عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ»
عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ»
في الحديث أنه لا يستحقُّ رحمة الله تعالى إلَّا الرَّاحمون الموفَّقون.
في الحديث أن الرّحمة في الإسلام عامَّةٌ وشاملة لا تخصُّ أحدًا دون أحد، ولا نوعًا من الخلق دون نوع.
إشاعة الرّحمة بين أفراد المجتمع تَجمَع شَمْلَه، وتهذِّب أخلاقَه، وتَرفَع شأنَه، وتجعله مجتمَعًا متماسِكًا.
من رحمته تعالى أنه أَحْوَجَ الخلق بعضهم إلى بعض لتتمَّ مصالحهم، ولو أغنى بعضَهم عن بعض لتعطَّلت مصالحهم، وانحلَّ نظامها، وكان من تمام رحمته بهم أن جعل فيهم الغنيَّ والفقير، والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والراعيَ والمرعيَّ، ثم أفقر الجميع إليه، ثم عمَّ الجميع برحمته [1].
رحمة الله تعالى لا حدود لها، وقد أنزل الله تعالى جزءًا واحدًا من الرحمة يتراحم به جميع المخلوقات؛
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ:
«جَعَلَ اللهُ الرَّحمةَ في مِائَةِ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا؛ خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ»
[2]؛
أي: إن ما يُرى من أثَر الرحمة في جميع المخلوقات، في الإنسان وغيره، ما يَعقِل منها، وما لا يعقِل، حتى ما يُرى في رحمة الفرس بولدها وغير ذلك، كلُّه أثرُ رحمة واحدة، فكيف برحمته تعالى التي لا حدود لها؟!
الرحمةُ سببٌ واصلٌ بين الله تعالى وبين عباده، بها أَرسَل إليهم رُسلَه، وأنزل عليهم كُتبَه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دارَ ثوابه، وبها رَزَقهم وعافاهم، وأَنعَم عليهم، فبَيْنَهم وبينَه سببُ العبودية، وبينَه وبينَهم سببُ الرحمة [3].
المؤمن رحيمٌ بالخلق، يتميَّز بقلب حيٍّ مرهَف رقيقٍ ليِّن، يَرِقُّ للضعيف، ويأسى للحزين، ويَأْلَمُ للمُبْتلى، ويحنُّ على اليتامى والفقراء والمساكين، ويُعِين ذا الحاجة الملهوف، ويُبغِض القسوة والإيذاء؛ فهو مصدر رحمةٍ وخَيْرٍ وبِرٍّ وسلام.
ممَّا تُستجلَبُ به رحمة الله، وتُستنزَل به من السَّماء: أن يتراحم الناس، ويُشِيعوا الإحسان والرفق والرأفة فيما بينهم، وأن يَعطِف بعضُهم على بعض، وأن يحبَّ المرء لأخيه من الخير ما يحبُّه لنفسه، وأن يتواصَوْا بالرحمة فيما بينهم؛
قال الله تعالى مادحًا أهلَ الْمَيمنة:
{وَتَوَاصَوْا بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِٱلْمَرْحَمَةِﱠ}
[البلد: 17].
من لم يكن في قلبه رحمةٌ للخلق، فقد نُزِع منه رحمة ربما لا تدركه بعدها رحمةُ الله، لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ فقد ربط الله رحمته وتحقُّقها للمرء بأن يحقِّقها هو مع الخلق؛ فإن الله تعالى قد أنزل الرحمة بين عباده ليتراحَمُوا، وطلب منهم ذلك.
أخبر النبيُّ ﷺ أن رحمة الله مقصورة على عباده الرحماء؛
قال ﷺ:
«إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»
[4].
قال النَّبِيُّ ﷺ:
«الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»
[5]؛
أي: إن الَّذين يَرحَمون مَن في الأرضِ مِن إنسانٍ أو حيوانٍ أو طيرٍ أو غيرِه؛ شَفَقةً ورَحمةً ومُواساةً، يَرحَمُهم الرَّحمنُ برَحمتِه الَّتي وَسِعَت كلَّ شيءٍ، فيَتفضَّل عليهم بعَفوِه وغُفرانِه وبرِّه وإحسانِه؛ جزاءً وفاقًا. فارحَموا جميعَ مَن في الأرضِ مِن أنواعِ الخَلْقِ، يَرحَمْكم مَن في السَّماء، وهو اللهُ تعالى العليُّ بذاتِه، المستوِي على العرشِ فوقَ سَمَواتِه.
يروي أبو هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه سبب حديث الباب، قَالَ:
قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ»
[6].
