عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا؛ مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»، زَادَ في رواية: «إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ». متفق عليه

عناصر الشرح

الشرح المفصَّل للحديث


هذا الحديثُ من الأحاديث العَقَديَّة التي يَنبَني عليها أحْكامُ التوحيد، وهي تدخُل في باب الأسماء والصفات؛ فلله سبحانه الأسماءُ الحُسنى والصفات العُلى.

وفي الحديث إرشادٌ من النبيِّ ﷺ إلى الفَضل العظيم والثواب الجَزيل، فمَن أحْصى تلك الأسماءَ دخَل الجنَّة؛ "وفيه: «من أحصاها دخل الجنة»؛ أي: من أتى عليها حصرًا وتَعدادًا وعلمًا وإيمانًا، فدعا اللهَ بها، وذكره وسبَّحه وأثنى بها عليه - استحقَّ بذلك أن يدخل الجنة. وإنما ذكر دخوله الجنة على صيغة الماضي؛ تحقيقًا لذلك، وتنبيهًا على أن ذلك، وإن لم يكن بعدُ، فإنه في حكم الكائن" [1].

وأسماءُ الله - عزَّ وجلَّ - أكثرُ من أن تُحصى أو تُحفَظ، وليست أسماؤه تسعةً وتسعين اسمًا فحسبُ؛ بل المقصودُ هنا بيانُ تعظيم تلك الأسماء، وأنَّ مَن أحصاها دخل الجنة، وقد ثبَت أن الله عز وجلَّ له أسماءٌ أخرى لم يطَّلع عليها أحدٌ من الناس؛ كما في حديث ابن مسعود  قال: قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ»[2].

وقد "اتَّفَق العلماءُ على أن هذا الحديث ليس فيه حصرٌ لأسمائه سبحانه وتعالى؛ فليس معناه أنه ليس له أسماءٌ غير هذه التسعة والتسعين؛ وإنما مقصودُ الحديث أن هذه التسعة والتسعين مَن أحصاها دخَل الجنة، فالمرادُ الإخبارُ عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبارُ بحصر الأسماء"[3].

وفي قوله: «مائةً إلا واحدًا» تأكيدٌ وحرصٌ على ذلك من النبيِّ ﷺ؛ لئلا يلتبسَ ذلك على مستمعٍ أو قارئٍ.

أما الإحصاءُ الذي به يَدخُل العبدُ الجنةَ، فقيل: هو الحفظُ

ومنه قوله تعالى:

﴿وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ ﴾

[يس: 12]

 فيكون المرادُ منه: مَن حفِظ تلك الأسماءَ دخلَ الجنةَ. وقيل: الإحصاءُ: العَدُّ

ومنه قوله تعالى:  

﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾    

[الجن: 28]

 والمعنى: أن يُحصيَها في الدعاء بها، فيدعوَ بجميع الأسماء، بما ناسَب حالَه، فيقول: يا غفورُ اغفرْ لي، يا رزَّاقُ ارزُقْني، وهكذا.

وقيل: أطاقها وعمِل بها

ومنه قوله تعالى:

عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ

 [المزمل: 20]

 والمعنى: أطاق القيامَ بحقِّ هذه الأسماء، والعمل بمقتضاها؛ فإذا علِم أن الله تعالى هو الرزاقُ، كان على ثقة ويقين من أنه سيرزقُه، وإحصاءُ اسم الله تعالى الرحيم أن يرجوَ رحمتَه... وهكذا، كذلك فإن ما كان من أسماء الله تعالى مما يجب على المؤمن الاقتداءُ بالله تعالى فيه من أسمائه؛ كالرحيم، والكريم، والعفوِّ، والغفور، والشكور، والتوَّاب، وشِبهها، فإن اللهَ تعالى يحبُّ أن يرى على عبده حُلاها، ويرضى له معناها، والاقتداء به تعالى فيها. وما كان منها لا يليقُ بالعبد معناها؛ كالله، والأحد، والقدير، والجبَّار، والمتكبِّر، والعظيم، والعزيز، والقويِّ، وشبهها، فإنه يجِبُ على العبد الإقرارُ بها، والتذلُّلُ والإشفاقُ منها. وما كان بمعنى الوعيد؛ كشديد العقاب، وعزيزٍ ذي انتقام، وسريع الحساب، وشبهها، فإنه يجِبُ على العبد الوقوفُ عند أمره، واجتنابُ نَهيه، واستشعارُ خشيته عزَّ وجلَّ، من أجلها؛ خوفَ وعيده وشديد عقابه، وقيل: معنى ذلك ختمُ القرآن وتلاوتُه كله؛ لأنه مُستَوفٍ لهذه الأسماء[4].

وقد يجوز أن يكون المعنى شاملًا لكلِّ تلك المعاني، فيكون المرادُ: مَن أحْصاها عدًّا، وحَفِظها وعمِل بها واعتقدَها، دخَل الجنة[5].

