عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا؛ مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»، زَادَ في رواية: «إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ». متفق عليه

فقه

هذا الحديثُ من أصول الأحاديث في أسماء الله تعالى الحُسنى:

  1. يذكر النبيُّ ﷺ أن لله تعالى من الأسماء تسعةً وتسعين اسمًا. 

واتَّفَق العلماءُ على أنَّه ليس في الحديث حصرٌ لأسمائه سبحانه وتعالى، وإنما مقصودُ الحديث الإخبار بأن هذه التسعة والتسعين مَن أحصاها دخَل الجنة، لا الإخبارُ بحصر الأسماء [1]، فلله تعالى ما لا يُحصى من الأسماء الحسنى والصفات العُلى، كما في الدعاء النبوي: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ»[2]..

2.  وهذه الأسماء التي يريد الكلام عنها هنا: «مائةً إلا واحدًا» وهو تأكيدٌ على أن الرقم مقصود، لئلا يلتبسَ ذلك على مستمعٍ أو قارئٍ.

3.  وقد تفضَّل الله عزَّ وجلَّ على خلقه بأن جعل جزاء إحصاء تلك الأسماء دخول الجنة، وكفى بذلك فضلًا وثوابًا، والإحصاءُ الذي به يَدخُل العبدُ الجنةَ، له معانٍ كثيرة، دل عليها القرآن وكلام العرب، ومنها الحفظُ، والعَدُّ، وبذلك الإطاقة للعمل بها، والإحاطة بتلاوة القرآن كله؛ لأنه مُستَوفٍ لهذه الأسماء[3].

وعليه فالمرادُ: مَن آمن بها، وأحْصاها عدًّا، وحَفِظها وعمِل بها دخَل الجنة[4]، ولم يحدد النبيُّ ﷺ تلك الأسماء الحسنى، وذلك ليترُكَ العقولَ تتدبَّر القرآن والسنة، ويعيش حياة البحث عنها، فيُدركوا مطلبَهم، ويزيدوا معرفة بكتاب الله ومعانيه، كما أخفى ساعةَ الإجابة يوم الجمعة، وأبهم ليلةَ القدر.

4.  ثم أخبر ﷺ عن اسمٍ عظيمٍ من أسماء الله تعالى، وهو اسم الوتر، ومعناه: الفرد، فالله سبحانه وتعالى لا شريكَ له ولا نظيرَ؛ ولذلك يحبُّ الوِترَ؛ فلذلك جعلَ الأعمالَ وِترًا؛ جعل الصلواتِ خمسًا، والطهارةَ أثلاثًا، والطوافَ سبعًا، وأيامَ التشريق ثلاثًا، والسمواتِ والأرَضين سبعًا[5].

اتباع: 

  1. امتنَّ الله على عباده وأظهر لهم ما يحبُّ أن يُدعى به

    فقال تعالى:

    ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

    [الأعراف: 180]

     وذكر ﷺ أنَّ من دعا الله بهذه الأسماء دخل الجنة. فلا يليقُ بمسلمٍ عاقلٍ يعلم أن الله يحب أن يُدعى بتلك الأسماء، وأنه جعل الجنة لمن دعاه بها ثم يفرط فيها!

  2. فالسعيدُ من أعمل عقله وتأمل كتابَ اللهِ وسنَّةَ نبيِّه ﷺ واستنبط أسماءه الحسنى، وفهم معانيها، وعمل بمقتضاها، ودعاه بها، ليضمن الفوز بدخول الجنة.

  3. من إحصاء أسماء الله تعالى أن يُحصيَها في الدعاء بها، فيكثرَ الابتهال باسم الله، ويدعوَ بأسماء الله تعالى بما ناسَب حالَه، فيقول: يا رحمن ارحمني، يا غفورُ اغفرْ لي، يا رزَّاقُ ارزُقْني، وهكذا. 

  4. من إحصاء أسماء الله تعالى: أن يُطيق العبدُ القيامَ بحقِّ هذه الأسماء، والعمل بمقتضاها؛ فإذا علِم أن الله تعالى هو الرزاقُ، كان على ثقة ويقين من أنه سيرزقُه، وإحصاءُ اسم الله تعالى الرحيم أن يرجوَ رحمتَه ويرحم خلقه ليرحمه خالقهم، وإحصاء اسمه الرزاق يقتضي محبته على فضله، وعدم طلب الرزق فيما حرَّمه؛ لأن الرزق منه وهو واسع العطاء..، وهكذا. 

  5. إذا نزلت بك نازلة؛ من نعمةٍ، أو مصيبةٍ، أو أمرٍ يحتاج لتفكير؛ فاستحضر أسماء الله تعالى، وتعرّف ما يقتضيه كل اسم منها مما يناسب حالك، وادعُ الله بها، ستجد عندها برد اليقين، وراحة القلب.

  6. تدبر أسماء الله تعالى، فما كان منها يحسنُ بالإنسانِ العملُ بمثلها - كالرحيم، والكريم، والعفوِّ، والغفور، والشكور- فاعمله؛. وما كان منها لا يصلح إلا لله العظيم -كالمتكبر..- فاتركها الذي يستحقها وتذلّل لها، وأشفق منها.

  7. ليكن لك وِردٌ مع نفسك وأهلك وأصحابك ، تتذاكرون فيه كل حين اسماً من أسماء الله تعالى، تعيشون معه، وتتعرفون معانيه، والآثار الإيمانية المترتبة على معرفته ، وتستعينون على ذلك بالكتب الموثوقة في بيان معاني أسماء الله تعالى، التي تعتمد ما بينه رسول الله ﷺ  والأئمة الأولون، لا التي تتوهم بمجرد الظن.

  8. قال الشاعر:

أَدْعُوكَ بِالْحُسْنَى مِنَ الأَسْمَا اسْتَجِبْ = أَحْصَيْتُهَا لَأَنَالُ مِنْ نَعْمَاهُ

تِسْعُونَ زَادَتْ تِسْعَةً نُقِشَتْ عَلَى = قَلْبِي وَلَفْظُ اللهِ رُوحِي فِدَاهُ

وَبِهَا أُدَنْدِنُ باحِثاً متعلِّماً = كَالطَّيْرِ يَرْجُو الْقَطْرَ بُلَّ صَدَاهُ

أَيَردُّ جُودُكَ رَاجِيًا مُتَوَسِّلًا = أَحْيَا الدُّجَى يَرْجُوكَ يَا أللهُ؟!

المراجع

  1. ينظر: "شرح النوويِّ على مسلم" (17/ 5).
  2. أخرجه أحمد (4318)، وابن حبان (972) عن ابن مسعود ، وصحَّحه الهيثميُّ في "مجمع الزوائد" (10/ 136).
  3. ينظر: "أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) للخطَّابيِّ (2/ 1342)، "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (10/ 420)، "المسالك في شرح موطَّأ مالك" لابن العربيِّ (3/ 493).
  4. ينظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (33/ 230).
  5. ينظر: "إكمال الْمُعلِم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 177)، "شرح النوويِّ على مسلم" (17/ 6).

مشاريع الأحاديث الكلية