عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ» 

فقه

1- يحضُّ النبيُّ ﷺ أصحابَه وسائر أمتِه من بعده على أن ينظروا إلى من هم أقل منهم في أمور والدنيا من المال والخِلْقة ونحو ذلك، من الفقراء والمحتاجين والضعفاء والمرضى وذوي الاحتياجات ونحوهم؛ ويَرَوا كيف فضَّلهم الله تعالى على غيرهم.

2- ونهاهم ﷺ عن النَّظَرِ إلى من هم أغنى منهم وأقوى وأصحُّ أجسادًا،

كما قال تعالى:

﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ .

[طه: 131]

3- وعلَّلَ ﷺ ذلك بأنَّه أجدر ألَّا يحتقروا نعمة الله التي أنعم بها عليهم؛ فالإنسانُ إذا نظر إلى من هو أدنى منه وإلى من هو أقل منه في أمور الدنيا علم أنَّ الله تعالى فضَّله على كثيرٍ من النَّاس، فقابلَ ذلك بالحمد والشكر والإحسان ومكافأة النعمة بحسن العبادة.

أمَّا إذا نظر إلى أهل النِّعم وتأمل في أحوال أهل الدنيا وما وسع الله به عليهم، أورثه ذلك مقارنةَ ما عنده بما في أيديهم، فأدَّاه ذلك إلى أن يجحد نعمةَ الله التي عنده ويحتقرها، وربَّما أفضى به ذلك إلى الحقد والحسد.

وليس معنى الحديث أن يترك العبدُ الدنيا، أو لا ينتفع بما أعطاه الله تعالى منها، وإنما المراد ألَّا تستحوذ الدنيا على قلبه بحيث لا يرضى بما آتاه الله تعالى منها.

اتباع

1. قد تقع عين الإنسان أو يسمع بمن هو أفضل منه في أمر الدنيا، فعليه أن يعالج نفسه بأن ينظر إلى من هو أسفل منه؛

كما قال ﷺ:

«إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي المَالِ وَالخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ» 

[1]

2. ينبغي على المؤمن أن يضع الآخرة أمام عينيه، ولا يتبع بصرُه نعيمَ الدنيا، ولا يكثر النظر إلى المُتْرَفين؛ فقد أعدَّ اللهُ تعالى في الجنَّة لعباده «مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[2]، فإذا رأت عينه أو تعلَّق قلبه بشيءٍ من زينة الحياة الدنيا فلا يُتبعها نفسه، وإنما يُذَكِّرُ نفسه بنعيم الله الذي أعدَّه لعباده المتقين.

3. غير موازين تقييمك للأشياء، وتذكر أن النعيم الحقيقي والرفعة هي في الجنة الأبدية، فهنا يتغير ما تتنافس فيه أو تغبط غيرك عليه،

قال ﷺ:

«لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا»  

[3] 

4. لَمَّا بغى قارون وتجبَّر وتكبَّر بما أعطاه الله تعالى، نظر أصحابُ النفوس الضعيفة إليه

وقالوا:

﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾

[القصص: 79]

فلا هم حفظوا أعينَهم ونفوسَهم عن الافتتان بما آتاه الله، ولا هم نالوا نصيبًا مما أُعطي، فكانوا كما قال الشاعر:

5. قال ابنُ عون رحمه الله: جالستُ الأغنياءَ، فاحتقرتُ لباسي إلى لباسهم، ودابَّتي إلى دوابِّهم، وجالستُ الفقراء فاسترحتُ"[4]

6. المؤمن إذا علم أن الله تعالى قسم الأرزاقَ بحكمته ارتاحت نفسُه، ولم تتعلق بما فضَّل الله تعالى به بعضَ الناسِ على بعض.

7. من أعظم ما يحقق السعادة في قلب المسلم أن يستشعر نعم الله الكثيرة التي أنعم الله تعالى بها عليه، وأن يكثر من التأمل فيها والنظر في حال من هم أقل حالا منه،

كما قال ﷺ:

«مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»

[5]

8. الإنسانُ إذا ابتلي ببلاءٍ أو حلَّت به مصيبةٌ فنظر إلى من هم أسفل منه، هانت عليه مصيبته، ورأى أنَّ ما به من البلاء هَيِّنٌ، فيُحسن عند ذلك الصبرَ على البلاء، ويشكر اللهَ على ما وهبه من العافية.

9. قال الشاعر:

عَلَيْكَ بتَقْوَى اللهِ واقْنَعْ برزقِهِ = فخَيْرُ عبادِ الله مَن هو قانِعُ

وَلا تُلْهِكَ الدنيا ولا تَطْمَعَنْ بها = فقد يُهْلِكُ الْمَغْرُورَ فيها الْمَطَامِعُ

10. وقال غيره:

وَجَدْتُ القَنَاعَةَ ثَوْبَ الغِنَى = فصِرْتُ بأَذْيَالِهَا أَمْتَسِكْ

فَأَلْبَسَنِي جَاهُهَا حُلَّةً = يَمُرُّ الزَّمَانُ ولم تُنْتَهَكْ

فصِرْتُ غَنِيًّا بلا دِرْهَمٍ = أَمُرُّ عَزِيزًا كَأَنِّي مَلِكْ

المراجع

  1. البخاري (6490)، ومسلم (2963).
  2. البخاري (3244)، ومسلم (2824). 
  3. البخاري (73)، ومسلم (816)، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
  4. "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقيِّ (8/ 145، 146).
  5. الترمذي (2346)، عن عبيد الله بن محصن.



مشاريع الأحاديث الكلية