ثم أخبر النبيُّ ﷺ باسم من أسمائه تعالى، وصفةٍ من صفاته؛ وهو أنه وِترٌ، والوِتر: الفردُ، الذي

﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾

  [الإخلاص: 3، 4]

﴿ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ﴾

[الإسراء: 111]

 فالله سبحانه وتعالى لا شريكَ له ولا نظيرَ؛ ولذلك يحبُّ الوِترَ؛ فلذلك جعلَ الأعمالَ وِترًا؛ جعل الصلواتِ خمسًا، والطهارةَ أثلاثًا، والطوافَ سبعًا، وأيامَ التشريق ثلاثًا، والسمواتِ والأرَضين سبعًا[6].

  ولمعرفة هذه الأسماء الحسنى، والعلم بها أفضالٌ كثيرة، وفوائدُ تعود على الفرد، منها[7] :

  • يأتي فضلها من تعلُّقها بالله تعالى، فمعرفة الله تعالى أهمُّ هدف من إرسال الرسل للبشر، كما أن أركان الإيمان تتضمَّن في رُكنها الأول أن تؤمن بالله، ولا يتمُّ الإيمان بالله إلا بمعرفة الأسماء الحسنى، ومعرفة الله تعالى بصفاته وبما فيها من أسماءِ رحمة تحبِّب فيه قلوب خَلقه، ومعرفة ما فيها من أسماء قوَّة وشدَّة تخوِّف عباده، فيَلجؤون إليه بالعبادة والطاعة والخشوع والخضوع، وما فيها من أسماء خَلْق وعَظَمة وقُدرة تجعله يَعظُم في قلوبهم، وهكذا.

  • يحبُّ الله تعالى هذه الأسماء، ويحبُّ أن يُدْعى بها

    كما في قوله تعالى: 

    وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا

    [الأعراف: 180]

     وقوله:

    قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ

    [الإسراء: 110]

     ويحبُّ أن تؤثِّر في خَلقه.

  • الهَدَف من خلق البَشَر وتَسخيرِ كلِّ المخلوقات لهم، هو أن يَعرِفوه ويعبدوه، فاشتغال الإنسان بإحصائها والعلم بها اشتغالٌ بما خُلِق له.

  • إذا عُرفت أسماؤه الحسنى سبحانه وصفاته العُليا تبيَّن مَوطنُ الحكمة في تشريعاته وتحليله وتحريمه، وأن ذلك لا يكون إلَّا وَفْقَ أسمائه وصفاته.

  • تؤدِّي إلى سكون النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، والنشاط في العبادة، والسعي نحو لقاء الله تعالى.

  • معرفتها تَجعَل الإنسان صابرًا على قضاء الله وقَدَره، وما ساقه للعبد؛ لعلمه بصفات الله تعالى، التي منها العدلُ والرحمة والحِكمة.

"فالسَّيرُ إلى الله من طريق الأسماء والصفات شأنُه عَجَبٌ، وفتحه عجبٌ! صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مُستلقٍ على فِراشه غيرُ تَعِبٍ ولا مكدودٍ، ولا مشتَّتٍ عن وطنه، ولا مشرَّدٍ عن سكنه"[8]

وقد حاول كثيرون إحصاء تسعة وتسعين اسمًا من أسماء الله تعالى؛ ليقعوا تحت بُشرى هذا الحديث، ومنهم من اقترب من الْمُجمَع عليه، ومنهم من ابتعد وخَلَط، وسنَذكُر بعضًا من الاجتهادات فيها ومعانيها؛ لتقريب فَهمها، ولفتح الباب للتأمُّل فيها وتدبُّرها والعمل بمقتضاها، والعيش في رِحابها، ومحاولة التعرُّض لفضل هذا الحديث:

  1. الله: وهو الاسم الأعظم الذي تفرَّد به الحقُّ سبحانه، وخصَّ به نفسه، وجعله أوَّل أسمائه، وأضافها كلَّها إليه؛ فهو علَمٌ على ذاته سبحانه.

  2. الرَّحْمن: كثير الرَّحمة، وهو اسم مقصور على الله عزَّ وجلَّ، ولا يجوز أن يُقال: رحمن، لغير الله؛ وذلك لأن رحمته وسعت كلَّ شيء، وهو أرحم الراحمين.

  3. الرَّحِيم: هو المنعِم أبدًا، المتفضِّل دومًا، فرحمته لا تنتهي.

  4. المَلِك: مَلِك الملوك، له الملك، وهو مالك يوم الدين، ومليك الخلق؛ فهو المالك المطلَق.

  5. الْقُدُّوس: هو الطاهر المنزَّه عن العيوب والنقائص، وعن كلِ ما تحيط به العقول.
  6. السَّلَام: هو ناشر السلام بين الأنام، وهو الذي سَلِمت ذاته من النقص والعيب والفناء.

