عن ابن عبَّاس رضي الله عنه قال: (بُعِثَ رسولُ الله لأربعين سنةً، فمكثَ بمكةَ ثلاثَ عشْرةَ سنةً يُوحَى إليه، ثم أُمِر بالهجرةِ فهاجر عشْرَ سنين، ومات وهو ابنُ ثلاثٍ وستينَ سنةً)

عناصر الشرح

غريب الحديث

مكَث: أقام وانتظر[1].

المراجع

  1. قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (4/ 384): "والمكْث: الإقامة مع الانتظار، والتلبُّثُ في المكان".


المعنى الإجماليُّ للحديث

يخبر ابن عبَّاس رضى الله عنه عن مراحلِ حياة النبيِّ يقول: (بُعثَ رسولُ الله لأربعين سنةً)؛ يعني: نزل جبريلُ عليه السلامُ على النبيِّ ﷺ بالوحي، وأمرَه بالبلاغ بعد بلوغه ﷺ سِنَّ الأربعين، (فمكثَ بمكةَ ثلاثَ عشْرةَ سنةً يُوحَى إليه)؛ أي: فلَبِث ﷺ في مكَّةَ يتنزَّل عليه الوحيُ ويبلِّغه للناس، ويدعو إلى ربِّه، ثلاثَ عشْرةَ سنةً، «ثم أُمِر بالهجرةِ، فهاجَرَ عشْرَ سنين»؛ أي: ثم أمره الله تعالى بالهجرة من مكةَ إلى المدينة، فأقام ﷺ مهاجِرًا بالمدينة المنوَّرة عشْرَ سنين، «ومات وهو ابنُ ثلاثٍ وستينَ سنةً»؛ أي: حتى أتته ﷺ الوفاةُ في المدينة وهو ابن ثلاثٍ وستِّين سنةً.

الشرح المفصَّل للحديث

كانت بَعثةُ رسول الله ﷺ نِعمةً عُظمى من الله - عزَّ وجلَّ - على عباده، فهدى اللهُ به مِن الضلالة، وأرشد به مِن الغَواية، وتمَّ به نورُ الله في العالَمين، وقد مرَّت حياةُ رسول الله ﷺ بمراحلَ متنوِّعةٍ، وظروفٍ مختلفة، ما بين اليُسر والعُسر، والشدَّة والرخاء، والحرب والسِّلم، والسِّرِّ والجهر، والاستضعاف والتمكين، فشَمِلت الحياةَ الإنسانيةَ بكلِّ حالاتها ومراحلها، وقدَّمت في ذلك النَّمُوذجَ الكامل في التأسِّي والاقتداء.

وفي هذا الحديث يُخبر عبدُ الله بنُ عبَّاس رضى الله عنه ببعض المراحل التي مرَّ بها رسولُ الله ﷺ في حياته الدعوية، فيَذكر أن رسولَ الله ﷺ (بُعث وهو ابنُ أربعين سنةً)؛ يعني: نزل جبريلُ عليه السلامُ على النبيِّ ﷺ بالوحي، وأمرَه بالبلاغ بعد بلوغه ﷺ سِنَّ الأربعين. 

وقد اختار الله مكةَ لتكون مولدَ رسوله ﷺ ومكانَ نشأته، بها وُلِد ﷺ من نسَبٍ شريفٍ؛ فأبوه عبد الله بن عبد المطَّلب الهاشميُّ القرشيُّ، وأمَّه آمنةُ بنتُ عبد منافِ بنِ زُهْرةَ القرشية[1]، فكان النبيُّ ﷺ من أشرف العرب نسَبًا، ويحكي عن نفْسه ﷺ ذلك، فيقول: «إن اللهَ اصطفى كِنانةَ من ولدِ إسماعيل، واصطفى قريشًا من كِنانة، واصطفى من قُريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»[2]، وقد مات والدُ رسول الله ﷺ (عبد الله) ورسولُ الله ﷺ حملٌ في بطن أمِّه[3]؛ "وكأن القدرَ يقول له: قد انتهت مَهمَّتكَ في الحياة، وهذا الجنينُ الطاهرُ يتولَّى اللهُ - عزَّ وجلَّ - بحكمته ورحمته تربيتَه، وتأديبه، وإعداده لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور"[4]، فوُلِد ﷺ يتيمًا، ونشأ في كَنَف أمِّه، وجَدِّه عبد المطلب، يحوطه اللهُ بهما بحفظه ورعايته إلى أن تُوفِّيت أمُّه وهو ابنُ ستِّ سنين، ثم تُوفِّي جدُّه عبد المطَّلب وهو ﷺ في الثامنة من عمره، فكفَله عمُّه أبو طالب[5]

