عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضى الله عنه، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ - عزَّ وجلَّ - لَا يَنَامُ،  « وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِي رِوَايَةٍ: النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ».

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. الحديث دليل على أنه سبحانه محتجب عن خلقه بالنور، فلا يَرَونه في الدنيا.

  2. الحديث دليل على أن الله تعالى يعزُّ من يشاء، ويُذلُّ من يشاء، يَحكُم بالعدل، يَخفِض ويَرفَع، من عَمِل عملاً يستحقُّ الرفع رفعه، ومن عمل عملاً يستحقُّ الخفض خفضه.

  3. قوله: «يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ»: القسط هو العدل، والذي ينخفض ويرتفع هو الموزون، وسُمِّي الميزان قسطًا لأنه بالميزان يقع العدل، فمن عَمِل ما يستحقُّ الرفع رَفَعَه، ومن عَمِل ما يستحقُّ الخفض خَفَضه، وقيل: القسط الميزان، وسمّي قسطًا لأنّ القسط العدل، وبالميزان يقع العدل، والمراد أنّ اللّه تعالى يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة، ويوزن من أرزاقهم النّازلة، وهذا تمثيل لما يقدّر تنزيله، فشبّه بوزن الميزان، وقيل: المراد بالقسط الرّزق الّذي هو قسط كلّ مخلوق يَخفِضه فيقتِّره، ويرفعه فيوسّعه[1].

المراجع

  1. "شرح النوويّ على مسلم" (3/ 13).
الفوائد العقدية
4. في الحديث بعض صفات الله تعالى، وأسماء الله وصفاته لا تُعلَم إلا بالتوقيف، والتوقيفُ كتاب الله تعالى وسنَّة نبيِّه ، وليس للقياس في ذلك مدخل؛ فيجب الإيمان بها وَفْقَ ما جاءت به نصوص الكتاب والسنَّة، من غير تعطيل أو تشبيه أو تمثيل؛

قال تعالى:

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

[الشورى: 11]

 وما سوى ذلك فهو قول على الله بلا علم.
5. صفاتُه تعالى جميعُها من صفات الكمال، التي لا يعتريها النقص بأيِّ وجه من الوجوه، ومن هذه الصفات: العلمُ والحياة، والسمع والبصر، والقدرة والحكمة، والعزَّة والمغفرة، والرحمة والعفو واللطف، وغير ذلك من صفات الكمال والجلال التي اتَّصف بها ربُّ العالمين.
6. إن الله تعالى طيِّب، وأفعالُه طيبةٌ، وصفاته أطيبُ شيء، وأسماؤه أطيبُ الأسماء، واسمه الطيِّبُ، ولا يصدُر عنه إلا طيبٌ، ولا يصعَدُ إليه إلا طيبٌ، ولا يَقرُب منه إلا طيِّب، وإليه يصعَدُ الكَلِم الطيبُ، وفِعلُه طيِّب، والعمل الطيِّب يَعرُج إليه؛ فالطيِّبات كلُّها له، ومضافةٌ إليه، وصادرة عنه، ومنتهية إليه[1].
7. صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية، فالصفات الثبوتية هي التي أثبتها الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله ؛ كالعلم والرحمة والقدرة والعلوِّ ونحوها، فيجب إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه، والصفات السلبية هي التي نفاها الله تعالى عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله ؛ كالنوم والموت والظلم ونحوها، فيجب نفيُها عن الله تعالى مع وجوب إثبات ضدِّها على الوجه الأكمل، من كمال الحياة والقيومية والعدل ونحو ذلك.
8. في الحديث إثبات أن لله وجهًا حقيقةً، ويشهد له

قوله تعالى:

 وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ

[الرحمن: ٢٧]

 ونقول بأن هذا الوجه لا يماثل أوجه المخلوقين

لقوله تعالى:

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ

[الشورى: 11]

 ونجهل كيفية هذا الوجه

لقوله تعالى:

وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا

[طه: 110][2].

 
9. في الحديث نفيُ صفة النوم عن الله تعالى؛ إذ النومُ مستحيلٌ في حقِّه تعالى، فهي صفة من صفات النقص، ومُحَالٌ على الله تعالى أن يكون به نقصٌ؛ ما يستلزم إثبات ضدِّها، وهو كمال حياته وقيوميَّته

قال تعالى:

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ

[البقرة: 255].

10. الحديث فيه دليلٌ على إثبات صفة العُلوِّ لله تعالى؛ لقول النبيِّ : «يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ».

المراجع

  1. "الصلاة وأحكام تاركها" لابن القيم (ص 151).
  2. "شرح العقيدة الواسطية" للعثيمين (ص: 284).
الفوائد اللغوية

11. السُّبُحَاتُ جَمْعُ (سُبْحَةٍ)، ومعنى (سُبُحَاتُ وَجْهِهِ): نُورُه وجلَالُه وبَهَاؤه، وقيل: أضواء وجهه، وقيل: سُبحات الوجه: محاسنه؛ لأنك إذا رأيت الحَسَن الوجه، قلتَ: سبحان الله، وقيل: معناه: تنزيهٌ له؛ أي: سبحان وجهه[1].

12. الحجابُ أصلُه في اللّغة المنع والسَّتْر، وحقيقةُ الحجاب إنّما تكون للأجسام المحدودة، والله تعالى منزَّه عن ذلك، والمراد هنا المانع من رؤيته، وسُمِّي ذلك المانع نورًا أو نارًا لأنّهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما[2].

13. المراد بما انتهى إليه بَصَرُه من خلقه: جميع المخلوقات؛ لأنّ بصره سبحانه وتعالى محيط بجميع الكائنات، ولفظة (من) لبيان الجنس، لا للتّبعيض[3]. وعليه؛ فلو كشف هذا الحجاب - حجاب النور عن وجهه - لاحترق كل شيء.

14. «حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِي رِوَايَةِ: النَّارُ»: إنَّ تَرَدُّد الراوي في لفظ "النور"، و"النار" لا يَقصِد به اختلافًا في المعنى؛ لأن هذه النار التي كلَّم الله تعالى بها موسى؛ يقال لها: نار ونور، كما سمَّى الله تعالى نار المصباح نورًا، بخلاف النار المظلِمة؛ كنار جهنَّم، فتلك لا تُسمَّى نورًا، فالأقسام ثلاثة: إشراقٌ بلا إحراق، وهو النور الْمَحْضُ؛ كالقمر، وإحراق بلا إشراق، وهي النار الْمُظلِمة، وما هو نار ونور؛ كالشمس، ونارِ المصابيح التي في الدنيا توصَف بالأمرين[4].

15. قوله : «ولا ينبغي له أن ينام» تأكيدٌ للجُملة قبلَها، والجملة الأولى دالَّةٌ على عدم صدور النَّوم، والثانية للدلالة على استحالته عليه تعالى، ولا يَلزَم من عدم الصدور استحالتُه؛ فلذلك ذُكِرت الكلمة الثانية بعد الأولى[5].

المراجع

  1. "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (2/ 332).
  2. "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 14).
  3. "شرح النوويِّ على مسلم" (3/ 14).
  4. "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (6/ 387).
  5. " كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه" للسنديِّ (1/ 85).

مشاريع الأحاديث الكلية