  7. المُؤْمِن: هو الذي سلم أولياؤه من عذابه، والذي يَصدُق عباده ما وَعَدهم.

  8. الْمُهَيْمِن: هو الرقيب الحافظ لكلِّ شيء، القائم على خلقه بأعمالهم، وأرزاقهم وآجالهم، والمطَّلع على خفايا الأمور، وخبايا الصدور.
  9. الْعَزِيز: هو المنفرد بالعزة، الظاهر الذي لا يُقهَر.

  10. الْجَبَّار: هو الذي تنفُذ مشيئته، ولا يَخرُج أحد عن تقديره، وهو القاهر لخلقه على ما أراد.

  11. الْمُتَكَبِّر: هو المتعالي عن صفات الخلق المنفرد بالعظمة والكبرياء.

  12. الْخَالِق: هو الفاطر المبدِع لكلِّ شيء، والمقدِّر له والموجِد للأشياء من العَدَم.

  13. الْبَارِئ: هو الذي خلق الخلق بقدرته، لا عن مثال سابق، القادر على إبراز ما قدَّره إلى الوجود.
  14. الْمُصَوِّر: هو الذي صوَّر جميع الموجودات، ورتَّبها فأعطى كلَّ شيء منها صورة خاصَّة، وهيئة منفردة، يتميَّز بها على اختلافها وكثرتها.

  15. اَلْغَفَّار: هو وحدَه الذي يَغفِر الذنوب، ويَستُر العيوب في الدنيا والآخرة.

  16. الْقَهَّار: هو الغالب الذي قَهَر خلقه بسُلطانه وقدرته، وخضعت له الرقاب، وذلَّت له الجبابرة، وصرف خلقه على ما أراد طَوعًا وكرهًا، وعَنَت الوجوه له.

  17. الْوَهَّاب: هو الْمُنعِم على العباد، الذي يهب بغير عِوَض، ويعطي الحاجة بغير سؤال، كثير النعم، دائم العطاء.

  18. الرَّزَّاق: هو الذي خلق الأرزاق، وأعطى كلَّ الخلائق أرزاقها، ويَمُدُّ كلَّ كائن بما يحتاجه، ويحفظ عليه حياته ويُصلحه.

  19. الْفَتَّاح: هو الذي يَفتَح مغلَق الأمور، ويسهِّل العسير، وبيده مفاتيح السماوات والأرض.

  20. الْعَلِيم: هو الذي يعلم تفاصيل الأمور، ودقائق الأشياء، وخفايا الضمائر والنفوس، لا يَعزُب عنه مثقال ذرَّة، فعلمُه يحيط بجميع الأشياء.

  21. الْقَابِضُ: الذي يَقبِض الرزق عمَّن يشاء من الخلق بعدله وحكمته.

  22. الْبَاسِطُ: الذي يوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده بجوده ورحمته، فهو سبحانه القابض الباسط.
  23. الخَافِض: هو الذي يَخفِض كلَّ من طغى وتجبَّر وخرج على شريعته وتمرَّد.

  24. الرَّافِعُ: هو الذي يرفع عباده المؤمنين بالطاعات، ويرفعهم على عدوِّهم فيَنصُرهم، وهو رافع السماوات السبع.

  25. المُعِز:هو الذي يهب القوَّة والغَلَبة والشدَّة لمن شاء فيُعزُّه.

  26. المُذِل: هو الذي يَنزِع القوة والغلبة والشدَّة عمن يشاء فيُذِلُّه.

  27. السَّمِيعُ: الذي يسمع جميع الأصوات الظاهرة والباطنة، الخَفيَّة والجَليَّة، وإحاطته التامَّة بها، يسمع إجابة السائلين والداعين والعابدين، فيُجيبهم ويُثيبهم.
  28. الْبَصِير: هو الذي يرى الأشياء كلَّها، ظاهرها وباطنها، وهو المحيط بكلِّ شيء علمًا.

  29. الْحَكَم: هو الذي يفصل بين مخلوقاته بما شاء، ويفصل بين الحقِّ والباطل، لا رادَّ لقضائه، ولا معقِّب لحُكمه.

  30. العَدْل: هو الذي حرَّم الظُّلم على نفسه، وجعله على عباده محرَّمًا، فهو المنزَّه عن الظلم والجَور في أحكامه وأفعاله، الذي يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه.

  31. اللَّطِيفُ: هو البَرُّ الرفيق بعباده، يرزق وييسِّر ويحسِن إليهم، ويَرفُق بهم، ويتفضَّل عليهم.

  32. الْخَبِيرُ: هو العليم بدقائق الأمور، لا تخفى عليه خافية، ولا يغيب عن علمه شيء، فهو العالم بما كان وما يكون.