وظلَّ ﷺ بمكة طيلةَ هذه السنوات الأربعين يربِّيه الله - عزَّ وجلَّ - ويُعِدُّه إعدادًا يَليق بمَهمَّته التي اصطفاه الله لها؛

قال تعالى:

﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ 6 وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ 7 وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ 8﴾

[الضحى: 6 - 8]

فآواه اللهُ - عزَّ وجلَّ - وحفظه من الغَواية، وهداه، وأغناه، فعاش مع قومه طيِّب المعشر حَسَن الخُلق، مشاركًا لهم في كل نافع، كحلف الفضول[6]، وبناء الكعبة[7]، ومبتعدًا عن كل قبيح. 

وقد تزوَّج النبيُّ ﷺ من أمِّ المؤمنين خديجةَ بنتِ خُوَيْلِدٍ ڤ وهو في الخامسة والعشرين من عمره، ورزَقه الله منها كلَّ أبنائه - سوى إبراهيم كان من مارية القبطية - وهم: القاسم، وعبد الله، وزينب، ورُقَيَّة، وأمُّ كلثوم، وفاطمة[8]

ولما قارب ﷺ سِنَّ الأربعين حُبِّب إليه الخلاءُ، فكان يخلو في غار حراء اللياليَ؛ يتفكَّر في خَلق الله - عزَّ وجلَّ - وقد سبَق نزولَ الوحي مقدِّماتٌ من الرؤيا الصالحة يراها ﷺ في المنام، فتظهرُ في اليقظة مثلَ فَلَق الصُّبح، وهذا ما حكته أمُّ المؤمنين عائشة رضى الله عنها في قصة نزول الوحي على النبيِّ ﷺ، قالت: أول ما بُدِئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مِثلَ فَلَق الصُّبح، ثم حُبِّب إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنَّث فيه - وهو التعبُّد - اللياليَ ذواتِ العدد قبل أن يَنزِع إلى أهله، ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزوَّد لمثلها، حتى جاءه الحقُّ وهو في غار حراء، فجاءه الملَكُ فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ»، قال: «فأخذني فغطَّني حتى بلَغَ مني الجَهد ثم أرسلني، فقال: اقرأْ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأْ، فقلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة ثم أرسلني، فقال:

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ 2 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ 3﴾

[العلق: 1 - 3]

»، فرجع بها رسولُ الله ﷺ يَرجُف فؤادُه، فدخل على خديجة بنت خويلد ڤ، فقال: «زَمِّلوني زَمِّلوني». فزمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوعُ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خَشِيتُ على نفْسي»، فقالت خديجة: كلا والله ما يُخزيكَ الله أبدًا؛ إنك لَتَصِل الرحمَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِب المعدومَ، وتَقْري الضيفَ، وتُعِين على نوائب الحقِّ، فانطلقت به خديجةُ حتى أتت به ورقةَ بن نوفلِ بن أسدِ بنِ عبد العُزَّى، ابنَ عمِّ خديجةَ، وكان امرأً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العَبرانيَّ، فيَكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عَمِيَ، فقالت له خديجة: يا بنَ عمِّ، اسمعْ مِن ابن أخيكَ، فقال له ورقة: يا بن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسولُ الله ﷺ خبرَ ما رأى، فقال له ورقةُ: هذا الناموسُ الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يُخرجكَ قومكَ، فقال رسولُ الله ﷺ: «أوَمخرجيَّ هم؟!» قال: نَعمْ؛ لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثل ما جئتَ به إلا عُودِيَ، وإن يُدركني يومُكَ أنصركَ نصرًا مؤزَّرًا. ثم لم يَنشَبْ ورقةُ أن تُوفِّي، وفتَر الوحي»[9].