قال النبيُّ ﷺ الأسوُة الحسنة والرحمةُ المهداة، يَضرِب الْمَثَل بالرحمة بالضُّعفاء من الصبية والأطفال:
«إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ»
[7].
انظر إلى رحمته ﷺ بالطَّير والحيوان؛
فعن عبد الله بن مسعود قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا». وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ»
[8].
إن رسالة الإسلام عمادُها الرحمة، التي لولاها ما قامت؛ قال تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ}
[آل عمران: ١٥٩].
إن الرحمة علامة على الإيمان، وعَدَم الرحمة علامةٌ على الشَّقَاء، ومن رحمة الله على المرء أن يضع في قلبه الرحمة؛
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ»
[9].
17. ينبغي أن تسع الرحمة الخلق جميعًا؛
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، كُلُّنَا يَرْحَمُ، قَالَ: «لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ؛ يَرْحَمُ النَّاسَ كَافَّةً»
[10].
18.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
«بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ»
[11].
19. مما ينبغي أن يُعلَم: أن الرحمةَ صفةٌ تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كَرِهَتْها نفسُه، وشقَّت عليها، فهذه هي الرَّحمة الحقيقية، فأرحمُ الناس بك من شَقَّ عليك في إيصال مصالحك، ودفع الْمَضارِّ عنك.
20. من رحمةِ الأبِ بولده: أن يُكرِهَه على التَّأدُّب بالعلم والعمل، ويشقَّ عليه في ذلك بالضَّرب وغيره، ويَمنَعه شَهَواتِه التي تعود بضرره، ومتى أَهمَل ذلك من ولده، كان لقِلَّة رحمته به، وإن ظنَّ أنه يَرحَمه ويُرفِّهُه ويُريحه، فهذه رحمة مقرونة بجهل؛ كرحمة الأمِّ؛ ولهذا كان من إتمام رحمة أرحم الراحمين: تسليطُ أنواع البلاء على العبد؛ فإنه أَعلَم بمصلحته، فابتلاؤه له وامتحانه ومنعه من كثير من أعراضه وشهواته، من رحمته به؛ ولكن العبد لجهله وظُلمه يتَّهِم ربَّه بابتلائه، ولا يَعلَم إحسانه إليه بابتلائه وامتحانه [12].
1. "مختصر الصواعق المرسلة" لابن القيم (ص: 483).
2. رواه البخاريُّ (6000)، ومسلم (2752).
3. "مدارج السالكين" لابن القيم (1/ 35).
4. رواه البخاريُّ (7448) ومسلم (923).
5. رواه أبو داود (4941)، والترمذيُّ (1924)، وقال: حديث حسن صحيح.
6. رواه البخاريُّ (5997)، ومسلم (2318).
7. رواه البخاريُّ (707).
8. رواه أبو داود (2675)، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2268).
9. رواه أحمد (9700)، وأبو داود (4942)، والترمذيُّ (1923)، وقال الألبانيُّ في صحيح الترغيب والترهيب" (2261): حسن.
10. رواه أبو يعلى (4258)، وصحَّحه الألباني في "الصَّحِيحَة" (167)، وفي "صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب" (2253).
11. رواه البخاريُّ (3467)، ومسلم (2245).
12. "إغاثة اللهفان" لابن القيم (2/ 174).
21. الرحمة صفة ثابتة لله، وصف بها نفْسه، فهو سبحانه الرحمنُ الرحيم، والرحمةُ أيضًا صفةٌ يوصَف بها المخلوق، وللخالق سبحانه من الوصف ما يَليق بكماله، وللمخلوق ما يَتناسب معه، وتعالى سبحانه عن أن يُشبه خلقه، أو يُشبهه شيءٌ من خَلْقه.
22. أنكرت الأشاعرةُ والمعتزِلة صفة الرّحمة؛ بدعوى أنّها في المخلوق ضَعْفٌ وخَوَر وتألُّم للمرحوم، وهذا من أقبح الجهل؛ فإنّ الرّحمة إنّما تكون من الأقوياء للضُّعفاء، فلا تستلزم ضعفًا ولا خَوَرًا؛ بل قد تكون مع غاية العزَّة والقُدرة، فالإنسان القويُّ يرحم ولده الصَّغير وأبويه الكبيرين، ومن هو أضعف منه، وأين الضّعف والخور- وهما من أذمِّ الصّفات - من الرّحمة الّتي وصف اللّه نفسه بها، وأثنى على أوليائه المتصّفين بها، وأمرهم أن يتواصَوا بها؟! [1].