  33. الْحَلِيمُ: هو الصبور الذي يمهِل ولا يُهمِل، ويَستُر الذنوب، ويؤخِّر العقوبة، فيرزق العاصيَ كما يَرزُق الْمُطيع.
  34. الْعَظِيمُ: هو العظيم في كلِّ شيء، عظيم في ذاته وأسمائه وصفاته، عظيمٌ في رحمته، عظيم في قدرته، عظيم في حكمته، عظيم في جَبروته وكِبريائه، عظيم في هبته وعطائه، عظيم في خبرته ولُطفه، عظيم في بِرِّه وإحسانه، عظيم في عزَّته وعدله وحمده، فهو العظيم المطلَق، فلا أحد يساويه، ولا يُدانيه.
  35. الْغَفُورُ: هو الساتر لذنوب عباده، المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم. 
  36. الشَّكُورُ: هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد، فيتقبَّلها ويضاعف أجرها.
  37. الْعَلِيُّ: هو الرفيع القَدْرِ، فلا يحيط به وصف الواصفين، المتعالي عن الأنداد والأضداد، فكلُّ معاني العلوِّ ثابتة له ذاتًا وقهرًا وشأنًا.
  38. الْكَبِيرُ: هو العظيم الجليل ذو الكبرياء في صفاته وأفعاله، فلا يحتاج إلى شيء، ولا يُعجزه شيء

    ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾

  39. الْحَفِيظُ: هو الذي لا يَعزُب عن حفظه شيء ولو كمثقال الذرِّ؛ فحِفظُه لا يتبدَّل ولا يزول ولا يعتريه التبديل.
  40. المُقِيت: هو المتكفِّل بإيصال أقوات الخلق إليهم، وهو الحفيظ والمقتدر والقدير والمقدِّر.

  41. الْحَسِيبُ: هو الكافي الذي يكفي العباد بفضله.
  42. الجَلِيل: هو العظيم المتَّصِف بجميع صفات الكمال، والمنعوت بكمالها، المنزَّه عن كلِّ نقص.

  43. الْكَرِيمُ: هو الكثير الخير، الجَوَاد، المعطي الذي لا يَنفَد عطاؤه، وهو الكريم المطلَق الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل، المحمود بفعاله.

  44. الرَّقِيبُ: هو الرقيب الذي يراقب أحوال العباد، ويعلم أقوالهم، ويُحصي أعمالهم، وهو الحافظ الذي لا يَغيب عنه شيء.
  45. الْمُجِيبُ: هو الذي يُجيب دعاء من دعاه، وسؤال من سأله، ويقابله بالعطاء والقَبول، ولا يُسأل أحد سواه.
  46. الْوَاسِعُ: هو الذي وَسِع رزقه جميع خَلقه، ووَسِعت رحمته كلَّ شيء، المحيط بكلِّ شيء.

  47. اَلْحَكِيمُ: هو المحقُّ في تدبيره، اللطيف في تقديره، الخبير بحقائق الأمور، العليم بحكمه المقدور، فجميع خلقه وقضائه خير وحكمة وعدل.

  48. الْوَدُودُ: هو المحبُّ لعباده، والمحبوب في قلوب أوليائه.

  49. الْمَجِيدُ: هو الذي تمجَّد بفعاله، ومجَّده خَلْقُه لعظمته، والمجيد هو واسع الكرم، ووصف نفسه بالمجيد وهو متضمِّن كثرة صفات كماله وسعتها، وعدم إحصاء الخلق لها، وسعة أفعاله، وكثرة خيره ودوامه. وتعني أيضًا البالغَ النهايةَ في المجد، الكثير الإحسان، الجزيلَ العطاءُ، العظيمَ البِرُّ.

  50. البَاعِث: هو باعث الخلق يومَ القيامة، وباعث رسله إلى العباد، وباعث المعونة إلى العبد.

  51. الشَّهِيدُ: هو الحاضر الذي لا يغيب عنه شيء، فهو المطَّلع على كلِّ شيء مشاهد له عليم بتفاصيله.

  52. الْحَقُّ: هو الذي يُحِقُّ الحقَّ بكلماته، ويؤيِّد أولياءه، فهو المستحقُّ للعبادة.

  53. الْوَكِيلُ: هو الكفيل بالخلق، القائم بأمورهم؛ فمن توكَّل عليه تولَّاه وكَفَاه، ومن استغنى به، أغناه وأرضاه.

  54. الْقَوِيّ: هو صاحب القدرة التامَّة البالغة الكمال، غالبٌ لا يُغلَب؛ فقوَّته فوق كلِّ قوَّة، ولا يَرُدُّ قضاءه رادٌّ، يَنفُذ أمره، ويمضي قضاؤه في خلقه، شديد عقابه لمن كفر بآياته وجحد حُجَجه.
  55. الْمَتِينُ: هو الشديد الذي لا يحتاج في إمضاء حُكمه إلى جُند أو مَدد، ولا إلى مُعين، فهو المتناهي في القوَّة، الذي لا تلحق أفعاله مشقَّة، ولا يمسُّه فيها لُغوب.