وبعد أن نزل الوحيُ على رسول الله ﷺ ظلَّ بمكة -كما ذكر ابنُ عباس في هذا الحديث - ثلاثَ عشْرةَ سنةً يُوحى إليه، هذه الفترة كانت من أشدِّ فترات حياة النبيِّ ﷺ؛ فقد لاقى فيها من الإيذاء والتكذيب ما لا يتحمَّله أحدٌ، وقد مرَّتْ هذه الفترة بمراحلَ متعدِّدةٍ، بدأها ﷺ بالدعوة السِّرِّية، فبدأ بأهل بيته، وأقرب الناس إليه، ثم أمره الله - عزَّ وجلَّ - بعد ذلك بالجهر بالدعوة، فصدَع ﷺ بدعوة الحقِّ في أرجاء مكَّة، فلَقِيَ العناد والتكذيب والإيذاء من قومه ﷺ ومَن آمن معه، ولما اشتدَّ الإيذاء أمَرَ ﷺ أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، فهاجروا فيما عُرِف بالهجرة الأُولى، ثم الثانية إلى الحبشة، وكان بدايةُ هذه الهجرة في العام الخامس من البَعثة[10]. وظلَّ ﷺ بمكةَ يدعو قومَه إلى الله - عزَّ وجلَّ - ولا يلقى من أغلبهم إلا الصدود، وقيَّض الله له عمَّه أبا طالب يَذُود عنه الكثير من الأذى، وزوجَه أمَّ المؤمنين خديجةَ تخفِّف عنه وتُسانده، حتى كان العام العاشر من البعثة، فمات عمُّه أبو طالب وزوجه خديجةرضى الله عنها، ولشدَّة حزن النبيِّ ﷺ عليهما سُمِّي هذا العام بعام الحزن، وكان العامَ العاشر من البعثة، وفيه خرج ﷺ إلى الطائف ليدعوَ أهلها إلى الله، آملًا أن يجدَ فيهم مَن يَذودُ عنه حتى يُبلِّغ رسالةَ ربه، فلم يجِدْ منهم إلا التكذيبَ، وأُوذِيَ في هذه الرحلة أشدَّ الإيذاء، وعاد ﷺ إلى مكَّة[11].

وبعد أن أكمل ﷺ بمكة ثلاثَ عشْرةَ سنةً، اختار له المدينة دارًا لهجرته، ومنطلَقًا لدولة الحقِّ، فأذِن له اللهُ بالهجرة إليها، وهاجر ﷺ إلى المدينة يُرافقه أبو بكر رضى الله عنه، بعد أن سبقه أصحابه تباعًا إلى هناك، ولحقه الباقون - ممن استطاع الهجرة - فيما بعدُ.

ويذكر ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ «أُمِر بالهجرةِ فهاجر عشرَ سنين»، أي: أقام مهاجرًا بالمدينة عشْرَ سنين[12].

وكانت حياةُ رسول الله ﷺ بالمدينة مَليئةً بالجهاد والتضحية إعلاءً لكلمة الله - عزَّ وجلَّ - وقد اختلف أهلُ المغازي في عدد غزواته ﷺ وسراياه، فذكر ابن سعد وغيره عددَهنَّ مُفصَّلاتٍ على ترتيبهنَّ، فبلغت سبعًا وعشرين غزاةً، وستًّا وخمسين سريةً، قالوا: قاتل في تسع من غزواته، وهي: بدر، وأُحد، والمريسيع، والخندق، وقُرَيظة، وخيبر، والفتح، وحُنين، والطائف[13]، فكانت حياته ﷺ سلسلةً متَّصلة الحلقات من الجهاد باللسان وبالسِّنان، حتى أتمَّ اللهُ النعمةَ، ودخل الناسُ في دين الله أفواجًا. 

