عن طارقِ بنِ شهابٍ قال: جاء رجُلٌ من اليهودِ إلى عمرَ رضى الله عنه، فقال: يا أميرَ المؤمنِينَ، آيةٌ في كتابِكم تَقرؤونها، لو علينا نزلت معشرَ اليهود، لاتَّخَذْنا ذلك اليومَ عيدًا. قال: وأيُّ آيةٍ؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].فقال عمر رضى الله عنه: إني لأعلمُ اليومَ الذي نزلتْ فيه، والمكانَ الذي نزلتْ فيه: نزلتْ على رسول الله بعرفاتٍ في يوم جُمعة.

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. في هذا الحديث إشارةٌ إلى فضيلة آية 

    ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾  

     [المائدة:3]

    ، وأن اليهود عَلِموا فضلَها وقيمتَها، وحسدونا عليها.

  2. هذا الرجُل الذي جاء إلى أمير المؤمنين هو كعب الأحبار، وقد أسلم بعد ذلك؛ ولهذا قال الراوي: (رجُلٌ من اليهود)؛ أي: كان منهم حينئذ[1].

  3. في الحديث بيان شرف تلك الآية، وأنها نزلتْ في أطيب بُقعة، وأفضل زمان[2].

  4. في الحديث بيان أن أعداء الإسلام يدرسونه جيِّدًا، ويَغبِطون المسلمين على النِّعَم التي حباهم بها الله.

  5. إن دين الإسلام كامل في أحكامه وتشريعاته، لا نقص فيها بأي وجهٍ من الوجوه؛ فقد حوت كل ما يحتاج إليه الناس من أمور الدنيا والآخرة، ومن العبادات والمعاملات، ومن الأخلاق والسلوك والسياسة والاقتصاد وهلمَّ جرًّا.

  6. إن دين الإسلام كامل في أصوله وفروعه، وفي أحكام الدنيا والآخرة، وكل ما يحتاج إليه العباد؛ فهو مبيِّن فيه أتمَّ تبيين بألفاظ واضحة، ومَعانٍ جَليَّة.

  7. الإسلام دينٌ شاملٌ، ليس خاصًّا بأمَّة دون أخرى، أو بعرق دون آخر؛ فالله أرسل رسوله للناس جميعًا

    قال تعالى:

      وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا

    [سبأ: 28].

  8. من مظاهر كمال دين الإسلام: أنه دينٌ شامل للثقلين؛ الإنس والجن؛ فالجنُّ والإنس مطالَبون باتِّباع هذا الدين

    قال تعالى:


     وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ

    [الذاريات: 56].

  9. من مظاهر كمال الإسلام: عدم تعارض النقل الصحيح مع العقل الصريح؛ بل لا بدَّ أن يتوافقا؛ فالإسلام يحضُّ على العلم، ويحترم العقل، ويضع كلَّ شيء في موضعه المناسب له.

  10. من مظاهر كمال الإسلام: عدم التعارض والتصادم في أخباره وأحكامه.

  11. إن الإسلام دين كامل بصلوحه لكل زمان ومكان، ومرونته واستيعابه للمتغيِّرات؛ فنصوصه الشرعية تستوعب كل الحالات والاحتياجات، وتتواكب مع المستجِدَّات، بما يتوافق مع مقاصد الدين ولا يتناقض معها، ودون أن تمسَّ أصول الدين.

  12. من مظاهر كمال الإسلام: أن تشريعاته واقعية، تراعي حاجاتِ الإنسان، ولا تضيِّق عليه، فيُحِلُّ الطيِّباتِ ويحرِّم الخبائث؛ فهو يُبيح الزواج ويحرِّم الزنا والفواحش، ويبيح المعاملات بين الناس، ويحرِّم الربا، وهَلُمَّ جرًّا.

  13. من مظاهر كمال الإسلام: أن هناك صلةً وُثقى بين الإيمان وعمل الصالحات والأخلاق الحسنة والسلوك الحسن. 

  14. من مظاهر كمال الإسلام: أن تكليفاتِه تراعي قدرة الإنسان واستطاعته

    قال تعالى:

    لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا

    [البقرة: ٢٨٦]

    ، فتراعي أحوال المكلَّفين؛ فأحكام الصلاة والصيام وغيرها تختلف بين الصحيح والمريض والعاجز وكبير السنِّ. 