  56. الْوَلِيُّ: هو المحبُّ الناصر لمن أطاعه، يَنصُر أولياءه، ويَقهَر أعداءه، والمتولِّي لأمور الخلائق ويَحفَظهم.

  57. الْحَمِيدُ: هو المستحقُّ للحمد والثناء، له منتهى الحمد وأطيبُه على ذاته وصفاته، وعلى نعمه التي لا تُحصى.

  58. الْـمُحْصِي: هو الذي أحصى كلَّ شيء بعلمه، فلا يفوته منها دقيقٌ ولا جليل.

  59. المُبدِئ: هو الذي أنشأ الأشياء، واخترعها ابتداءً من غير سابق مثال.
  60. المُعِيد: هو الذي يُعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات في الدنيا، وبعد الممات إلى الحياة يوم القيامة.

  61. المُحيِي: هو خالق الحياة ومعطيها لمن شاء، يُحيي الخلق من العدم، ثم يُحييهم بعد الموت.

  62. المُمِيت: هو مقدِّر الموت على كلِّ من أماته، ولا مميت سواه، قَهَر عباده بالموت متى شاء وكيف شاء.

  63. الْحَيُّ: هو المتَّصِف بالحياة الأبدية التي لا بداية لها ولا نهاية، فهو الباقي أَزَلاً وأبدًا، وهو الحيُّ الذي لا يموت.

  64. الْقَيُّومُ: هو القائم بنفسه، الغنيُّ عن غيره، وهو القائم بتدبير أمر خلقه في إنشائهم ورزقهم.

  65. الوَاجِد: هو الذي لا يُعْوِزه شيء، ولا يُعجزه شيء، يَجِد كلَّ ما يطلبه، ويُدرك كلَّ ما يريده.

  66. المَاجِد: هو الذي له الكمال المتناهي، والعزُّ الباهي، له العزُّ في الأوصاف والأفعال، الذي يعامل العباد بالجود والرحمة.

  67. الْوَاحِدُ: هو الفرد المتفرِّد في ذاته وصفاته وأفعاله، واحد في مُلكه لا ينازعه أحد، لا شريك له سبحانه.

  68. الصَّمَدُ: هو المطاع الذي لا يُقضى دونه أمر، الذي يُقصَد إليه في الحوائج، فهو مقصد عباده في مهمَّات دينهم ودنياهم.
  69. الْقَادِرُ: هو الذي يقدر على إيجاد المعدوم، وإعدام الموجود، على قدر ما تقتضي الحكمة، لا زائدًا عليه، ولا ناقصًا عنه.

  70. الْمُقْتَدِرُ: هو الذي يَقدِر على إصلاح الخلائق على وجهٍ لا يَقدِر عليه غيره.
  71. الْمُقَدِّمُ: هو الذي يقدِّم الأشياء ويَضَعُها في مواضعها، فمن استحقَّ التقديم قدَّمه.

  72. الْمُؤَخِّرُ: هو الذي يؤخِّر الأشياء فيضعها في مواضعها، المؤخِّر لمن شاء من الفجَّار والكفَّار، وكل من يستحقُّ التأخير.

  73. الْأَوَّلُ: هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء، فهو أوَّل قبل الوجود.

  74. الْآخِرُ: هو الباقي بعد فناء خلقه البقاء الأبديَّ، يفنى الكلُّ وله البقاء وحدَه، فليس بعده شيء.

  75. الظَّاهِرُ: هو الذي ظهر فوق كلِّ شيء، وعلا عليه، الظاهر وجودُه لكثرة دلائله.

  76. الْبَاطِنُ: هو العالم ببواطن الأمور وخفاياها، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد.

  77. الوَالِي: هو المالك للأشياء المتصرِّف فيها بمشيئته وحكمته، يَنفُذ فيها أمره، ويجري عليها حُكمه.

  78. الْمُتَعَالِ: هو الذي جلَّ عن إفك المفترين، وتنزَّه عن وساوس المتحيِّرين.

  79. الْبِرُّ: هو العَطوف على عباده ببرِّه ولُطفه، ومنَّ على السائلين بحُسن عطائه، وهو الصادق فيما وَعَد.
  80. التَّوَّابُ: هو الذي يوفِّق عباده للتوبة؛ حتى يتوب عليهم، ويَقبَل توبتهم، فيقابل الدعاء بالعطاء، والتوبة بغُفران الذنوب.
  81. الْمُنْتَقِمُ: هو الذي يقسم ظهور الطغاة، ويشدِّد العقوبة على العصاة، وذلك بعد الإعذار والإنذار.

  82. العَفُو: هو الذي يترك المؤاخذة على الذنوب، ولا يذكِّرك بالعيوب، فهو يمحو السيئات، ويتجاوز عن المعاصي.

