرورةُ إليه، فإذا احتاجت إليه المرأةُ استعمَلَتْه بالليلِ ومسَحَته بالنهار؛ لقول أمِّ سلمة: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبِرًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟» فَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ صَبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، قَالَ: «إِنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ فَلَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ، وَتَنْزَعِينَهُ بِالنَّهَارِ» [4]، والصَّبِر: عصارةُ شَجرٍ مُرٍّ.

ومن الإحدادِ أيضًا تركُ الخُضابِ بالحِنَّاءِ والتَّحَلِّي بالذهب والفضة ونحوِها؛

لقوله ﷺ:

«المُتوَفَّى عنها زَوجُها لا تَلبَسُ المُعَصفَرَ مِنَ الثِّيابِ، ولا المُمَشَّقةَ، ولا الحُلِيَّ، ولا تَختَضِبُ، ولا تَكتَحِلُ» 

[5].

والمُمَشَّقة نوعٌ مِن الثيابِ مصبوغٌ بلَونٍ أحمَرَ.

اتباعٌ: 


  1. (1) أجاز الشرعُ الإحدادَ للمرأة تنفيسًا لها عن حُزنِها بفقدِ قريبٍ أو صديقةٍ، بشرط ألَّا يَنتُج عن ذلك اعتراضٌ على قَضاءِ اللهِ وقدَرِه، ولا يصاحبه شيءٌ مما يُغضِب اللهَ سبحانه؛ مِن لَطْم الخدود وشقِّ الجيوب ودَعاوى الجاهلية.

  2. (1) يجب على المرأة أن تُحدَّ على زوجها إذا مات عنها، سواءً دخَل بها أم لا؛ فإن كانت حاملًا فتُحِدُّ حتى تضع حمْلَها، وإلا فعدَّتُها أربعة أشهر وعشرةُ أيامٍ.

  3. (2) إذا احتاجت المرأةُ للكحل لوَجعٍ بعينها ولم تَجِد ما يداويها غير الكحل جاز لها ذلك للضرورة. 

  4. (2) يحرم على المرأةِ المُحِدَّةِ على زوجها كل أنواع الزينةِ؛ فيحرُم عليها لبس الحُلِيِّ والتخضُّب بالحناء والاكتحال ومسِّ الطيب ولُبْس الثياب التي تَلبَسها النساء لأزواجهن يتزينَّ بها. 

  5. (2) دلَّ الحديث على أنَّ المرأة تَستعمل الأدهان التي ليْس فيها طِيب، فيجوز لها أن تَدهُن شعرَها بالزيوت لتصفيفِه، لا للتطيُّب برائحته.

  6.  (2) للمُحِدَّة أن تَغتسل وتخرج للضرورة وتخاطب الرجالَ إذا دَعَت الحاجةُ من غير خضوعٍ بالقول.

  7. (2) للمُحِدَّة أن تأكل أطيب أنواع الطعام وأشهاه، ولا عَلاقةَ للإحداد بالطعام والشَّراب.

المراجع

1. قال ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 90): وأجمعوا أن عدة الحرة المسلمة التي ليست بحامل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا، مدخولا بها وغير مدخول، صغيرة لم تبلغ أو كبيرة. وقال ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 54): وأجمع الجميع على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها، إلا الحسن فإنه حكي عنه أنه كان لا يرى الإحداد، وعلى كل زوجة بالغة عاقلة مسلمة حرة أن تحد على زوجها المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرًا.

2. "شرح النوويِّ على مسلم" (10/ 113).

3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبيِّ (7/ 2371).

4. رواه أبو داود (2305) والنسائي (3537).

5. رواه أبو داود (2305) والنسائي (3537).

مشاريع الأحاديث الكلية