عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:  «مَن صام رَمَضَانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّم من ذَنْبه، ومَن قام ليلةَ القَدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذَنْبه». 

وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه أيضًا، أن النبيَّ ﷺ قال:  «مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبه».

هدايات الحديث

1. إن لله تعالى نَفَحاتٍ، فقد اختار سبحانه من الأوقات والأماكن، وجعل اغتنامَها من الفَوز العظيم والفلاح الْمُبين، وهذا مما يُحفِّز الإنسانَ على العمل، فينبغي للمؤمن أن يغتنم هذه النَّفَحاتِ.

2. إن الله تعالى أخفى ليلة القَدْر حتى يجتهد المؤمن في جميع الليالي، وكذلك أخفى ساعة الإجابة يوم الجُمُعة، والوقت الذي ينزل الله عز وجل فيه إلى السماء الدنيا، وهذا النبيُّ ﷺ كان يجتهد في العَشْر ما لا يجتهد في غيرها؛ فهَلُمَّ إلى اغتنام نفحات الله تعالى.

3. أمامك طريقان لتنال غفران الله؛ أحدهما فيه مشقَّة لا تخلو عن لذَّة الطاعة والقُرب من الله تعالى، بقيام ليالي رمضانَ كلِّها. والآخَر: يسير، وهو الاقتصار على قيام ليلة القدر وتحرِّيها، فالأول يقين، والآخر مَبْناه على الظنِّ والتَّخْمِين، فأيَّهما تختار: الظنَّ أم اليقين؟

4. إن كلَّ عمل لابدَّ له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعةً وقُربة حتى يكون مصدرُه عن الإيمان، فيكون الباعثُ عليه هو الإيمانَ الْمَحْضَ، لا العادةَ، ولا الهوى، ولا طلب الْمَحْمَدة والجاه، وغير ذلك؛ بل لا بدَّ أن يكون مبدؤه محضَ الإيمان، وغايتُه ثوابَ الله، وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب [1].

5. غاية الصيام التقوى؛ ﱡلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﱠ، أن تصوم وتقوم «إيمانا واحتسابًا»؛ فالإسلام ليس شكليَّاتٍ ظاهريةً؛ بل إنه يُحيي النفوس والقلوب بهذه النفحات الإيمانية، فيصوم المرء ويقوم إيمانًا واحتسابًا وتجرُّدًا وإخلاصًا لله تعالى، فتتشرَّب نفسه المعاني الإيمانية، فتَقَرَّ في نفسه وقلبه؛ ليُكمل الطريق إلى الله والدار الآخرة.

6. إن ممارسة العبادة هي التي تُعين المرء على إحياء نفسه وقلبه؛ فمهما قرأتَ من كتب نظرية، أو استمعتَ لدروس عن التقوى والإيمان والاحتساب والإخلاص لله تعالى، فلا يمكِن أن تَلمِس هذه المعانيَ وتحياها إلا بمباشرة العبادة إيمانا واحتسابًا، فتلمس معنى التقوى والإخلاص لله تعالى.

7. إن الهدف الأسمى والغاية الكبرى من الصوم هي التقوى؛ فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدِّي هذه الفريضة؛ طاعةً لله، وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية.

8. التقوى هي غاية تتطلَّع إليها أرواح المؤمنين، والصوم أداة من أدواتها، وطريق مضيء موصِّل إليها.

9. إنها ليلة القدر خيرُ الليالي على الإطلاق.. ليلةٌ خير من ألف شهر.. إنها ليلةُ التقدير والتدبير، ليلة القَدْر والقيمة والمقام، ليلة الحَدَث الكونيِّ العظيم، ليلة نزول القرآن والوحي والرسالة؛ فيا لسعادة من اغتنمها!

10. كم من الشهور والسنين قد انقضت دون أن تترك في حياة المرء بعض ما تركته هذه الليلة المباركة السعيدة من آثار وتحوُّلات وإيمان وهدى!

11. المحبُّون تطول عليهم الليالي فيَعُدُّونها عدًّا لانتظار ليالي العشر في كل عام، فإذا ظَفِروا بها نالوا مطلوبهم، وخدموا محبوبهم [2].

12. رَمَضَانُ يَا عُرْسَ الهِدَايَةِ مَرْحَبًا = يَا نَبْعَ خَيْرٍ فِي الوُجُودِ تَدَفَّقَا

مَا أَنْتَ إِلاَّ رَحْمَةٌ عُلْوِيَّةٌ = خَصَّ الإِلَهُ بِهَا الوَرَى وَتَرَفَّقَا

13. رَمَضَانُ بِالحَسَنَاتِ كَفُّكَ تَزْخَرُ = وَالكَوْنُ فِي لَأْلاءِ حُسْنِكَ مُبْحِرُ

يَا مَوْكِبًا أَعْلامُهُ قُدْسِيَّةٌ = تَتَزَيَّنُ الدُّنْيَا لَهُ تَتَعَطَّرُ

أَقْبَلْتَ رُحْمًا فَالسَّمَاءُ مَشَاعِلٌ = وَالأَرْضُ فَجْرٌ مِنْ جَبِينِكَ مُسْفِرُ

هَتَفَتْ لِمَقْدِمِكَ النُّفُوسُ وَأَسْرَعَتْ = مِنْ حُوبِهَا بِدُمُوعِهَا تَسْتَنْفِرُ

المراجع


1. "الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه" لابن القيم (1/ 10).

2. "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 204).


مشاريع الأحاديث الكلية