  83. الرَّؤُوفُ: هو المتعطِّف على المذنِبين بالتوبة، الذي جاد بلُطفه، ومَنَّ بتعطُّفه، يَستُر العيوب ثم يعفو عنها.

  84. مَالِكُ الْمُلْكِ: هو المتصرِّف في مُلكه كيف يشاء، لا رادَّ لحُكمه، ولا معقِّب لأمره.

  85. ذُو الْجَلَالِ والْإكْرَامِ: هو المنفرد بصفات الجلال والكمال والعظمة، المختصُّ بالإكرام والكرامة، وهو أهل لأن يُجَلَّ.

  86. المُقسِّط: هو العادل في حُكمه، الذي ينتصف للمظلوم من الظالم، ثم يُكمل عَدْلَه فيُرضي الظالم بعد إرضاء المظلوم.

  87. الْجَامِعُ: هو الذي جمع الكمالاتِ كلَّها، ذاتًا ووصفًا وفعلاً، الذي يجمع بين الخلائق المتماثلة والمتباينة، والذي يجمع الأوَّلين والآخرين.

  88. الْغَنِيُّ: هو الذي لا يحتاج إلى شيء، وهو المستغني عن كلِّ ما سواه، المفتقِر إليه كلُّ من عاداه.

  89. المُغنِي: هو مُعطي الغنى لعباده، يُغني من يشاء غناه، وهو الكافي لمن شاء من عباده.

  90.  المُعطي: هو الذي أعطى كلَّ شيء.

  91. المَانِع: هو الذي يمنع العطاء عمَّن يشاء، ابتلاءً أو حماية.

  92. الضَّارُّ: هو المقدِّر للضُّرِّ على من أراد كيف أراد.

  93. النَّافِع: المقدِّر للنفع والخير لمن أراد كيف أراد، كلُّ ذلك على مقتضى حِكمته سبحانه.

  94. النُّورُ: هو الهادي الرشيد الذي يُرشد بهدايته من يشاء، فيُبيِّن له الحقَّ، ويُلهمه اتِّباعه، الظاهر في ذاته، المظهِر لغيره.

  95. الْهَادِي: هو المبيِّن للخلق طريق الحقِّ بكلامه، يَهدي القلوب إلى معرفته، والنفوسَ إلى طاعته.

  96. الْبَدِيعُ: هو الذي لا يماثله أحدٌ في صفاته، ولا في حُكم من أحكامه، أو أمر من أموره، فهو المحدِث الموجِد على غير مِثال.
  97. الباقي: هو وحدَه له البقاء، الدائم الوجود، الموصوف بالبقاء الأزليِّ، غير قابل للفناء؛ فهو الباقي بلا انتهاء.

  98. الْوَارِثُ: هو الأبقى الدائم الذي يرث الخلائق بعد فناء الخَلق، وهو يرث الأرض ومن عليها.

  99. الرَّشِيد: هو الذي أسعد من شاء بإرشاده، وأشقى من شاء بإبعاده، عظيم الحكمة، بالغ الرشاد.

  100. الصَّبُور: هو الحليم الذي لا يعاجل العصاة بالنِّقمة؛ بل يعفو ويؤخِّر، ولا يُسرع بالفعل قبل أوانه.

المراجع

  1. انظر: "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتُّورِبِشْتِي (2/ 526).
  2. أخرجه أحمد (4318)، وابن حبان في صحيحه (972)، وصحَّحه الهيثميُّ في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (10/ 136).
  3. "شرح النوويِّ على مسلم" (17/ 5).
  4. انظر: "أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) للخطَّابيِّ (2/ 1342)، "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (10/ 420)، "المسالك في شرح موطَّأ مالك" لابن العربيِّ (3/ 493).
  5. انظر: "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن (33/ 230).
  6. انظر: "إكمال الْمُعلِم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 177)، "شرح النوويِّ على مسلم" (17/ 6).
  7. انظر: "تخريج أحاديث الأسماء الحسنى" لابن حجر العسقلانيِّ، "فتح الباري" لابن حجر (11/224)، "فقه الأسماء الحسنى" لعبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، الترمذيَّ (3574).
  8. انظر: "طريق الهجرتين وباب السعادتين" لابن القيم (ص393-394).
المعنى الإجماليُّ للحديث

   يروي أبو هُرَيْرَةَ  عن رَسُول اللَّهِ أنه قال: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا»: المقصودُ هنا بيانُ تعظيم تلك الأسماء، لا حصرُها، والإخبارُ عن دخول الجنة بإحصائها. «مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا»: هو تأكيد للجُملة الأولى؛ ليرفع به وهم من يتوهَّم في النُّطق أو الكتابة. «مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»؛ أي: مَن عَدَّها، وحَفِظَها ألفاظًا، وفَهِم معانيَها ومدلولاتِها، وعَمِل بمقتضياتها وأحكامها، ودعا اللهَ بها دعاءَ ثَنَاء وعبادة، ودعاءَ طَلَب ومسألة.

