عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا؛ مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»، زَادَ في رواية: «إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ». متفق عليه

فوائد الحديث

الفوائد العلمية
  1. في الحديث أن الله تعالى «يُحبُّ الوِتْر»؛ أَيْ: يُثيب عليه، ويقبله من عامله، وفيه تفضيلُ الوتر في الأعمال وكثيرٍ من الطاعات؛ فجعَلَ – مثلاً - الصلوات خمسًا، والطهارةَ أثلاثًا، والطوافَ سبعًا، والسعيَ سبعًا، وجعَلَ كثيرًا من عظيمِ مخلوقاته وترًا؛ كالسموات والأَرضين وأيَّام الأسبوع وغير ذلك.

  2. الهَدَف من خلق البَشَر وتَسخيرِ كلِّ المخلوقات لهم، هو أن يَعرِفوه ويعبدوه، فاشتغال الإنسان بإحصاء أسماء الله الحسنى والعلم بها اشتغالٌ بما خُلِق له.

  3. إذا عُرفت أسماؤه الحسنى سبحانه وصفاته العُليا تبيَّن مَوطنُ الحكمة في تشريعاته وتحليله وتحريمه، وأن ذلك لا يكون إلَّا وَفْقَ أسمائه وصفاته.

  4. معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا تَجعَل الإنسان صابرًا على قضاء الله وقَدَره، وما ساقه للعبد؛ لعلمه بصفات الله تعالى، التي منها العدلُ والرحمة والحِكمة.

  5. السَّيرُ إلى الله تعالى من طريق الأسماء والصفات شأنُه عَجَبٌ، وفتحه عجبٌ! صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مُستلقٍ على فِراشه غيرُ تَعِبٍ ولا مكدودٍ، ولا مشتَّتٍ عن وطنه، ولا مشرَّدٍ عن سكنه[1]

المراجع

  1. انظر: "طريق الهجرتين وباب السعادتين" لابن القيم (ص393-394).
الفوائد العقدية
6.  ذِكر التسعة والتسعين اسمًا ليس فيه حصرٌ لأسمائه سبحانه وتعالى؛ فليس معناه أنه ليس له أسماءٌ غيرُ هذه التسعة والتسعين؛ بل المقصودُ هنا بيانُ تعظيم تلك الأسماء، والإخبارُ عن دخول الجنة بإحصائها.
7.  ثبَت أن الله - عز وجلَّ - له أسماءٌ أخرى لم يطَّلع عليها أحدٌ من الناس؛ كما في حديث ابن مسعود  في حديث إذهاب الهمِّ، وفيه: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ»[1].
8.  لم يَرِد في تعيين التسعة والتسعين اسمًا حديثٌ صحيح، وما ورد في تعيينها هو من جمع بعض السلف، حيث أخرجوا تسعةً وتسعين اسمًا من الكتاب والسنَّة. 
9.  سكت النبيُّ ﷺ عن ذِكْر تلك الأسماء؛ ليترُكَ العقولَ تتأمَّلُ آياتِ الله، وتلتمِسُ أسماءَه من القرآن والسُّنَّة، فيُدركوا مطلبَهم، وزيادة معرفة بكتاب الله ومعانيه.
10. إن أشهر أسمائه تعالى: (اللهُ)؛ لإضافة هذه الأسماء له، وقد جاء في بعض الروايات: "إن الله هو اسمه الأعظم"، وإليه يُنسَب كلُّ اسم، فيقال: الكريم – مثلاً - من أسماء الله، ولا يُقال: الله من أسماء الكريم.
11. لا يجوز أن يسمَّى الله تعالى ولا أن يُخبَر عنه إلا بما سمَّى به نفسه، أو أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون زيادة أو نقصان.
12. أسماء الله وصفاته لا تُعلَم إلا بالتوقيف، والتوقيفُ كتاب الله تعالى وسنَّة نبيِّه ﷺ، وليس للقياس في ذلك مدخل، وما أجمعت عليه الأمَّة، فإنما هو عن سَمْعٍ عَلِموه من بيان الرسول، وما سوى ذلك فهو قول على الله بلا علم.
13. هناك من أسماء الله الحسنى ما يجب على المؤمن الاقتداءُ بالله تعالى فيه؛ كالرحيم، والكريم، والعفوِّ، والغفور، والشكور، والتوَّاب، وشبهها، فإن اللهَ تعالى يحبُّ أن يرى على عبده حُلاها، ويرضى له معناها، والاقتداء به تعالى فيها.
14. هناك من أسماء الله الحسنى ما لا يليقُ بالعبد معناها؛ كالله، والأحد، والقدير، والجبَّار، والمتكبِّر، والعظيم، والعزيز، والقويِّ، وشبهها، فإنه يجِبُ على العبد الإقرارُ بها، والتذلُّلُ والإشفاقُ منها.
15. هناك من أسماء الله الحسنى ما بمعنى الوعيد؛ كشديد العقاب، وعزيزٍ ذي انتقام، وسريع الحساب، وشبهها، فإنه يجِبُ على العبد الوقوفُ عند أمره، واجتنابُ نَهيه، واستشعارُ خشيته عزَّ وجلَّ.
16. يأتي فضل معرفة الأسماء الحسنى من تعلُّقها بالله تعالى، فمعرفة الله تعالى أهمُّ هدف من إرسال الرسل للبشر، كما أن أركان الإيمان تتضمَّن في رُكنها الأول أن تؤمن بالله، ولا يتمُّ الإيمان بالله إلا بمعرفة الأسماء الحسنى، ومعرفة الله تعالى بصفاته وبما فيها من أسماءِ رحمة تجعله محبَّبًا إلى قلوب خَلقه، ومعرفة ما فيها من أسماء قوَّة وشدَّة تخوِّف عباده، فيَلجؤون إليه بالعبادة والطاعة والخشوع والخضوع، وما فيها من أسماء خَلْق وعَظَمة وقُدرة تجعله يَعظُم في قلوبهم، وهكذا.
17. يحبُّ الله تعالى هذه الأسماء، ويحبُّ أن يُدْعى بها