ويذكر ابن عباس رضى الله عنه أن رسولَ الله ﷺ قد مات وهو ابنُ ثلاث وستين سنةً، وكانت وفاته ﷺ بالمدينة، يومَ الاثنين الثانيَ عشَرَ من ربيع الأول، من السنةِ الحاديةَ عشْرةَ من الهجرة[14].

المراجع

  1. انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 110).
  2. رواه مسلم (2276).
  3. انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 158).
  4. "السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث" للصلابي (ص 47).
  5. انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 168: 179).
  6. انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 133: 135).
  7. كما رواه البخاريُّ (3829)، ومسلم (340).
  8. انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 187).
  9. رواه البخاريُّ (3).
  10. انظر: "السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث" للصلابي (ص 191).
  11. انظر: "السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث" للصلابي (ص 207).
  12. انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر (7/ 230).
  13. "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" للنوويِّ (12/ 195).
  14. انظر: "السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث" للصلابي (ص 871).


النقول

قال النوويُّ رحمه الله: "واتَّفَقوا أنّه ﷺ  أقام بالمدينة بعد الهجرة عشْرَ سنين، وبمكّة قبل النّبوّة أربعين سنةً؛ وإنّما الخلاف في قدر إقامته بمكّة بعد النُّبوَّة وقبل الهجرة، والصّحيح أنّها ثلاثَ عشْرةَ، فيكون عمره ثلاثًا وستّين، وهذا الّذي ذكرناه أنّه بُعث على رأس أربعين سنةً هو الصّواب المشهور الّذي أطبق عليه العلماء، وحكى القاضي عياضٌ عن ابن عبّاس وسعيد بن المسيِّب روايةً شاذّةً أنّه ﷺ بُعث على رأس ثلاث وأربعين سنةً، والصّواب أربعون كما سبق، ووُلد عام الفيل على الصّحيح المشهور، وقيل: بعد الفيل بثلاث سنين، وقيل: بأربع سنين. وادَّعى القاضي عياض الإجماع على عام الفيل، وليس كما ادّعى، واتّفقوا أنّه وُلد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، وتوفّي يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل، واختلفوا في يوم الولادة هل هو ثاني الشّهر أم ثامنه أم عاشره أم ثاني عشره؟ ويوم الوفاة ثاني عشر ضحًى واللّه أعلم"[1].