  15. إن الإسلام دينٌ كامل بأصوله وقواعده وأخلاقه، رسالة عالمية خالدة لكل إنسان، وكل عِرق، وكل بلد، هو الذي ارتضاه الله للناس منهجًا في الحياة يُصلح أحوالهم

    قال تعالى:

    ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾

      [المائدة:3]. 

  16. من مظاهر كمال دين الإسلام: أنه الدين الخاتم، وأنه محفوظ بحفظ الله له

    قال تعالى:

     إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

    [الحجر: 9].

  17. العيد مُشتَقٌّ من العَوْد؛ لأنه يعود كلَّ عام، ويجمع العيد أمورًا، منها: العَوْد والتَّكرار، والاجتماع عليه، ثم ما يتلوه من العادات والعبادات[3].

  18. إكمالُ الدين حاصلٌ بأمورٍ؛ منها: اكتمال الشرائع والفرائض والحدود، ونفي المشركين عن البيت، فلم يعُدْ يحجُّ مشركٌ ولا يدخُله

    لقوله تعالى:

    ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾  

    [التوبة: 28] [4].

  19. كمال الإسلام بعزِّه، وظُهوره، وذُلِّ الشرك، وفُتوره، وبرفع النَّسخ عنه، وزوال الخوف من العدوِّ، والظهور عليه، وأمْن هذه الشريعة من أن تنسخها شريعةٌ بعدها، وفتح مكة[5].

  20. قال تعالى:

    ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾

    ولم يقُل:

    (أنعمت عليكم)

    لأن النعمة كانت موجودةً مبتدَأة بابتداء دعوة الإسلام، والنعمةُ هنا بالهداية إلى الإيمان، واكتمال الشرع، وظهور الدين[6].

  21. قوله تعالى:

    ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾

     أي: أعلمتُكم اليوم رضايَ؛ فإنه تعالى لم يزَلْ راضيًا عن الإسلام؛ فهو الذي شَرَعه للخلق[7].

  22. قوله تعالى:

    ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾

     أي: رَضِيتُه لكم كما هو، فلا نسخَ فيه بعد اليوم، ولن تنسخه شريعةٌ أخرى من الشرائع، فهو الدين الخاتم[8].

  23. في ردِّ عمر  على الرجُل دليلٌ على اهتمام المسلمين بذلك والانتباه له؛ فإنهم قد علموا ذلك، وحفِظوا متى وأين نزلتْ.

  24. معنى قول عمر  أنَّا ما تركنا تعظيم ذلك اليوم والمكان؛ أما المكان فهو عرفات، أعظم ركن في الحجِّ، الذي هو أحدُ أركان الإسلام، وأما الزمان، فهو يوم الجُمُعة، وهو أفضلُ أيام الأسبوع، وزاد ذلك أنه يوم عرفة، وهو أفضل أيام الدهر، فإذا اجتمع اليومان كان خيرًا وفضلًا[9]؛ فكأنَّ عمر  قال له: قد جعلنا اليوم عيدًا، والمكان كذلك[10].

  25. في الحديث دلالة على أن الأعياد لا تكون بالرأي والاختراع كما يفعله أهل الكتابينِ من قبلنا؛ إنما تكون بالشرع والاتِّباع، فهذه الآية لما تضمَّنت إكمال الدين وإتمام النعمة، أنزلها الله في يوم شرعه عيدًا لهذه الأمَّة من وجهين؛ أحدهما: أنه يوم عيد الأسبوع وهو يوم الجمعة. والثاني: أنه يوم عيد أهل الموسم، وهو يوم مجمعهم الأكبر وموقفهم الأعظم، وقد قيل: أنه يوم الحجِّ الأكبر[11].

  26. جاء تسمية عرفة عيدًا في قول النبيِّ  ﷺ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ»[12]. وقد أَشكَل وجهه على كثير من العلماء؛ لأنه يدلُّ على أن يوم عرفة يومُ عيد لا يُصام، كما رُوي ذلك عن بعض المتقدِّمين، وحَمَله بعضهم على أهل الموقف، وهو الأصحُّ؛ لأنه اليوم الذي فيه أعظم مجامعهم ومواقفهم، بخلاف أهل الأمصار؛ فإن اجتماعهم يوم النحر، وأما أيَّام التشريق، فيشارك أهل الأمصار أهلَ الْمَوسم فيها؛ لأنها أيام ضحاياهم وأكلهم من نُسُكهم [13].