كما في قوله تعالى:

 وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا

[الأعراف: 180]

 وقوله:

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ

[الإسراء: 110]

ويحبُّ أن تؤثِّر في خَلقه.

المراجع

  1. أخرجه أحمد (4318)، وابن حبان في صحيحه (972)، وصحَّحه الهيثميُّ في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (10/ 136).

الفوائد الحديثية

18.  لم يَرِد في تعيين التسعة والتسعين اسمًا حديثٌ صحيح، وما ورد في تعيينها هو من جمع بعض السلف، "وأشهرُ ما عند الناس فيها حديثُ الترمذيِّ، الذي رواه الوليدُ بنُ مُسلمٍ، عن شُعَيْبٍ، عن أبي حَمزةَ، وحُفَّاظُ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليدُ بنُ مسلم عن شيوخه من أهل الحديث، وفيها حديثٌ ثانٍ أضعفُ من هذا، رواه ابنُ ماجهْ، وقد رُوي في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف"[1].

19.  روى عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أكثرُ من ثمانمائةٍ، ما بين صحابيٍّ وتابعيٍّ، وله خمسةُ آلافِ حديث وثلاثُمِائةٍ وأربعةٌ وسبعونَ حديثًا، اتَّفَق البخاريُّ ومسلم منها على ثَلاثمِائة، وانفرد البخاريُّ بثلاثةٍ وسبعين [2].

المراجع

  1. "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/ 380).
  2. "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (1/ 72).
الفوائد اللغوية

20. قوله ﷺ: «إن لله تسعةً وتسعين اسمًا»: لا يدلُّ على حصر الأسماء بهذا العدد، فلو كان الْمُرادُ الحصرَ، لكانت العبارة: "إن أسماءَ الله تسعةٌ وتسعون اسمًا".

21. قولهﷺ: «ومن أحصاها دخل الجنة»: جملة شرطية، صفة لـ"تسعةً وتسعين" في محلِّ نصب، وَيجوز أَن تكون مُستأنَفة لا محلَّ لها من الإعراب، والمعنى لا يختلف، سواءٌ بالوصف أو الاستئناف، والمعنى: له أسماء متعدِّدة، من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أن يكون له أسماءٌ غيرُها، وهذا كما تقول: "لفلانٍ مِائةُ دينار أَعَدَّها للصدقة"، فلا ينفي هذا أن يكون له أموالٌ أخرى غيرُها مُعَدَّةٌ لغير الصَّدَقة.

22. قوله: «مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا»: هو تأكيد للجملة الأولى: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا»، وقد ذكر في الحديث عدَّة تأكيدات؛ ليرفع به وهم من يتوهَّم في النُّطق أو الكتابة.

23. مِائَةً: منصوب بدلًا من "تسعة وتسعين".

مشاريع الأحاديث الكلية