قال ابن حجر  رحمه الله: "قَوْله: «وَهُوَ ابن أَرْبَعِينَ» في رواية مالك: «على رأس أربعين»، وهذا إنّما يتمُّ على القول بأنّه بُعث في الشّهر الّذي وُلد فيه، والمشهورُ عند الجمهور أنّه وُلد في شهر ربيع الأوّل، وأنّه بُعث في شهر رمضانَ؛ فعلى هذا يكون له حين بُعث أربعون سنةً ونصف، أو تسع وثلاثون ونصف، فمن قال: أربعين، ألغى الكسر، أو جَبَر؛ لكن قال المسعوديُّ وابن عبد البرِّ: إنّه بُعث في شهر ربيع الأوّل، فعلى هذا يكون له أربعون سنةً سواءً، وقال بعضهم: بُعث وله أربعون سنةً وعشْرة أيّام. وعند الجعابيِّ: أربعون سنةً وعشرون يومًا. وعن الزُّبير بن بكّار: أنّه وُلد في شهر رمضانَ، وهو شاذٌّ، فإن كان محفوظًا وضمّ إلى المشهور أنّ المبعث في رمضان فيصحُّ أنّه بُعث عند إكمال الأربعين أيضًا. وأبعد منه قول من قال: بعث في رمضان وهو ابن أربعين سنةً وشهرين؛ فإنّه يقتضي أنّه وُلد في شهر رجب، ولم أرَ من صرَّح به، ثمّ رأيته كذلك مصرّحًا به في تاريخ أبي عبد الرّحمن العتقيّ وعزاه للحسين بن عليّ وزاد: لسبع وعشرين من رجب، وهو شاذّ. ومن الشّاذّ أيضًا ما رواه الحاكم من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب قال: أُنزل على النّبيِّ ﷺ وهو ابن ثلاث وأربعين. وهو قول الواقديِّ وتبعه البِلاذُريُّ وابن أبي عاصم. وفي تاريخ يعقوبَ بنِ سفيانَ وغيره عن مكحول أنّه بُعث بعد ثنتين وأربعين. قوله: «فلبث بمكّة عشر سنين ينزل عليه» مقتضى هذا أنّه عاش ستّين سنةً، وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس أنّه ﷺ عاش ثلاثًا وستّين، وهو موافق لحديث عائشة الماضي قريبًا، وبه قال الجمهور، وقال الإسماعيليُّ: لا بدّ أن يكون الصّحيح أحدَهما. وجمع غيره بإلغاء الكسر"[2].

قال الطِّيبيُّ  رحمه الله: "قوله: «لأربعين سنة» اللام فيه بمعنى الوقت... ذكر في وفاته ثلاث روايات؛ إحداها: أنه ﷺ توفِّي وهو ابن ستِّين سنةً، والثانية: ابن خمس وستين سنة، والثالثة: ثلاث وستين سنةً، وهي أصحُّها وأشهرها، رواه مسلم هنا من رواية: أنس وعائشة وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم. فرواية (ستين) مقتصرةٌ على العقود، ورواية (الخمس) متأوَّلة بأن اعتَبَر الراوي الكسور. وأنكر عروة على ابن عباس قوله، وقال: إنه لم يُدرِك أوَّل النبوَّة، ولا كثُرت صحبته، بخلاف الباقين. ووُلِد عامَ الفيل على الصحيح المشهور، وادَّعى القاضي عياض الإجماع عليه. واتَّفَقوا على أنه وُلد يومَ الاثنين في شهر ربيع الأول. واختلفوا فيه هل هو ثاني الشهر أم ثامنه أم عاشر؟ وتوفِّي يومَ الاثنين في ثاني عَشَرَ ربيع الأول ضُحى ﷺ"[3].

قال القسطلانيُّ  رحمه الله: "«لأربعين سنةً فمكُث» بضم الكاف «بمكة ثلاثَ عشْرةَ سنةً يوحى إليه» فيها منها مدَّة فترة الوحي، ومدَّة الرؤيا الصالحة، «ثم أُمر بالهجرة» من مكة إلى المدينة «فهاجر عشْرَ سنين ومات» بها «وهو ابن ثلاث وستين» سنةً"[4].

قال النوويُّ  رحمه الله: "قد اختلف أهلُ المغازي في عدد غزواته ﷺ وسراياه، فذكر ابن سعد وغيره عددهنَّ مُفصَّلاتٍ على ترتيبهنَّ، فبلغت سبعًا وعشرين غزاةً وستًّا وخمسين سريةً، قالوا: قاتل في تسع من غزواته، وهي: بدر، وأُحد، والمريسيع، والخندق، وقُرَيظة، وخيبر، والفتح، وحُنين، والطائف.[5].

المراجع

  1. "شرح النوويِّ على مسلم" (15/ 99، 100).
  2. "فتح الباري" لابن حجر (6/ 570).
  3. "شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (12/ 3713).
  4. "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" للقسطلانيِّ (6/ 214).
  5. "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" النووي (12/ 195).


مشاريع الأحاديث الكلية