  27. معنى الآية: اليومَ أكملتُ لكم دينكم بالنصر والإظهار؛ لأنهم بذلك يُجرون أحكام الدين من غير مانع، وبه تمامه، وهذا كما تقول: تمَّ لي الْمُلك إذا كُفِيتَ ما تخافه[14]. واليوم أكملتُ لكم حدودي وفرائضي وحلالي وحرامي بتنزيل ما أَنزلتُ، وبيان ما بيَّنتُ لكم؛ فلا زيادةَ في ذلك ولا نقصان منه بالنَّسخ بعد هذا اليوم، وكان يوم عرفةَ عام حجَّة الوداع[15].

  28. ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾

      أحكامه وفرائضه، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام[16].

    ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾

    بإكماله، وقيل بدخول مكة آمنين

    ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾

    اخترت

    ﴿  لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾

    حال؛ أي: اخترتُه لكم من بين الأديان، وآذنتُكم بأنه هو الدين الْمَرضيُّ وحدَه[17].

  29. ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾

     بتمام النصر، وتكميل الشرائع الظاهرة والباطنة، الأصول والفروع؛ ولهذا كان الكتاب والسنَّة كافِيَين كلَّ الكفاية، في أحكام الدين أصوله وفروعه؛ فكل متكلِّف يَزعُم أنه لا بدَّ للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم إلى علوم غير علم الكتاب والسنَّة، من علم الكلام وغيره، فهو جاهل، مبطِل في دَعْواه، قد زعم أن الدين لا يَكمُل إلا بما قاله ودعا إليه، وهذا من أعظم الظلم والتجهيل لله ولرسوله[18].

  30. ﴿ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾

    الظاهرة والباطنة

    ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾

     أي: اخترته واصطفَيْتُه لكم دينًا، كما ارتضيتكم له، فقوموا به شكرًا لربِّكم، واحمَدُوا الذي مَنَّ عليكم بأفضل الأديان وأشرفها وأكملها[19].


المراجع

  1. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 270).
  2. "الإفصاح عن معاني الصحاح" لابن هبيرة (1/ 147).
  3. انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" لابن تيمية (1/ 496).
  4. انظر: "زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي (1/ 513)، "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي (7/ 339)، "تفسير ابن رجب الحنبلي" (1/ 384).
  5. انظر: "زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي (1/ 513)، "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي (7/ 339)، "تفسير ابن رجب الحنبلي" (1/ 384).
  6. انظر: "زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي (1/ 514).
  7. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي (7/ 339).
  8. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي (7/ 339).
  9. انظر: "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" للكرماني (1/ 179)، "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (3/ 129).
  10. انظر: "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" للكرماني (1/ 179)، "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (3/ 129).
  11. "فتح الباري" لابن رجب (1/ 172، 173)
  12. أخرجه أبو داود (2419)، والترمذيُّ (773) والنسائيُّ (4186)، وصححه الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (2090).
  13. "فتح الباري" لابن رجب (1/ 172، 173).
  14. "تفسير الألوسي = روح المعاني" (6/ 60).
  15. "تفسير الألوسي = روح المعاني" (6/ 60).
  16. "تحفة الأحوذي" للمباركفوري (8/ 408، 409).
  17. "تحفة الأحوذي" للمباركفوري (8/ 408، 409).
  18. "فتح الباري" لابن رجب (1/ 173).
  19. "فتح الباري" لابن رجب (1/ 173).
الفوائد العقدية

31.  هذه الآية حُجَّة في زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأن هذه الآية نزلتْ يوم عرفة في حجَّة الوداع يوم كَمَلت الفرائض، والسُّنن، واستقرَّ الدِّين، وأراد الله قبضَ نبيِّه، فدلَّتْ هذه الآية أن كمال الدين إنما حصل بتمام الشريعة، فمَن حافَظ على التزامها، فإيمانه أكملُ من إيمان مَن قَصَّرَ في ذلك وضَيَّع؛ ولهذا أورده البخاريُّ في باب زيادة الإيمان ونقصانها[1].

المراجع

  1. انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (1/ 102).
الفوائد التربوية

32. على الداعية الاستعداد لدحض شُبُهات المشكِّكين في الدين وأحكامه.

الفوائد اللغوية

33.  (معشر) منصوب على الاختصاص؛ أي: أعني أو أخصُّ معشرَ اليهود. والمعشر: الجماعةُ الذين شأنهم واحدٌ[1].

المراجع

  1. "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" للكرماني (1/ 177).

مشاريع الأحاديث الكلية