يقول : «إِنَّهُ وِتْرٌ»؛ أي: فَرْدٌ؛ فاللَّه واحدٌ، لا شَبيهَ له، ولا مثيلَ، ولا شَرِيكَ. «يُحبُّ الوِتْر»؛ أَيْ: يُثيب عليه، ويَقبَله من عامله.

النقول

قال ابن بطَّال رحمه الله: "قال ابن الطيِّب: وليس في الحديث دليلٌ على أن ليس لله تعالى أكثر من تسعةٍ وتسعين اسمًا؛ لكن ظاهر الحديث يقتضي من أحصى تلك التسعة وتسعين اسمًا على وجه التعظيم لله، دَخَل الجنة، وإن كان له أسماءٌ أُخَرُ. وقال أبو الحسن بن القابسيِّ - رحمه الله -: أسماء الله وصفاته لا تُعلَم إلا بالتوقيف، والتوقيفُ كتاب الله تعالى وسنَّة نبيِّه - عليه السلام - أو اتِّفاق أمَّته، وليس للقياس في ذلك مدخل، وما أجمعت عليه الأمَّة، فإنما هو عن سَمْعٍ عَلِموه من بيان الرسول. قال: ولم يُذكَر في كتاب الله لأسمائه تعالى عددٌ مسمًّى، وقد جاء حديث أبى هريرة عن النبيِّ  ﷺ: «إن لله تسعةً وتسعين اسمًا»، وقد أخرج بعض الناس من كتاب الله تعالى تسعةً وتسعين اسمًا، واللهُ أعلمُ بما خرج من هذا العدد إن كان كلُّ ذلك أسماءً، أو بعضُها أسماءً وبعضُها صفاتٍ، ولا يَسلَم له ما نَقَله من ذلك. وقال الداوديُّ: لم يَثبُت عن النبيِّ  ﷺ أنه نصَّ على التسعة والتسعين اسمًا"[1].

قال النوويُّ رحمه الله: "اتَّفَق العلماءُ على أن هذا الحديث ليس فيه حصرٌ لأسمائه سبحانه وتعالى؛ فليس معناه أنه ليس له أسماءٌ غير هذه التسعة والتسعين؛ وإنما مقصودُ الحديث أن هذه التسعة والتسعين مَن أحصاها دخَل الجنة، فالمرادُ الإخبارُ عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبارُ بحصر الأسماء"[2].

قال ابن تيميَّة رحمه الله: "إن التسعة والتسعين اسمًا لم يَرِدْ في تعيينها حديثٌ صحيح عن النبيِّ  ﷺ، وأشهرُ ما عند الناس فيها حديثُ الترمذيِّ، الذي رواه الوليدُ بنُ مُسلمٍ، عن شُعَيْبٍ، عن أبي حَمزةَ، وحُفَّاظُ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليدُ بنُ مسلم عن شيوخه من أهل الحديث، وفيها حديثٌ ثانٍ أضعفُ من هذا، رواه ابنُ ماجهْ، وقد رُوي في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف"[3] .

قال ابن الأثير رحمه الله: "أي: من أحصاها علمًا بها وإيمانًا. وقيل: أحصاها؛ أي: حَفِظها على قلبه. وقيل: أراد من استخرجها من كتاب الله تعالى وأحاديث رسوله؛ لأن النبيَّ  ﷺ لم يَعُدَّها لهم، إلا ما جاء في رواية عن أبي هريرة، وتكلَّموا فيها. وقيل: أراد من أطاق العمل بمقتضاها؛ مثل من يعلم أنه سميع بصير، فيكفُّ لسانه وسمعه عمَّا لا يجوز له، وكذلك باقي الأسماء. وقيل: أراد من أَخطَر ببالِه عند ذكرها معناها، وتفكَّر في مدلولها معظِّمًا لمسمَّاها، ومقدِّسًا معتبِرًا بمعانيها، ومتدبِّرًا راغبًا فيها وراهبًا" [4].

قال التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله: "وفيه: «من أحصاها دخل الجنة»؛ أي: من أتى عليها حصرًا وتَعدادًا وعلمًا وإيمانًا، فدعا اللهَ بها، وذكره وسبَّحه وأثنى بها عليه - استحقَّ بذلك أن يدخل الجنة. وإنما ذكر دخوله الجنة على صيغة الماضي؛ تحقيقًا لذلك، وتنبيهًا على أن ذلك، وإن لم يكن بعدُ، فإنه في حكم الكائن"[5].