23. رحمته سبحانه وسعت في الدّنيا المؤمن والكافر والبرّ والفاجر؛ ولكنّها يوم القيامة تكون خاصّةً بالمتّقين؛
كما قال تعالى:
{فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤْمِنُونَ}
[الأعراف: ١٥٦]،
وقال تعالى:
{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ۖ }
[الأنعام: ٥٤]؛
أي: أوجبها على نفسه تفضُّلاً وإحسانًا، ولم يوجبها عليه أحد [2].
24.
{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍۢ رَّحْمَةً }
يدلُّ على أن كلَّ شيء وَصَله علم الله، وهو واصل لكلِّ شيء، فإنَّ رحمته وصلت إليه؛ لأن الله قرن بينهما في الحكم
{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍۢ رَّحْمَةً}
وهذه هي الرحمة العامَّة التي تشمل جميع المخلوقات، حتى الكفَّارَ؛ لأن الله قَرَن الرحمة هذه مع العلم، فكلُّ ما بلغه علمُ الله - وعلمُ الله بالغٌ لكلِّ شيء - فقد بلغته رحمته، فكما يَعلَم الكافرَ، يَرحَم الكافر أيضًا [3].
25. رحمة الله تعالى للكافر هي رحمة جسدية بَدَنية دنيوية قاصرة غاية القصور بالنسبة لرحمة المؤمن، فالذي يَرزُق الكافر هو الله الذي يَرزُقه بالطعام والشراب واللباس والمسكن والمنكح وغير ذلك [4].
26. رحمة الله للمؤمنين هي رحمة خاصَّة؛ لأنها رحمة إيمانية دينية دنيوية؛ ولهذا تجد المؤمن أحسن حالاً من الكافر، حتى في أمور الدنيا؛ لأن الله يقول:
{مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ }
[النحل: 97].
والحياة الطيِّبة هذه مفقودة بالنسبة للكفَّار؛ فحياتهم كحياة البهائم، أما المؤمن فإن أصابته سرَّاءُ، شكر، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر، فهو في خير في الحالين، وقلبُه منشرِح مطمئنٌّ متَّفِق مع القضاء والقدر، لا جزع عند البلاء، ولا بطر عند النعماء؛ بل هو متوازن مستقيم معتدل [5].
27. الجمع بين قوله تعالى:
رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍۢ رَّحْمَةً
[غافر: 7]،
وقوله:
{وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}
[الأحزاب: 43].
(ِبالْمُؤْمِنِين) متعلِّق بـ(رحيمًا)، وتقديم المعمول يدلُّ على الحصر، فيكون معنى الآية: وكان بالمؤمنين لا غيرِهم رحيمًا: فالرحمة في الآية الأولى رحمة عامَّة للكافر والمؤمن، وفي الآية الثانية رحمةٌ خاصَّة متَّصِلة برحمة الآخرة، لا ينالها الكفَّار [6].
28.
قال تعالى:
{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ۖ }
[الأنعام: ٥٤]؛
أي: أوجب على نفسه الرحمة، فالله عزَّ وجلَّ لكرمه وفضله وجُوده أَوْجَب على نفسه الرحمة، وجَعَل رحمته سابقةً لغضبه؛
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍۢ}
ﱠ [فاطر: 45]؛
لكن حِلمه ورحمته أوجبت أن يبقى الخلق إلى أجل مسمًّى [7].
29. إن الرحمن دالٌّ على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دالٌّ على تعلُّقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دالٌّ أن الرحمة صفته، والثاني دالٌّ على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردتَ فَهم هذا،
فتأمَّل قوله:
{وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}
[الأحزاب: 43]،
﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
[التوبة: 117]،
ولم يجئ قطُّ (رحمن بهم)، فعُلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته [8].
1. "شرح العقيدة الواسطية" لمحمد خليل هرّاس (ص: 106، 107).
2. "شرح العقيدة الواسطية" لمحمد خليل هرّاس (ص: 107).
3. "شرح العقيدة الواسطية" للعثيمين (ص: 248، 249).
4. "شرح العقيدة الواسطية" للعثيمين (ص: 249).
5. "شرح العقيدة الواسطية" للعثيمين (ص: 249).
6. "شرح العقيدة الواسطية" للعثيمين (ص: 250، 251).
7. "شرح العقيدة الواسطية" للعثيمين (ص: 251).
8. "بدائع الفوائد" لابن القيم (1/ 24).
«مَن لا يَرْحَم لا يُرْحَم» الأكثر على أن (من) موصولةٌ؛ بمعنى: الذي لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ، برفع الفِعْلَين، فالأوَّل جُملة صلة الموصول، والثاني جُملة الخبر، ويجوز أن تكون (من) شرطيّةً؛ بمعنى: من لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ، بجزم الفعلين؛ فعلِ الشَّرْط وجوابِ الشَّرْط.