"قال الخطَّابيُّ رحمه الله: وفيه دليلٌ على أن أشهر أسمائه: اللهُ؛ لإضافة هذه الأسماء له، وقد جاء في بعض الروايات: "إن الله هو اسمه الأعظم". قال أبو القاسم الطبريُّ: وإليه يُنسَب كلُّ اسم، وقال: الرؤوف والكريم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرؤوف ولا الكريم، وفيه إثبات الأسماء المحصورة بهذا العدد. قال: وليس مقتضاه أنه ليس له أسماء غيرها"[6].

قال ابن بطَّال رحمه الله: "فإن قال قائلٌ: كيف وجهُ إحصائها عملاً؟ قيل له: وجهُ ذلك أن ما كان من أسماء الله تعالى مما يجب على المؤمن الاقتداءُ بالله تعالى فيه من أسمائه؛ كالرحيم، والكريم، والعفوِّ، والغفور، والشكور، والتوَّاب، وشبهها، فإن اللهَ تعالى يحبُّ أن يرى على عبده حُلاها، ويرضى له معناها، والاقتداء به تعالى فيها، وما كان منها لا يليقُ بالعبد معناها؛ كالله، والأحد، والقدير، والجبَّار، والمتكبِّر، والعظيم، والعزيز، والقويِّ، وشبهها، فإنه يجِبُ على العبد الإقرارُ بها، والتذلُّلُ والإشفاقُ منها، وما كان بمعنى الوعيد؛ كشديد العقاب، وعزيزٍ ذي انتقام، وسريع الحساب، وشبهها، فإنه يجِبُ على العبد الوقوفُ عند أمره، واجتنابُ نَهيه، واستشعارُ خشيته عزَّ وجلَّ، من أجلها؛ خوفَ وعيده وشديد عقابه، وقيل: معنى ذلك ختمُ القرآن وتلاوتُه كله؛ لأنه مُستَوفٍ لهذه الأسماء[7].

قال النوويُّ رحمه الله: "الْوِتْرُ الْفَرْدُ، ومعناه في حَقِّ اللَّهِ تعالى: الواحدُ الذي لا شَرِيكَ له ولا نظير، ومعنى (يحبّ الوتر): تفضيل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات، فجعل الصّلاة خمسًا، والطّهارة ثلاثًا، والطّواف سبعًا، والسّعي سبعًا، ورميَ الجمار سبعًا، وأيّام التّشريق ثلاثًا، والاستنجاء ثلاثًا، وكذا الأكفان، وفي الزكاة خمسةُ أَوْسُقٍ، وخمس أَوَاقٍ من الوَرِق، ونصاب الإبل، وغير ذلك، وجعل كثيرًا من عظيم مخلوقاته وترًا، منها: السموات، والأرضون، والبحار، وأيام الأسبوع، وغير ذلك"[8].

قال ابن القيم رحمه الله: "فالسَّيرُ إلى الله من طريق الأسماء والصفات شأنُه عَجَبٌ، وفتحه عجبٌ! صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مُستلقٍ على فِراشه غيرُ تَعِبٍ ولا مكدودٍ، ولا مشتَّتٍ عن وطنه، ولا مشرَّدٍ عن سكنه"[9].

المراجع

  1. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (10/ 141، 142).
  2. "شرح النوويِّ على مسلم" (17/ 5).
  3. "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/ 380).
  4. "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (1/ 397).
  5. "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتُّورِبِشْتِيِّ (2/ 526).
  6. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 175).
  7. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطال (10/ 420).
  8. "شرح النوويِّ على مسلم" (17/ 6).
  9. انظر: "طريق الهجرتين وباب السعادتين" لابن القيم (ص393-394).

 

غريب الحديث

أحصاها: حفِظَها، وقيل: أطاقَ العملَ بها، وقيل: عدَّها[1].

الْوِتْرُ: الفَرْدُ، وتُكْسَر وَاوُه وتُفْتَح. فاللَّه واحدٌ، لا شِبْهَ له، ولا مِثْلَ، ولا شَرِيكَ.

المراجع

  1. قال ابن الأثير: "أي: من أحصاها علمًا بها وإيمانًا. وقيل: أحصاها؛ أي: حَفِظها على قلبه. وقيل: أراد من استخرجها من كتاب الله تعالى وأحاديث رسوله؛ لأن النبيَّ  لم يَعُدَّها لهم، إلا ما جاء في رواية عن أبي هريرة، وتكلَّموا فيها. وقيل: أراد من أطاق العمل بمقتضاها؛ مثل من يعلم أنه سميع بصير، فيكفُّ لسانه وسمعه عمَّا لا يجوز له، وكذلك باقي الأسماء. وقيل: أراد من أَخطَر ببالِه عند ذكرها معناها، وتفكَّر في مدلولها معظِّمًا لمسمَّاها، ومقدِّسًا معتبِرًا بمعانيها، ومتدبِّرًا راغبًا فيها وراهبًا". "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (1/ 397).


مشاريع الأحاديث الكلية